أعاني من مرض غريب

أجاب عنها : سعد العثمان
التاريخ 6/11/1432 هـ

السؤال:
أنا فتاة عمري: 32 عاماً، أعاني من مرض غريب، هو الخوف من المستقبل، وما سيحمله من مصائب بجميع أنواعها، أفكر بالأسوأ في جميع أموري، فقدت إقدامي في جميع الأمور، من فترة ليست بالطويلة، أعاني من مرض الخوف، الذي يستدعي ذهابي إلى الطبيب، مع العلم بأنِّي لا أتناول المهدئ الذي يعطى لي، أخشى من تقلبات الدهر، من وِحْدَةٍ، وبؤسٍ، وموتٍ وحرمانٍ وفقرٍ. حتى وصل بي الحال لدرجة أن التفكير يأخذ كل وقتي، في هذه الأمور. فهل هذا أمر طبيعي؟؟. مع العلم أنَّ كل ما أخاف منه يحدث!!



الجواب:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخص لك أختي الفاضلة جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: قوي صلتك بالله، واعلمي أنَّ مقاليد السَّماوات والأرض بيد الله وحده، ولا يحدث حدث ما، صغر أم كبر، في هذا الكون كلِّه إلا بأمره جلَّ وعزَّ، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. وقال سبحانه في موضوع الآجال والأعمار: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: من الآية49].
وثبت في الصحيح، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعب رزقها".
فما دامت أختي الكريمة، آجالنا، وأعمارنا، وأقدارنا، وأرزاقنا، وصحتنا، وسقمنا، بيد ربنا، وهو أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، ففيم الخوف من حاضرنا ومستقبلنا؟؟.
وأنصحك أن تستيقظي وقت السَّحر، في الثلث الأخير من الليل، قومي وصلي لله ركعتين، واستغفري الله، ثم توسَّلي له بضعفك، وإيمانك، وبأعمالك الصالحة، أن يصلح حالك وشأنك، وقولي في دعائك وأنت ساجِدَة: اللهم يا أرحم الراحمين!! يا رجاء السَّائلين!! يا أمان الخائفين!! يا رب العالمين!! يا حي يا قيوم!! يا ذا الجلال والإكرام!! برحمتك أستغيث، ورحمتك أرجو، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا أقلَّ من ذلك...

ثانياً: استخدمي عبادة الدُّعاء، في كل وقت وحين، اطلبي من الله الذي بيده وحده حلُّ جميع المشاكل والأزمات، أن يحلَّ مشكلتك، ويعينك، ويحفظك، وحافظي على أذكار الصَّباح والمساء، وقراءة كلِّ يوم جزء من القرآن الكريم، ويوجد في أذكار الصباح والمساء، دعاء ذهاب الهم والغم والحزن، وهو: (اللهم إنِّي أمتك، وابنة عبدك، وابنة أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سمَّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب الله همَّه وحزنَه، وأبدله مكانه فرجاً) رواه أحمد، وصححه الألباني. كرِّري هذا الدُّعاء كثيراً، في الصَّباح، وفي المساء، وما بينهما، وستجدين بإذن الله ما يسُرُّك، وسيتبدل حالك إلى الأفضل والأحسن.

ثالثاً: التَّفاؤل محمود شرعاً، والتَّشاؤم مذموم وممقوت شرعاً، وكما قيل: (تفاءلوا بالخير تجدوه). يقول الشيخ/ ناصر العمر: إنَّ التفاؤل يدفع الإنسان لتجاوز المحن، ويحفزه للعمل، ويورثه طمأنينة النفس، وراحة القلب. والمتفائل لا يبني من المصيبة سجناً يحبس فيه نفسه، لكنه يتطلع للفرج الذي يعقب كل ضيق، ولليسر الذي يتبع كل عسر.
فاجعلي أختي الكريمة التَّفاؤل نصب عينيك، ولا تلفظي كلمة التَّشاؤم والسُّوء بلسانك، فإنَّ البلاء موكولٌ بالنُّطق.

رابعاً: حاولي دائماً ألا تجلسي لوحدك، ولو جلست منفردة، لا تطلقي العنان لأفكارك، بل فكرِّي بما ينفعك ولا يضرك، واستمعي لتلاوة القرآن الكريم، أو اقرئي كتباً وقصصاً نافعة، في وقت خلواتك، وجلوسك لوحدك، وأقترح عليك شراء كتاب: لا تحزن، للشيخ/ عائض القرني، فقراءته لمثل حالتك دواء ناجع، وبلسم شافي، فاحرصي على اقتنائه والمطالعة فيه بشكل دائم.
المهم ألا تجعلي منفذاً للشيطان عليك، في أوقات فراغك، أشغلي أوقات الفراغ بممارسة بعض الهوايات المفضلة، والأعمال النافعة.

خامساً: اتخذي لك صاحبة صالحة، وصديقة مخلصة، تخفف عنك بعضاً من متاعبك، وهمومك.

سادساً: علِّقي لوحة جميلة في مكان بارز في غرفتك، واكتبي عليها العبارة الآتية:
(لا تثقلي يومَكِ بهمومِ غَدكِ، فقد لا تأتي همومُ غدك، وتكوني قد ضيعتِ على نفسك سرور يومكِ).
ختاماً: احتسبي ما يحصل لك، من هذا الضِّيق والتَّعب، والهمَِ والغمَِ والحزن، عند الله تعالى، وليكن شعارك الصَّبر على أقدار الله المؤلمة، حتى تؤجري وتثابي، قال صلَّى الله عليه وسلم: "عجباً لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له" رواه مسلم.

أسأل الله لكِ صلاح الحال في الدنيا والآخرة، ولا تنسني من صالح دعائك
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.