بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(( سورة الكوثر))
الامتداد الحق….للكلمة الطيبة التي أصلها ثابت……وفرعها في السماء
ما أجّلها من سورة!! وأغزر فوائدها على اختصارها وحقيقة معناها تعلم من آخرها, فإنّه سبحانه بتر شانئ رسوله ( صلى الله عليه وسلم) من كل خير ……
فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة , ويبتر حياته فلا ينتفع بها , ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده , ويبتر قلبه فلا يعي الخير, ولا يؤهله لمعرفته ومحبته , ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة , ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً ولا عوناً , ويبتره من جميع القرب فلا يذوق لها طعماً, ولا يجد لها حلاوةً , وإن باشرها بظاهره , فقلبه شارد عنها…
وهذا….أخي جزاء من شنأ بعض ما جاء به سيد الخلق محمد ( صلى الله عليه وسلم).
وكل من شنأه أخي,,,,له نصيب من الإنبتار , على قدر شناءته له…
فالكافر جازاه الله بأن جعل الخير كله معادياً له , فبتره منه, وخص نبيه ( صلى الله عليه وسلم) بضد ذلك …… وهو أنّه أعطاه (( الكوثر)) …..منبع الكثرة
((إنّا أعطيناك الكوثر))
عطية كثيرة صادرة عن معط كبير غني واسع……ويدل لفظ (( إنّا)) …أنّه تعالى وملائكته وجنوده معه….وصدرت الآية بإنّ الدالة على التوكيد…والفعل الماضي الدال على التحقيق….بأن إعطاء الكوثر سابق في القدر الأول حين قُدرت مقادير الخلائق……قبل خلقهم بخمسين ألف سنة….وحذف موصوف الكوثر ليكون أبلغ في العموم… والكلام مسوق مساق البشارة وإنشاء العطاء ….والكوثر المعروف إنّما هو نهر في الجنة … وهو فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة….وأتت الكوثر بلام التعريف دلالة على إعطائه الخير كله كاملاً موفوراً……,وإن نال بعض أمته شيئاً كان ذلك ببركة إتباعه ( صلى الله عليه وسلم) , والإقتداء به……
ولاحظ أخي إن في هذا إشارة إلى أنّ الله تعالى يعطيه في الجنة بقدر أجور أمته كلهم من غير أن ينتقص من أجورهم…..فإنّه هو السبب في هدايتهم ونجاتهم…..( صلى الله عليه وسلم)!!
فهلّم بنا أخي,,,,نقرأ,,,ونتعلم ,,ونعمل صالحاً,,,,ونتصدق,,,,ونحج ,,,,ونجاهد,,,,ونرابط,,,,ونصبر,,,,ونتوكل,,,لننال مقاماً من المقامات القلبية ,,,,من خشية وخوف ومعرفة,,,فينال سيد الخلق محمد( صلى الله عليه وسلم)….مثل أجرنا من غير أن ينقص ذلك من أجرنا شئ!!!!
وتأمل أخي في الله….إذا كان أقل أهل الجنة من له فيها مثل الدنيا بعشر مرات…..فما ظنك ؟؟؟ بما أعده الله سبحانه لرسولنا الكريم ( صلى الله عليه وسلم)
والكوثر….. الخير الكثير الذي آتاه الله في الدنيا والآخرة….فمما أعطاه في الدنيا الهدى…والنصر….والتأييد…وقرة العين والنفس….وشرح الصدر….ونعم قلبه بذكره وحبه فلا يشبه نعيمه نعيم في الدنيا!!!!!!
وإن أردت أخي تتبع هذا….الكوثر
فأنت واجده في النبوة….الاتصال بالحق الكبير….
وأنت واجده في القرآن الذي نّزل عليه….
ثم في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه ويصلي على من يصلي عليه…….حيث يقترن أسمه باسم الله في الأرض والسماء….
ثم في سنته الممتدة….في أرجاء الأرض….وملايين الملايين الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه!!
والقلوب العاشقة له…..
أما الآخرة…..فأعطاه سبحانه الوسيلة والمقام المحمود , وجعله أول من يفتح له ولأمته باب الجنة ,,,,,ولواء الحمد ,,,والحوض العظيم …..وجعل المؤمنين كلهم أولاده وهو أبٌ لهم….وعن النبي ( صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي أخرجه مسلم :
( أتدرون ماالكوثر؟؟؟…إنّه نهر في الجنة وعدنيه ربي فيه خير كثير )
وورد في صفاته….أنّه...أحلى من العسل
وأشدُ بياضاً من اللبن….
وأبرد من الثلج…
وألين من الزبد…حافتاه الزبرجد,,,,وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء!!!!
لا يظمأ من شرب منه أبداّ…
ولكنه….كما قال ابن عباس….أن نهر الكوثر هو من بين الخير الكثير الذي أوتيه سيد الخلق محمد ( صلى الله عليه وسلم) ….فهو كوثر من الكوثر!!!!
ولاحظ الإعجاز أخي….في هذا الخير العظيم,,في سورة من أقصر سور القرآن عدد كلمات ,,, وعدد حروف!!!!!
(( فصل لربك وأنحر))
أمره الله سبحانه ….أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين,,,الصلاة والنسك,,,,الدالة على قوة اليقين ..وطمأنينة القلب إلى الله….عكس من كابر …وظن أن لاحاجة له في صلاة يسأل الله فيها….ولا ينحر لله خوفاً من الفقر!!!
ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى :
(( قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين))
((فصل))….بقطع العلائق من الخلائق بالوقوف بين يدي الله عزّ وجل….شكراً لأحسان المنعم!!!
((لربك))…..إضافة ( رب ) إلى ضمير المخاطب لتشريف النبي ( صلى الله عليه وسلم) وتقريبه…وفيه إشارة بأنه يرّبه ويرأف به…..
ولاحظ أخي….أن الصلاة والنسك هما أجّل ما يتقرب به إلى الله…..
فأتى فيهما بالفاء الدالة على السبب,,,لأن فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الخير الكثير!!
فالصلاة نهاية العبادات,,,,البدنية ويجتمع للعبد في الصلاة ما لا يجتمع له في غيرها….كما عرف ذاك أرباب القلوب الحية , وأصحاب الهمم العالية,,,,!!!
وأجل العبادات المالية….النحر..لما فيه من إيثار مرضاة الله , وحسن الظن به سبحانه , والوثوق بما في يده….وقد نحر سيد الخلق محمد ( صلى الله عليه وسلم) …بيده الشريفة ممتثلاً لأمر ربه….ثلاثاً وستين بدنه…..في حجة الوداع!!
وفيها …إشارة إلى ترك الإلتفات إلى الناس,,,وما ينالك منهم …بل صل لربك وأنحر.
وتعريض بحال الأبتر الشانئ , الذي صلاته ونسكه لغير الله.
ولاحظ أخي عندما قدم الله سبحانه الصلاة على النحر…..كانت السنة الذبح بعد الصلاة في عيد النحر.
وإراقة الدم لله….أبلغ في الخضوع والعبادة له….ولهذا كان من قبلنا لا يأكلون القربان , بل تأتي نار من السماء فتأكله….وكذلك إذا غنموا غنيمة جمعوها لتأكلها النار ليكون قتالهم محضاً لله!!!
وأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ….وسّع الله عليهم لكمال يقينهم وإخلاصهم , وإنّهم يقاتلون لله ولو أكلوا المغنم….ويذبحون لله ولو أكلوا القربان…..
ولهذا لم يجز الذبح لغير الله….ولا أن يسمى غير الله على الذبائح…
والمقصود من هذا…تحقيق العبودية لله,,,,بغاية المحبة وغاية الذل والإخلاص!!!
((إنّ شانئك هو الأبتر))
شانئك أي مبغضك…. والأبتر مقطوع النسل….الذي لايولد له خير ولا عمل صالح فلا يتولد عنه خير أبداّ….
كما في الحديث …( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر)
وأنتبه أخي لما قاله أبي بكر بن عياش لما قيل له إنّ بالمسجد قوماً يجلسون ويجلس الناس إليهم…..فقال: من جلس للناس , جلس الناس إليه…ولكن أهل السنة يموتون , ويحيي ذكرهم…وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم….لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به سيد الخلق محمد( صلى الله عليه وسلم) فكان لهم نصيب من قوله (( ورفعنا لك ذكرك))….
وأهل البدعة شنئوا ما جاء به محمد ( صلى الله عليه وسلم) فكان لهم نصيب من قوله
(( إنّ شانئك هو الأبتر))
وفي الآية…أنواع من التأكيد…تنبه لها أخي!!
1-تصدير الجملة بإنّ .
2-الإتيان بضمير الفصل الدال على قوة الإسناد والاختصاص ((هو)).
3-مجئ الخبر على وزن (أفعل)…للتفضيل.
4-تعريفه باللام الدالة على حصول هذا الموصوف له بتمامه .
وأنتبه أخي ….إلى ما في الآية من صرف مراد القائل عن الأبتر الذي هو عديم الأبن الذكر..إلى ما هو أجدر بالإعتبار…ألا وهو الناقص حظ الخير!!!
فلا ينقص المرء أنه لا ولد له لأن ذلك لا ينقص من صفاته وأخلاقه وعقله…وهب أنه لم يولد له البتة…
وأما الناس…فيبتغون الذكور رجاء الاستعانة بهم عند الكبر ,,,وذاك أمر قد يعرض وقد لايعرض…أو لمحبة ذكر بعد الموت وهذا أمر وهمي!!
أما سيد الخلق محمد ( صلى الله عليه وسلم)….فقد أغناه الله بالقناعة ,,, وأعزّه بالتأييد..وجعل له لسان صدقٍ لم يجعله لأحد من خلقه…فتمحض أن كماله الذاتي بما علمه الله سبحانه ,,,فجعل فيه رسالته, وإن كماله العرضي في كل من اتبعه إلى يوم الدين إذ جعله الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم….
أخي….في الله
إنّ الإيمان والحق لا يمكن أن يكون أبتر….فهو ممتد الفروع والجذور….
وكيف لا؟؟؟
وهو موصول بالله الحي الباقي الأزلي الخالد….إنّما يبتر الكفر وأهله مهما بدا في لحظة من اللحظات أنّه طويل الأجل ممتد الجذور!!!!!
وصدق الله العظيم….وكذب الكائدون الماكرون…..
ملحوظة للمسابقة ايتين والتكملة لاكمال شرح السورة
وبارك الله فيكم
رد مع الاستدلال
--
سألت عَبد اللَّهِ بْن دَاوُد عَنِ التوكل، فَقَالَ: أرى التوكل حسن الظن بالله ) [تهذيب الكمال]
الروابط المفضلة