مقتطفات من حياة الشيخ محمد بن جميل زينو يرحمه الله

للكاتب : وليد دويدار



روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله[ يقول: «إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا». وفي الحديث المتفق عليه أيضاً عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالاَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ[: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ».

ومن هذين الحديثين نعلم علم اليقين أن من أشد المصائب التي تحلُّ بهذه الأمة بل هي مقدِّمات بين يدي الساعة، مصيبة فقد العلماء الربانيين والدعاة المربين، وجهابذة المصلحين، الذين شهد لهم أئمة العلم والدين بالديانة والعلم، ولقد كان أيوب يقول: «إني لأخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأنما أفقد بعض أعضائي»، فكيف نقول نحن في موت العلماء؟! وقد قال هلال بن خباب: قلت لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: «إذا ذهب علماؤهم».

وها نحن أولاء اليوم نودّع علماً بارزا من أعلام الدعوة ورموزها، وهو فضيلة الشيخ محمد بن جميل زينو الحلبي ثم المكيّ –رحمه الله رحمة واسعة- المدرس في دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منها.

ولد الشيخ -رحمه الله- في مدينة حلب في سوريا عام 1925م، الموافق 1344هـ، ونال الشهادة الثانوية العامة، ونجح في مسابقة بعثة الأزهر، لكنه لم يذهب لأسباب صحية، ودخل دار المعلمين في حلب، وعمل مدرساً بها لمدة 29 سنة تقريباً، ثم ترك التدريس بها.

وبعد استقالته من التدريس جاء بعمرة إلى مكة عام 1399هـ ، وتعرف على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- وعرف أن عقيدته سلفية، فاعتمده مدرساً في الحرم المكي وقت الحج، ولما انتهى موسم الحج أرسله إلى الأردن للدعوة إلى الله، فذهب إلى هناك ومكث في مدينة (الرمثا) في جامع صلاح الدين، فكان إماماً وخطيباً ومدرساً للقرآن، وكان يزور المدارس الإعدادية ويوجه الطلاب إلى عقيدة التوحيد، فكانوا يتقبلونها بقبول حسن .

وفي شهر رمضان من عام 1400هـ جاء بعمرة إلى مكة، وبقي إلى بعد الحج واتصل بمدير دار الحديث الخيرية بمكة فأبدى استعداده لأن يكون الشيخ مدرساً، وطلب إليه تزكية من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، فكتب إلى المدير يطلب إليه أن يكون مدرساً عندهم، فدخل المدرسة، ودرس الطلاب التفسير، والتوحيد، والقرآن الكريم وغيرها من الدروس.

ثم بدأ الشيخ –رحمه الله- بإصدار رسائل صغيرة، مختصرة، وبسيطة، فكان لها قبول في جميع بلاد العالم، وقد تُرجم بعضها إلى الإنجليزية، والفرنسية، والبنغالية، والإندونيسية، والتركية، والأوردية، وغيرها من اللغات، وسماها: «سلسلة التوجيهات الإسلامية»، ومن هذه الرسائل:

تكريم المرأة في الإسلام.، وعقيدة كل مسلم في سؤال و جواب. وتوجيهات إسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع. ومنهاج الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. وكيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم؟، وخذ عقيدتك من الكتاب والسنة. وكيف نربي أولادنا وما هو واجب الآباء والأبناء؟ وتفسير وبيان لأعظم سورة في القرآن. وشهادة الإسلام «لا إله إلا الله محمد رسول الله». ومن بدائع القصص النبوي الصحيح. ونداء إلى المربين والمربيات.. لتوجيه البنين والبنات. وقطوف من الشمائل المحمدية والأخلاق النبوية والآداب الإسلامية. وغيرها، فقد وصلت إلى أكثر من عشرين رسالة طبع منها مئات الآلاف، وأكثرها مجانية، توزع في كل مصر.

وقد ذكر الشيخ في كتابه (كيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم؟) قصة تحوله من الطريقة الصوفية النقشبندية، إلى الطريقة الصوفية الشاذلية، ثم إلى الطريقة القادرية، ثم إلى الطريقة الصوفية المولوية، وبين أموراً عندهم وردّ عليها، وكذلك خروجه مع جماعة التبليغ، ثم قال في خلاصته بعد بيان اعتداله: قال رسول الله[: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم». رواه مسلم.

وعملاً بقول هذا الرسول الكريم[ فإني أوجه نصيحتي لجميع الجماعات الإسلامية أن يتقيدوا بما جاء في القرآن، والأحاديث الصحيحة، حسب فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، كالصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين ، ومن سار على طريقتهم» ا.هـ كلامه رحمه الله.

هذا وقد توفي الشيخ -رحمه الله- تعالى بعد رحلة طويلة في الدعوة إلى التمسك بكتاب الله وسنة رسوله[ بفهم السلف الصالح، وقدم روحه لباريها بعد معاناة من المرض في السنين الأخيرة –أسأل الله تعالى أن يرفع بهذا درجاته- في يوم الجمعة الموافق 29 من شهر شوال عام 1431هجرية، الموافق 8 من أكتوبر عام 2010م، وكانت صلاة الجنازة بالحرم المكي بعد صلاة العشاء, حيث توافد على حضور الجنازة الكثير من العلماء والدعاة وطلبة العلم، فنسأل الله تعالى أن يتغمده برحمته، وأن يجعله من أهل الفردوس الأعلى.

وقد نقلت هذه الترجمة بتصرف من كتابه «كيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم؟» فمن أراد التوسع في ذلك فليرجع إليه، وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى.

مجلة الفرقان الكويت العدد 605 الاثنين 18/10/2010م