نكمل مع بعض الجزء التاني
من العقيدة الوسطية لشيخ الاسلام أبن تيمية رحمه الله
محبة الله صفة من صفاته الفعلية ، ودليلها قوله تعالى : (فَسَوْفَ يأتي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(المائدة: الاية54). وقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج:14) . والود خالص المحبة ، ولا يجوز تفسير المحبة بالثواب ؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
المغفرة والرحمة :
الدليل على ثبوت صفة المغفرة والرحمة لله قوله تعالى وَكَان اللَّهُ غَفُورا رَحِيما)(النساء: الاية96) . والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه .
والرحمة صفة تقتضي الإحسان والإنعام ، وتنقسم إلى قسمين : عامة وخاصة .
فالعامة هي الشاملة لكل أحد ودليلها قوله تعالى : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(الأعراف: الاية156). ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما )(غافر: الاية7).
والخاصة هي التي تختص بالمؤمنين ، ودليلها قوله تعالى : ( وَكَان بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما)(الأحزاب: الاية43) . ولا يصح تفسير الرحمة بالإحسان ؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، ولا دليل عليه .
الرضا والغضب والكراهة والمقت والأسف :
الرضا صفة من صفات الله مقتضاها محبة المرضي عنه والإحسان إليه ، ودليلها قوله تعالى : ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )(المائدة: الاية119) .
والغضب صفة من صفات الله مقتضاها كراهة المغضوب عليه والانتقام منه ، وقريب منها صفة السخط ، ودليل اتصاف الله بهما قوله تعالى : ( وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)(النساء: الاية93). (ذَلِكَ بِأنهُمُ اتَّبَعُوا مَا اسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانهُ )(محمد: الاية28) . والكراهة صفة من صفات الله الفعلية مقتضاها إبعاد المكروه ومعاداته ، والدليل عليها قوله تعالى ً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ) (التوبة:46) . والمقت أشد البغض والبغض قريب من معنى الكراهية ودليل المقت قوله تعالى كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللَّهِ أن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3)
والأسف له معنيان
أحدهما : الغضب ، وهذا جائز على الله ، والدليل قوله فَلَمَّا اسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ). أي:أغضبونا .والثاني : الحزن ، وهذا لا يجوز على الله ، ولا يصح أن يوصف به ؛ لأن الحزن صفة نقص والله منزه عن النقص .
ولا يجوز تفسير الرضا بالثواب ، والغضب بالانتقام ، والكراهة والمقت بالعقوبة ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
المجيء والإتيان :
المجيء والإتيان من صفات الله الفعلية ، وهما ثابتتان لله على الوجه اللائق به ، ودليلهما قوله تعالى : (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا) (الفجر:22) . وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ أن يَاتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ)(البقرة: الاية210). ولا يصح تفسيرهما بمجيء أو إتيان أمره ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ولا دليل عليه . والمراد بقوله تعالى أو يأتي بَعْضُ آيات رَبِّكَ)(الأنعام: الاية158).طلوع الشمس من مغربها الذي به تنقطع التوبة كما جاء تفسيره بذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ووجه ذكر المؤلف من أدلة مجيء الله قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا) (الفرقان:25) . مع أنه ليس في الآية ذكر المجيء : أن تشقق السماء بالغمام وتنزيل الملائكة إنما يكونان عند مجيء الله للقضاء بين عباده ؛ فيكون من باب الاستدلال بأحد الأمرين على الآخر لما بينهما من التلازم .
المكر والكيد والمِحَال :
معنى هذه الكلمات الثلاثة متقارب وهو: التوصل بالأسباب الخفية إلى الانتقام من العدو.
ولا يجوز وصف الله بها وصفا مطلقاً بل مقيداً ؛ لأنه عند الإطلاق تحتمل المدح والذم ، والله سبحانه منزه عن الوصف بما يحتمل الذم ، وأما عند التقييد بأن يوصف الله بها على وجه تكون مدحا لا يحتمل الذم دالاً على علمه وقدرته وقوته ، فهذا جائز ؛ لأنه يدل على كمال الله.
والدليل على اتصاف الله تعالى بهذه الصفات قوله تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(الأنفال: الاية30) . وقوله تعالى إنهم يَكِيدُونَ كَيْدا * وأكيد كَيْدا) (الطارق:15-16). وقوله تعالى وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)(الرعد: الاية13) . ويكون المكر والكيد والمحال صفة مدح إذا كان لإثبات الحق وإبطال الباطل ، وتكون ذما فيما عدا ذلك .
ولا يجوز أن يشتق من هذه الصفات أسماء الله فيقال : الماكر والكائد ؛ لأن أسماء الله الحسنى لا تحتمل الذم بأي وجه ، وهذه عند إطلاقها تحتمل الذم كما سبق .
العفو :
العفو هو المتجاوز عن سيئات الغير ؛ وهو من أسماء الله ، ودليله قوله تعالى وَكَان اللَّهُ عَفُوّا غَفُورا)(النساء: من الاية99) .
من نصوص الصفات السلبية :
سبق أن صفات الله الثبوتية: هي التي أثبتها الله لنفسه ، والسلبية: هي التي نفاها عن نفسه ، وان كل صفة سلبية فإنها تتضمن صفة مدح ثبوتية . وقد ذكر المؤلف رحمه الله آيات كثيرة في الصفات السلبية منها هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا)(مريم: الاية65) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحد) (الإخلاص:4) .( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ اندَادا )(البقرة: الاية22). والسمي والكفء والند معناها متقارب وهو الشبيه والنظير ، ونفي ذلك عن الله يتضمن انتفاء ما ذكر وإثبات كماله حيث لا يشابهه أحد لكماله . ومنها قوله تعالى وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا) (الإسراء:111) . فأمر الله بحمده لانتفاء صفات النقص عنه وهي اتخاذ الولد ، ونفيه عن الله يتضمن مع انتفائه كمال غناه . ونفي الشريك عن الله يتضمن كمال وحدانيته وقدرته ، ونفي الولي عنه من الذل يتضمن كمال عزه وقهره.ونفي الولي هنا لا ينافي إثباته في موضع آخر كقوله تعالى اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ امَنُوا) (البقرة: الاية257) . وقوله َألا أن أولِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)(يونس: الاية62) . لأن الولي المنفي هو الولي الذي سببه الذل ، أما الولي بمعنى الولاية فليس بمنفي . ومنها قوله تعالى يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض)(الجمعة: الاية1) . والتسبيح تنزيه الله عن النقص والعيب ، وذلك يتضمن كمال صفاته .
وفي الآية دليل على أن كل شيء يسبح الله تسبيحاً حقيقياً بلسان الحال والمقال إلا الكافر ؛ فإن تسبيحه بلسان الحال فقط ؛ لأنه يصف الله بلسانه بما لا يليق بالله عز وجل .
ومنها قوله تعالى مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَان مَعَهُ مِنْ الَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ الَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَان اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91) . ففي هذه الآية نفي
اتخاذ الولد ونفي تعدد الآلهة ، وتنزيه الله عما وصفه به المشركون ، وهذا يتضمن مع انتفاء ما ذكر كمال الله وانفراده بما هو من خصائصه ، وقد برهن الله على امتناع تعدد الآلهة
الخلفاء الأربعة :
الخلفاء الأربعة هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وترتيبهم في الخلافة أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي .
ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم ، أو خالف في ترتيبهم ؛ لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة . وثبتت خلافة أبى بكر بإشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إليها،حيث قدمه في الصلاة وفي إمارة الحج ، وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة. وثبتت خلافة عمر بعهد أبى بكر إليه بها ، وبكونه افضل الصحابة بعد أبى بكر .
وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه .
وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحل والعقد له ، وبكونه أفضل الصحابة بعد عثمان .
موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم:
موقفهم في ذلك أن ما جرى بينهم فإنه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله اجر واحد ، وليس ما جرى بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض ؛ لأن حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك ، فإنهم أوفر الناس عقولاً، وأقواهم إيماناً أشدهم طلباً للحق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني )(50) . وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جرى بينهم ونرد أمرهم إلى الله ؛ لأن ذلك أسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم .
موقف أهل السنة من الآثار الواردة في الصحابة :
موقفهم أن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين :
الأول : صحيح لكنهم معذورون فيه ؛ لأنه واقع عن اجتهاد ، والمجتهد إذا أخطأ فله أجر ، وان أصاب فله أجران .
الثاني : غير صحيح أما لكونه كذبا من أصله ، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه ، وهذا القسم لا يقدح فيهم لأنه مردود .
عصمة الصحابة رضي الله عنهم :
الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب ، فإنهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم ، لكنهم أقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية :
1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح .
2. السبق إلى الإسلام والفضيلة،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون (51) .
3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان .
4. التوبة من الذنب ، فإن التوبة تجب ما قبلها .
5. الحسنات التي تمحو السيئات .
6. البلاء وهي المكارِه التي تصيب الإنسان ؛ فإن البلاء يكفر الذنوب .
7. دعاء المؤمنين لهم .
8. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي هم أحق الناس بها .
وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم ، لأنهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم ، ما كان ولا يكون مثلهم
وماتوفيقي الا بالله
لا اله الا الله
..
..
الروابط المفضلة