باللسان نبني الأنفس ونذكر الله ونقرأ كتابه وبه نصير مفاتيح خير مغاليق شر، ولكن إذا أصابت اللسان آفاته، عبد غير الله تعالى وأشرك به, وأحدثت البدع وقرحت أكباد وعذب أبرياء ومظلومون، وخربت بيوت وطلقت نساء وقذفت محصنات ونهبت أموال، فهلا بحثنا عن علاج لآفات ألسنتنا، تعالوا لنتدارس بعض آفات اللسان ونبحث لها عن دواء.

"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
(18)" سورة ق

.

أخواتي وأحبتي في الله نبدأ اليوم بمشيئة الرحمن في ذكر الآفة الأولى من آفات اللسان وهذه الآفة حقيقة الأمر نقع فيها جميعا إلا من رحم ربي. آفة " الغيبة" وحقيقة الغيبة أن كل يعني للأسف المسلمين كبارآ وصغاراً, رجالاً ونساءً للأسف يقعون فيها. .

تعريفها في البداية: هي ذكر عيوب إنسان في غيبته وهي فيه أو ذكرك أخاك بما يكره، قال أهل العلم هي أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، يعني لو بلغ هذا الكلام إلى أخيك الذي ذكرته أنت فهذا هو حد الغيبة وهذا الذكر بما يعيبه، سواء تصف نقصه في بدنه أو في نسبه أو في خلقه أو في فعله أو دينه أو دنياه أو قوله وقال أهل العلم حتى في دابته وفي داره وفي ثوبه إلى هذا الحد حتى يمسك الإنسان لسانه. كل هذه الأمور يضيق المستمع بها ذرعاً، تقول مثلا في نسبه" هو رجل خسيس وهذا قليل الأصل، رجل لا عائلة له، رجل كنّاس في الشارع مثلاً أنت تعيبه في مهنته وفي مكانته وأنت تعلم أن هذا يدخل عليه بالنقص أو ينقص من قدره أمام الناس، أن تذكره مثلا في البدن فتقول رجل قصير, امرأة أنفها كبير، عندما تجلس الأخوات بعضهن مع بعض ويذكرن بعض عيوب الأخوة والأخوات للأسف الشديد تقول هذا أقرع أو هذه لا شعر لها أو تقول الأخت عن أختها: هذه سوداء ، هذه حمراء إلى كل هذه الصفات ونحن نعلم أنها يكرهها صاحب هذه الصفة التي يسمعها حتى وإن كانت فيه، فهذه الغيبة والعياذ بالله رب العالمين. أما الأفعال التي تتعلق بالدين فأنت تقول: هذا إنسان كذاب, هذا إنسان متهاون في الصلاة، هذه إنسانة غير ملتزمة بالحجاب الشرعي، هذا إنسان لا يحسن الصلاة من ركوع أو سجود، هذا إنسان مرائي عندما يصوم يذكر الناس بالسوء، هذا إنسان غير بار بوالديه كل هذا وللأسف الشديد من الغيبة والعياذ بالله، من الصفات التي تسيء إلى الإنسان.

أما من ناحية الخلق فتقول هذا رجل بخيل، هذه إنسانة متكبرة، هذا إنسان مرائي, هذا إنسان متهور، هذا إنسان جبان،والعياذ بالله رب العالمين، أما من ناحية الدنيا فتقول مثلاً هذا إنسان سيئ الأدب، هذا إنسان لا يحترم الناس، هذا إنسان يرى أنه أفضل من غيره، هذا إنسان كثير الكلام، كل هذه أنواع من الغيبة والعياذ بالله رب العالمين.ثم أحيانا تكون الغيبة ليست باللسان فقط أخ الإسلام ممكن أن تفهم أخيك تعريضاًُ أن هذا أي تشير إلى إنسان لصديق لك على أخ أو على من يمر بالطريق، تومئ إليه بهمز أو غمز أو بحركة معينه يفهم منها أنها تدخل في مسألة الغيبة والعياذ بالله رب العالمين، نفهم هذا من قول السيدة عائشة –رضى الله عنها قالت: دخلت علينا امرأة فما ولت، أومأت بيدي أمام رسول الله أنها قصيرة، أو ما أشارت بيدها إلى الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام: اغتبتيها ، سبحان الله.

أو أن تحاكي إنساناً يعني إنسان يقلد إنسان في مشيته أو إنسانة تقلد إنسانة في مشيتها والعياذ بالله رب العالمين، كل هذا من الغيبة.

المصيبة الكبرى أن المستمع كالمغتاب، يعني أنت عندما تستمع إلى كلام الله عز وجل بفضل الله تعالى تأخذ نفس ثواب التالي والقارئ لكتاب الله سبحانه وتعالى، وعندما تستمع إلى من يذكر الناس بالسوء يعني للأسف الشديد تأخذ نفس الوزر، والعياذ بالله رب العالمين، فأنت إن استمعت إلى خير كان نصيبك خيراً، وإن استمتعت إلى شر كان نصيبك شرا والعياذ بالله رب العالمين.

والسؤال الذي نطرحه ما هي أسباب الغيبة؟ ما الذي يجعل إنسان يغتاب إنساناً، ما الذي يجعل إنسان يذكر إنساناً بسوء؟

أولا: أحيانا تكون أنت تغتاظ من إنسان، زوج آذى زوجته، فجلست هي مع أمها أو أختها أو صديقتها فأرادت أن تشفي غيظها بالحديث عن ذكر مساوئ زوجها، هذه غيبة، وطالما أن هذا الحوار ليس أمام قاضي أو عالم أو مستفتي يستفتي في أمر معين في هذا الأمر أو أخذ مشورة،طالما أنها كما يقول البعض إنها للفضفضة ولإخراج مكنونات النفس، ممكن وللأسف الشديد من أسوأ أنواع الغيبة أو من الأسباب العجيبة لها أن يجامل الإنسان المجالسين له، يجامل المغتابين،جماعة يغتابوا إنسان معين، فهو يريد أن يجاملهم.


من أسباب الغيبة أيضا، أن يظن الإنسان بمن يغتابه سوءاً، يعني إنسان يظن بالذي أمامه ظناً سيئاً فيغتابه بهذا الشكل.

ثم بعض الناس يريدون رفع أنفسهم بأن ينقصوا الغير، يعني أريد أن أرفع نفسي أن أري أنني ذو شأن أو أنني ذو مكانة معينة فأنقص ممن أمامي أو أٌقلل من قدر من أمامي. أيضا من أسباب الغيبة الحسد، أن يحسد إنسان إنساناً، فإذا حسدت أنا إنساناً فعندئذٍ أغتابه لأن في قلبي للأسف من ناحيته، أنا غير مستريح من ناحيته، وأن لا أتمنى أن يكون هو أفضل مني فبالتالي أحسده، أو استهزئ بالطرف الآخر أستهزئ بالناس الآخرين.

لكن السؤال المطروح هل كل الغيبة حرام؟ أم أنها تحل في مواطن معينة؟

طبعاً من كرم الله علينا كمسلمين ما ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء الذين شرحوا لنا كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ما تركوا لنا شاردة ولا واردة فاستثنى العلماء بعض المواطن وتقريبا هي ستة في مسألة الغيبة:

  1. أولا: المتظلم أمام القاضي، يقول هذا ظلمني ، هذا أخذ مالي، هذا ضربني ، هذا آذاني، هذا صنع كذا، هذا أخذ ميراث أبي...الخ، فيجوز أن يتظلم الإنسان بذكر الأخر بعيوبه التي صنعها وهي حقيقية أمام القاضي.
  2. المستعين على تغير المنكر، يعني إنسان يريد أن يغير المنكر، يعني إنسان يريد أن يغير منكراً معينا، فيجب عليه أن يقول، إن فلان يصنع كذا وكذا في الشارع، أو في الحي أو في المؤسسة أو في المصلحة فلا بد من تغيير هذا المنكر، هنا أريد أن أستعين بالغير على تغيير هذا المنكر، هذا ليس من الغيبة.
  3. تجوز في أمر التزويج- أمر الزواج- يعني أذهب إلى فلان فأقول يا فلان إن ابني يريد أن يخطب بنت فلان فما رأيك؟ وأنت رجل تعرف معرفة جيدة، عندئذ يجب علي إن استشهدت أن أشهد بما يرضي الله تعالي، لكن لا أكذب على الناس وأقول والله هي بنت صالحه وأمها امرأة صالحة وأبوها كذلك، وهم لا يكونون كذلك، هذه مصيبة هذا كذب، هذه شهادة زور، فإذا كثير من الناس يحرج يقول: لا يا أخي أنا لا أقول في الناس شراً، لا نقول يا أخ الإسلام، الإسلام أعطاك رخصة في أن تقول بما يرضي الله صورة واقعية في أمر الزواج حتى لا يدلس على الزوج أو على المتقدم للزواج أو على المتقدم إليها لا يدلس عليها في أن نحجب عيب أو عيوب معينة أو نقائص في العريس المتقدم أو نقائص في العروس المتقدم إليها، أنظر إلى رحمة الإسلام وعظمته أنه يعطيني هذه الفرصة كي أتكلم أو أشاور في أمر الزواج فآخذ الكلام فيما يرضي الله, ويجب أن يكون المتكلم صادقا فيقول أن أباها بخيل إن أمها متبرجة، أن العروس ليست مواظبة على الصلاة إنها أسرة لا تحب مجالس العلم و لا نجدهم ذاكرين الخ...تقول بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ولا تقول أن في هذا نقص أو هذا فيه غيبة.
  4. تحذر المسلمين من شر يوشك أن يقعوا فيه، هذه تحل في مسألة الغيبة
  5. إذا رأيت إنسان كما يقول العلماء إنسان يريد أن يتفقه في دين الله وهو يتردد على إنسان صاحب بدعة أو فاسق، عندئذ يجب أن تحذره وتوضح له المسألة.
  6. · من عرف بصفة معينة، ولا نقصد أن نشينه أو نعيب عليه بها من نحافة أو سمنة أو قصر أو طول، كالأعمى مثلاً.

    علاج الغيبة:

    السؤال الذي يطرحه الإنسان على نفسه كيف أعالج وأمنع اللسان عن هذه المصيبة الكبيرة؟

    · أن يعلم المؤمن أن بغيبته للناس يتعرض لمقت الله سبحانه وتعالى وسخطه، وأن هذه الغيبة تحبط الحسنات وتنقلها من ميزاني إلى ميزان من اغتبته، وأن العبد قد يدخل النار من أجل سيئة ترجح على حسنة. فالتعامل يوم القيامة بالحسنات والسيئات لا بالدرهم ولا بالدينار، فأين يذهب الإنسان من حقوق العباد يوم القيامة فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه فطرح في النار والعياذ بالله رب العالمين.

    · وقلنا أن الكارثة الكبرى لا تكمن في الغيبة باللسان فقط وإنما هناك الغيبة القلبية، فكما يحرم على الإنسان أن يحدث غيره بلسانه عن مساوئ الغير، فالإنسان أيضا لا يحدث نفسه بسوء الظن في أخيه، يقول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" (الحجرات : 12) لأن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى، فلا بد أن الإنسان يكبح جماح نفسه في ألا يذكر الناس بالشر في قلبه، والله سبحانه وتعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة" (الحجرات : 6). فالإنسان الذي ينقل لي هذا الشر عن أخي، يجب أن أطرد هذا الشعور وهذا التصديق حتى بقلبي، فهل يصدق الإنسان الشيطان؟! سواء كان هذا الشيطان شيطان إنس أو شيطان جن كلاهما سواء، كلاهما إبليس، والعياذ بالله رب العالمين، لأنه لا يريد أن يجعل صفاءً بين المسلم وأخيه، لا يريد أن يجعل صفاءً بين المسلم وزوجته، لا يريد أن يجعل صفاءً بين الجار وجاره.

    · مسألة سوء الظن هذه يجب على الإنسان أن يغلق بابها حتى لا يدخل بعد ذلك في مسألة الغيبة باللسان فتجتمع عليه مصيبتين، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهبت ريح منتنه، فقال: أتدرون ما هذه الريح؟ قلنا: لا يا رسول الله. قال: هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين" (4) وكان يقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من اتبع عوراتهم، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" (5).

    فلماذا نتتبع عورات الناس؟ روي في الأثر إذا شككت فلا تحقق، إنسان يشك في إنسان معين لا يجب عليه أن يتحقق من هذه المسألة، وإنما عليه إذا اجتمع في إنسان خير وشر، عدل وظلم، يجب أن يغلب فيه جانب الخير، وإن رأينا من إنسان عدة محاور تدل على سوئه ومحور يدل على الخير، يجب أن نأخذه على محور الخير، وكلنا يحفظ عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر على قبرين قال عن صاحبي هذين القبرين:" أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله" قال: فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال:" لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا"(6).

    فالإنسان أكثر خطئه في لسانه، وهو من أربى الربا عند الله سبحانه وتعالى، فالربا عند الله ثلاثة وسبعون بابا، وليس نوعا واحداً، وأسوأ نوع من أنواع الربا، وأعظم جرم في أنواع الربا: الاستطالة في عرض مسلم بغير حق؛ كما في حديث سعيد بن زيد، عاشر العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"(7).

    نفهم هذا من قول السيدة عائشة، رضى الله عنها، حين قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، قال مسدد: تعني قصيرة، فقال:" لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته" قالت: وحكيت له إنساناً، فقال:" ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا" (8).

    ولعلنا نسمع هذه النصيحة العظيمة من الصادق المعصوم: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، ومن ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار" (9) لأن الإنسان الذي يستر مسلما، يستره الله في الدنيا والآخرة، عمر رضي الله عنه كان يقول: عليكم بذكر الله عز وجل فإنه شفاء وإياكم وذكر الناس فإنه داء، لأن الغيبة تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

    يقال أن الشافعي اغتابه إنساناً، فأرسل الشافعي إليه طبقا من رطب فقال له: أنك أهديت لنا حسناتك فأردت أن أكافئك عليها، فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام (10) يعني لا أستطيع أن أعطيك على قدر ما أعطيتنا. ولذلك قال الله عز وجل: "ويل لكل همزة لمزة" والهمزة الذين يأكلون لحوم الناس أما اللمزة هم الذين يقعون في أعراضهم (11).

    كان الصالحون يقولون أدركنا السلف وهم لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس، يعني إذا كان إنسان ذو حيثية معينة فإنك تجله وتحترمه لأنه يعمل عند شخص مهم جداً في المؤسسة التي تعمل فيها أو في الدولة التي تعمل فيها، فما بالك وأن تجل خليفة الله في الأرض.

    كفارة الغيبة:

    ولكن السؤال هل هناك من كفارة للغيبة؟ بالطبع نعم، أي ذنب من الذنوب يغفره الله عز وجل.

    يجب أن أندم أولاً وأتوب وأتأسف على ما صنعت، وإذا كنت أستطيع أن أذهب لأخي المسلم فأستحله وأقول له يا أخي سامحني، أو يكون السماح في مجلس عام يقول يا إخوتاه سامحوني.

    وكما أن الإنسان ذكر أخاه بالسوء مدة معينة كمغتاب له، يجب أن يذكره بالخير أمام الناس الذين ذكره بالسوء أمامهم، حتى يستوي الميزان، فيقول والله كانت عندي فكرة خاطئة عن فلان وقد تصححت الحمد لله الفكرة، فهو رجل صالح وهذه امرأة صالحة وكذا وكذا. إذاً الإنسان بعد أن يندم ويقلع ويعزم على عدم العودة و يستسمح أخاه المسلم يجب أن يذكره بالخير، عندئذ يكون فعلا من الناس الذين تابوا إلى الله وأنابوا.

    وأنت أخت الإسلام إذا بلغك عن إنسان أنه قد اغتابك فخذ بالعفو، كما قال ربنا آمراً لك: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (الأعراف:199). العفو هو أن تعفو عمن ظلمك وأن تصل من قطعك وأن تعطي من حرمك، الإنسان الذي يبحث عن الثواب يبحث عن الآخرة يبحث عن رضا الله سبحانه وتعالى يبحث عن كرم الله عز وجل عليه أن يحافظ على حسناته ولا يوزعها يمنةً ويسره ولا يغتاب الناس ولا يقع في أعراضهم ولا يعب بالذنب عليهم،ثبت أن أي إنسان يعيب بالذنب على أخيه فيعافي الله المبتلى بالذنب ثم يبتلي الذي يعيب، لأن الإنسان ليس معصوماً من الخطأ فكل بني آدم خطاء، ولكن الإنسان يجب أن يضع نفسه في معية الصالحين وفي معية الذاكرين يبتعد عن المجالس التي فيها غيبة، حتى وإن جلست في مكان ورأيت إنساناً يغتاب إنساناً آخر، فقل له يا فلان استغفر الله.

    حتى أن بعض الناس يأتي في رمضان فيقول: يا فلان أنا في حالة صيام ولا يجب أن أغتاب، نعم الغيبة وأنت صائم مصيبة كبيرة، ولكن أيضاً هي مصيبة سواء كنت صائماً أو غير صائم، سواء في نهار رمضان أو في ليل رمضان أو في شوال أو في محرم أو في أي يوم من أيام السنة، فالغيبة حرام طوال العام، ورب العباد جعل علينا رقيب وعتيد يحصي علينا ويكتب ما نفعل: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (ق: 18)، فما من حسنة أو ما من فعل أو قول إلا ويكتب عند الله سبحانه وتعالى، فانظر ماذا يكتب لنا عند الله؟!

    فيا أخت الإسلام كيف تتركى لسانك يخوض في أعراض الناس؟! كيف تتركى لسانك يتكلم عن الناس بالسوء؟! حقيقة الأمر أن الغيبة ابتلي بها ويستهين بها كثير من الناس، قال تعالى: "ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه" (الحجرات:12).

    و النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" (12) والحبيب صلى الله عليه وسلم يقول لنا كذلك: "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تفاحشوا ولا تدابروا، ولا يغتب بعضكم بعضا وكونوا عباد الله إخوانا" (13). حقيقة الأمر يا أخوتاه أن على المسلم أن يتقي ربه، وأن يمسك لسانه عن أعراض الناس وإن كان قد ابتلي بهذا الأمر فيجب أن ينزع سريعاً ويتوب، حتى لا يضيع حسناته يوم القيامة وحتى لا يتعود لسانه الخوض في أعراض الناس.



    اللهم أمسك ألسنتنا عن السوء وأطلق ألسنتنا بالذكر يا رب العالمين أنت نعم المولى ونعم المجيب.