بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ)أن المجرمين من الكفار يسخرون من أولياء الله , الذين آمنوا وصدقوا بما جاء به النبي,صلى الله عليه وسلم، يضحكون منهم، ويسخرون ويستهزئون بهم( وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ) يغمز بعضهم لبعض بأجفانهم وحواجبهم وعيونهم سخرية بالمؤمنين ,وَإذا إنقلب الكفار إلى أهلهم، ورجعوا إلى بيوتهم إنقلبوا معجبين بأنفسهم، معجبين بتصرفاتهم مع المؤمنين، ويظنون أنهم على هدى، ويظنون أن صنيعهم هذا لن يورثهم عذاب الآخرة؛ لأنهم يكذبون بيوم الدين.
قال تعالى(وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ )وإذا رأى الكفارُ المؤمنين، وهم متمسكون بدين الله الذي بعث الله به نبيه ,محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا, إنهم ضالون،ليسوا على هدى، بل في ضلال؛ لأنهم يعبدون إلهاّ لا يرونه، ولأنهم يصدقون بيوم وعدهم به هذا النبي، ولأنهم يستمعون إلى هذه الآيات التي يتلوها عليهم هذا النبي؛ الذي وصفوه بأنه مجنون، وبأنه ساحر، وبأنه كاهن، وبأنه شاعر,قال الله تعالى (وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) أن هؤلاء الكفار لم يرسَلوا على المؤمنين ليحفظوا أعمالهم، ويحصوها ويعدوها، ويضبطوها عليهم، لم يرسل الله الكفار، حتى يصيروا يترقبون للمؤمنين، ويحصون أعمالهم، ويحصون ما هم عليه من أتباع النبي ,صلى الله عليه وسلم, وقد بين الله ,سخريتهم بالمؤمنين في مواضع كثيرة، وبين ,جل وعلا,أن هذه السخرية من عباد الله المؤمنين تورثهم النار يوم القيامة؛ قال تعالى( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ )ولو كان ما جاء به النبي ,صلى الله عليه وسلم, خيراّ لكنا السابقين إليه، ولم يسبقنا إليه هؤلاء الفقراء والضعفاء,وفي هذه الآيات تحذير لجميع الخلائق من الاستهزاء بالمؤمنين؛ ذلك الاستهزاء الذي جاء نتيجة لتمسكهم بكتاب الله، وسنة نبيه ,صلى الله عليه وسلم، فمن سخر من المؤمن لكونه مستقيماّ على دين الله ، فهو حري به أن يحشر مع هؤلاء، وأن يعذب معهم، بل من استهزئ بمسلم من أجل تمسكه بدين الله، وشرع الله, فهو كافر بالله العظيم؛ لأنه مستهزئ بدين الله ,قال تعالى( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) ثم قال الله تعالى( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ )إذا كان يوم القيامة صار المؤمنون يضحكون من الكافرين، الذين كانوا يضحكون ويستهزئون بهم في الدنيا, قال تعالى(عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ) لما أعده الله لعباده المؤمنين من النظر إلى وجهه الكريم في دار النعيم,ثم، قال تعالى( هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )جوزي الكفار يوم القيامة ما كانوا يفعلونه بالمؤمنين، وما كانوا يفعلونه من الكفر بالله والاستهزاء بآياته، والاستهزاء باليوم الآخر، والاستهزاء من المؤمنين ,أن المستقيمين على أمر الله، والطائعين لله، والخائفين منه ,فهم يوصفون بالتزمُّت وقلَّة العقل والتشديد والتنفير وتكليف الناس بما لا يطاق،إلى غير ذلك من العبارات( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)إن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم لم يضايقوا الناس في أرزاقهم,ولم يعطّلوا مصالح الناس، ولم يستهزئوا بالفقراء، ولم يقفوا حَجَرَ عثرة في طريق المستضعفين,
إنهم هم الذين يبيّنون الظلم ويكشفون أوراقه ويقولون للظالم, اتقِ الله يا ظالم,ولكن فريق المستهزئين لا يعجبه هذا، فهو يلصق بهم التهم تلو التهم، ويفتري عليهم ويسخر منهم ومن سننهم ومظاهرهم,فحسبه الله الذي سيجازيه,فالواجب على المسلم أمام هذا الصنف من الناس أن يصبر عل أذاهم وعلى سخريتهم، لأن الله يقول( وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا)فالعاقبة للمتقين، وأما أهل السخرية والاستهزاء فإنهم يتمتعون قليلاً ثم يُرَدُّ إلى مولاهم( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)وليكن المرء منشرح الصدر بالإيمان ولو كلّف ما كُلف.