أسباب نزول القرآن

أسباب نزوله: معرفة سبب نزول القرآن يعين على فهم الآية، فقد يكون اللفظ عاما والسبب خاص، ومنه إِنِ ارْتَبْتُمْ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ

قال المؤلف: "أسباب نزوله" يعني نزول القرآن معرفة سبب نزول القرآن، قال المؤلف هنا: القرآن على جهة العموم ومراده الخصوص، فمراده معرفة سبب نزول بعض آيات القرآن، فيه فوائد منها: أنه يعين على فهم الآية، فإن الآية قد يستشكل معناها إذا لم نعرف السبب الذي نزلت الآية فيه، فقد يكون اللفظ عاما والسبب خاصٌّ "والواو هنا إستئنافية" ومنه: إِنِ ارْتَبْتُمْ المراد بهذه الآية آية سورة الطلاق وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ

فلا يقولن قائل: الآيسة إذا لم نَرتَبْ فيها لا تعتد بثلاثة أشهر، لأن الله قال: إِنِ ارْتَبْتُمْ و"إن" أداة شرط! هذا ليس مرادا، وإنما سبب نزول الآية أنه لما نزل قوله -تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ جاء الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله إن من النساء الكبار يعني: اللاتي لا يحضن والصغار والحُمل، فنزلت هذه الآية لما ارتابوا في حكم هؤلاء النساء.

ومنه قوله -تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فإن ظاهر هذه الآية أنه يجوز التوجه بالصلاة إلى أي وجهة، وهذا ليس مرادا، وإنما سبب نزول هذه الآية فيه قولان للمفسرين:

القول الأول: أن بعض الصحابة خرجوا في برية فاشتبهت عليهم القبلة فاجتهدوا وتحروا ثم صلوا، فتبين لهم أن صلاتهم على خلاف القبلة، فنزلت هذه الآية وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ فهذه الآية نزلت في رفع الإثم والجناح عن من جهل جهة القبلة فاجتهد وتحرى فكانت صلاته إلى غير القبلة.

القول الثاني في سبب نزول هذه الآية: أنها نزلت في صلاة النافلة، إذا أداها العبد على الراحلة فإنه يجوز له حينئذ أن يتوجه حيث توجهت به راحلته.

ذكر المؤلف هنا فائدة من فوائد معرفة أسباب النزول، وهو فهم الآية ورفع الإشكال الواقع فيها، ومن ذلك أيضا من فوائد معرفة أسباب النزول معرفة الحكمة التي لاحظها الشارع في إثبات الحكم.

ومعرفة الحكم والعلل يفيدنا في مسائل القياس، ويفيدنا أيضا في الثبات على الحكم، ومعرفة فضل الله -عز وجل- علينا بأحكام الشريعة، ومن فوائد معرفة أسباب النزول أيضا أن صورة السبب التي نزل النص من أجلها تدخل في النص دخولا قطعيا، فلا يصح استثناؤها أو تخصيصها.

فإذا نزلت الآية العامة في سبب خاص فإنه حينئذ لا يصح لنا أن نخرج هذا السبب الخاص من عموم الآية ولا نخصصه بدليل آخر، فإن صورة السبب قطعية الدخول في اللفظ العام، ولكن العبرة بعموم اللفظ فلا يصح أن نخصص اللفظ العام بسبب وروده على سبب خاص.

ويدل على ذلك أن كثيرا من آيات القرآن والسنة نزلت في أسباب خاصة بألفاظ عامة، ومع ذلك أنزلها الصحابة على عمومها، ومن أمثلة ذلك حادثة اللعان بين الزوج وزوجته، فإنها نزلت في قصة عويمر العجلاني، ومع ذلك فالسبب خاص، إلا أننا نحكم عليه بحكم عام.

وكذلك أيضا في حكم المظاهر لزوجته فإنها نزلت في قصة خاصة، فلا يصح لنا أن نخصص هذا العام ونجعله خاصا بصورة السبب، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكذلك بقية الأحكام.