بسم الله الرحمن الرحيم
===============
التوبة
===
(أحد دروس سلسلة "إصلاح القلوب"، للداعية الأستاذ" عمرو خالد")
التوبة هي الرجوع، والعودة، والإنابة، وخوف في القلب يدفعك دفعاً إلى الرجوع إلى الله تبارك وتعالى.
والتوبة تبدأ بأن تعلم ذنوبك ومقام الله عز وجل فيدفعك هذا العلم إلى الخوف وإلى إرادة التوبة.
ومعنى نادم: أي واجل ، وخائف، و راجع، ومُنخلع من كل الذنوب ، وعائد إلى الله تعالى بكل كيانك...ولسان حالك يقول:" سأنخلع عن الذنب حباً لك وطاعة يا رب!!!"
إن كثير من الناس يظن أن التوبة لشديدي المعصية فقط،أو للذين يقترفون الكبائر فقط، خاصة النساء الفضليات اللاتي لا يفعلن المعاصي ، وكذلك العبَّاد والطائعين ...ولذلك يغفل الكثير منهم عن التوبة ظانِّين أنها لا تخصُّهم ، بل تخص العصاة وغير الملتزمين ...لذلك أحرص اليوم على تغيير هذا المفهوم...فالتوبة منزلة المنازل،وهي تخص كل المؤمنين بشتى درجات إيمانهم:
فالعاصي محتاج للتوبة ،
وصاحب الكبيرة محتاج للتوبة،
والذي يفعل الصغائر محتاج للتوبة،
والطائع محتاج لتجديد توبته.
والتوبة يا إخواني فرض من فرائض الإسلام تُمارَس مرات ومرات في اليوم والليلة.
ولكي يتولد عندك العزم على التوبة، يجب أن تعلم أين أنت من الله تبارك وتعالى!!!
وكم تُخطىء في حقه عز وجل!!!!!
لماذا يجب أن أتوب؟؟؟!!!
لكي تعرف إجابة السؤال ، دعني أعرض عليك ماذا يفعل كلٌ منا :
إننا نفعل الكبائر!!!
أكاد أسمعك تقول:" معاذ الله" أنا أفعل الكبائر؟؟؟!!!!
نعم كلنا يفعل:
* أليس تأخِير الصلاة عن وقتها كبيرة؟!
*أليس جمع الصلوات مع بعضها وعدم أداءها في وقتها كبيرة؟
*اليست تأدية صلاة الصبح بعد شروق الشمس كبيرة؟
إنها كبائر بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"" من جمع صلاتين بغير عُذر ،فقد أتى باباً من أبواب الكبائر"
و كلمة "بغير عذر" تعني أنك فعلت كل ما بوسعك واتخذت الإجراءات اللازمة ولكنك لم توفَّق،كأن تنام مبكرا وتضبط المنبه،أو توصي صديق بالاتصال بك لإيقاظك،وتخفف من وجبة العشاءلأنك تنوي صلاة الصبح في موعدها مثلاً.
ألم يقُل الله عز وجل: فوَيلٌ للمُصلِّين الذين هم عن صلاتهم ساهون"؟!!!!!
الويل هو وادي في جهنم، والساهون ليسوا هم الذين يضيِّعون الصلاة ويتركونها بالكلية،وإنما الذين يصلون الظهر قبل العصر بدقائق،والعصر قبل أذان المغرب بثوان، والأسوأ من ذلك أنهم يصلونها نقراً.
*أليس السباب والشتائم من الكبائر؟
قال صلى الله عليه وسلم:" إن من أكبر الكبائر أن يسُبَّ الرجل والديه، قيل يارسول الله ،وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسبُّ أبا الرجل فيسبُّ أباه ويسبُّ أمَّه ، فيسب أمه"!!!
*أليس عقوق الوالدين كبيرة؟
أليس معاملة الوالدين بشكل غير مناسب مثل التلويح في وجه أحدهما،أو إغلاق الباب بعنف أمامهما أو اغتيابهما مع الأصحاب وغيرهم من الكبائر؟!!!إن الله تعالى يقول عن المغتابين:" أيُحبُّ أحدُكم أن يأكُلَ لحمَ أخيه مَيتاً فكرِهتموه"؟؟!!!فكيف بمن يغتاب أبيه وأمه؟؟!!!
*أليست مقدمات الزنا من الكبائر؟
إن المقصود هو زنا العين كالبحث عن القنوات الفضائية الخليعة أو المواقع الإباحية على الإنترنت،أوغيره من المجلات والكتب،أليس النظر لغير المحارم من مقدِّمات الزنا وأبوابه؟؟!!!حتى لو لم تصل إلى محطة الزنا التي توجب إقامة الحد، ولكنك مُقبل عليه ،ألم يقل صلى الله عليه وسلم:" العين تزني وزِناها النظر"؟؟!!!،ألم يقُل صلى الله عليه وسلم:" مَن حام حول الحِمى أوشك أن يقع فيه".؟؟؟!!!!
هناك أيضاً زنا الأُذن في المحادثات عبر الهاتف أو الدردشة عبر الإنترنت ،أو غير ذلك.
*أليس أكل المال الحرام من الكبائر؟
ولن استغرق في المزيد، ولكن تعالوا نتكلم عن آلاف الصغائر التي تُرتكب كل يوم وليلة، منها على سبيل المثال:
1- إطلاق البصر على المحرَّمات .
2-الحجاب غير الشرعي الذي ُيبرز المفاتن،هل تعرف كم عدد المعاصي التي ارتُكبَت بسبب هذا النوع من الحجاب؟ إنه عدد كُل مَن رأوا هذه المحجبة!!!!!
3- الغيبة.
4- الكذب.
5- سوء الخُلُق.
وغير ذلك الكثير...كم من الذنوب تحتاج إلى توبة؟؟؟!!!
ألسنا بحاجة إلى توبة عن غفلتنا عن الله سبحانه وتعالى؟؟!!
ألم يقُل الله تعالى :" وما خلقتُ الإنسَ والجنَ إلا ليعبدون"؟؟!!هل عرفت الآن لماذا خُلقت؟؟؟ لقد خُلقت لتعرف الله عز وجل ،ولتعبده.
والآن لو سألت كم مِمَّن في الأرض عرف الله تعالى حق المعرفة، وأدى فرائضه، وشكره على نعمه حق الشكر، كم يكون يكون عددهم؟؟!!!
والآن أليست غفلتنا عن الله محتاجة إلى توبة؟؟!!!!!
مَن الذي خلقك وسوَّاك ورزقك وعلَّمك وأنعم عليك وصبر عليك وأنت تبعد عنه وهو يتودد إليك، ويرزقك كل يوم، بل ويرد إليك روحك ، فتعصاه كما تشاء؟؟؟!!!!أليس هذا هو ربك؟؟!!
متى آخر مرة بكيت من خشية الله؟
متى آخر مرة شعرت بحلاوة السجود؟
متى آخر مرة خشعت في صلاتك؟ متى آخر مرة شعرت بجلال الله؟
ومتى ومتى ومتى؟!
نعم نحن بشَر خطَّاءون، لكن الرسول صلى الله وسلم يقول:"وخيرُ الخطائين التَّوابون"
فليس العيب أن تأتي يوم القيامة عاصياً ولكن كل العيب أن تأتي يوم القيامة وأنت لا تدري عنه شيئا... لذلك فالغافل أسوأ من العاصي لأن العاصي يأتي عليه يوم ويمل المعصية فيتوب ،أما الغافل فيرى نفسه على حق، فلماذا يتوب؟؟؟!!!!
ولذلك فإن شيطان الغافل لا يُوقعه في المعاصي حرصا ًمن هذا الشيطان على أن يبقى الغافل غافلاً !!!!فلو أنه ارتكب معصية سيفيق من غفلته!!!! لذلك لا يوسوس له الشيطان بمعصيةأبداً!!!.
هل من المعقول أنَّ نُقطة مَنِيّ في رحم المرأة يخرج منها عقل يفكر ويبتكر وعين تُبصر وأذن تسمع ورجل تمشي ، ويد تبطش؟
ألا نشعر بمِنّة الخالق علينا ؟؟!!
لماذا لا نتوب الآن ونرتاح من كم الذنوب؟؟؟
يقول "سفيان الثوري"- وهو أحد أئمة التابعين ،ومن أعلام علماء المسلمين –يقول:"جلستُ يوما ًأعدُّ ذنوبي ، فقلت لنفسي:" يا سفيان تَلقى الله يسألك عن ذنب ذنب ؟"(هذا أحد أئمة التابعين، فما بالك بنا؟) فقلتُ لنفسي:" هذا ما أذكره ، فماذا عن الذي أحصاه الله ونسيته؟"
ثم قلتُ لنفسي:" تُب الآن يا سفيان قبل أن تلقى الله... فجلستُ أتذكر عمري سنة سنة منذ بلوغي، وكل ذنب اقترفته وظللتُ أتوب عن سنة سنة، فلما انتهيتُ قُمتُ خفيفاً !!!!"
أنظر إلى رحمة الله تعالى وكيف يريدنا أن نتوب؟؟!!!يقول الله تعالى:" قُل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفُسهِم لا تقنَطوا من رحمةِ الله ،إن اللهَ يغفرُ الذنوب جميعاً إنه هو الغفورُ الرحيم"
قارِن بين هذه الآية وبين كل ذنوبك ، وكل ما فعلته في حق الله عز وجل.
يقول تعالى:" وأنيبوا إلى ربِّكُم وأسلِموا له من قبلِ أن يأتيَكم العذاب ُ ثم لا تُنصرون، واتَّبِعوا أحسن ما أُنزِل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذابُ بغتةً وأنتُم لا تَشعرون"
أمازلتم لا تفكرون في التوبة؟
تأملوا معي الموقف يوم القيامة في الآية التالية:"أنْ تقول نَفسٌ يا حَسرتا على ما فرطتُ في جَنْبِ الله وإن كُنتُ لَمِن الساخرين" ( يا حسرتا على ما بدَر مني في حق الله لقد كنت أسخر من الدين والمتدينين!!!! )"أو تقولَ لو أن اللهَ هداني لكُنتُ من المتقين،أو تقولَ حين ترى العذابَ لو أن لي كَرَّةً؟؟؟!!!!فأكون من المُحسنين"
فلماذا لا نتوب قبل أن يحدث ذلك؟!!
يقول الله تعالى :" ويومَ القيامةِ ترى الذين كَذَبوا على اللهِ وجوهُهم مُسودَّة،أليسَ في جهنم مثوىً للمتكبرين؟!!!"
كل هذا لأن الله تعالى يعرض عليهم المغفرة، وهم يتكبرون عليه جلَّ جلاله !!!!!
" إن اللهَ يحب التوابين" (يحبك لو تُبت، فما رأيك؟! )إسمع معي:" واللهُ يريدُ أن يتوبَ عليكم"...ولكن ما المشكلة؟
نجد الجواب في بقية الآية:"ويريدُ الذين يتَّبعون الشهواتِ أن تميلوا ميلاً عظيما"...فالله سبحانه يريد لكم النجاة لكم بينما يريد لكم أصحاب السوء- مِمّنَ يتبعون الشهوات- الهلاك فأي الفريقين تتبعون؟؟؟!!!
، لذلك يزجرك الله عساك أن تتوب فيقول لك:" ومَن لم يَتُب فأولئك هم الظالمون"ولكنه ما يلبث أن يأخذ بقلبك بالآية التالية:" ألم يعلموا أن اللهَ هو يقبل التوبة عن عباده"؟! بل ويسمي نفسه :" غافر الذنب وقابل التَّوْب"!!
فلماذا الإصرار على عدم التوبة؟
يتبع
الروابط المفضلة