ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عـن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسـول الله
صلـى الله علـيه و سلم " انظــروا إلى من هو أسفل
منكم . ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن
لا تَزْدروا نعمة الله عليكم " رواه مسلم .
يا لها مـن وصية نافعة ، وكلمة شافية وافية فهـــذا
يدل عـلى الحث عـــلى شكــر الله بالاعتراف بنعمــه
والتحدث بهـــا والاستعانة بهــا عـلى طاعـة المنعم
وفــعل جميـع الأسباب المعينة على الشكــر . فـــإن
الشكــر لله هو رأس العبادة وأصـل الخير ، وأوْجَبُه
عـــلى العباد ؛ فإنــــه مــا بالعـباد من نعمة ظاهرة
ولا باطنة خاصة أو عـامــة إلا مــن الله وهو الذي
يأتي بالخير والحسنات ويدفــع الســوء والسيئات
فيستحق أن يبذل له العباد من الشكر ما تصل إليه
قواهم ، وعلى العبد أن يسعى بكل وسيلة توصله
وتعينه على الشكر .
وقـــد أرشد صـلى الله عـليــه وسلم إلى هــذا الدواء
العجيب والسبب القوي لشكر نعم الله وهو أن يلحظ
العـبد في كل وقت من هو دونه فـــي العقل والنسب
والمـــال وأصناف النعــم فمتــى استدام هـــذا النظر
اضطره إلـى كثرة شكر ربه والثناء عليـــه . فإنــه
لا يــزال يرى خلقاً كثيراً دونــه بدرجات فــي هـــذه
الأوصـاف ويتمنــى كثيــر منهم أن يصل إلى قريب
ممـا أوتيه مـــن عافيـة ومـال ورزق وخَلْق وخُلُق
فيحمد الله على ذلك حمداً كثيراً ويقول : الحمد لله
الـذي أنـعم عـليَّ و فضـلنـي عـلى كثير ممن
خلــق تفضـيلاً .
ينظر إلـى خلق كثير ممن سلبوا عقولهم فيحمد ربـه
عـلى كمـال العقل و يشـاهد عالـماً كثيراً ليس لهــــم
قوت مدخر ولا مساكن يأوون إليهـــا و هـو مطمئن
فــي مسكنه موسع عـليه رزقه ويرى خلقاً كثيراً قـد
ابتُلُــــوا بأنـــواع الأمراض وأصناف الأسقام وهـــو
مُعافــى مــن ذلك ، مُسَرْبل بالعافية . ويشاهد خلقاً
كثيراً قد ابتُلوا ببلاء أفظع من ذلك بانحراف الدين ،
والوقوع في قاذورات المعاصـي . والله قـــد حفظه
منها أو من كثير منها . و يتأمل أناساً كثيرين قـد
استـولى عليهم الهم وملكهم الحزن والوساوس ،
وضيـق الصدر ثـم ينظر إلى عافيته من هذا الداء
ومنة الله عليه براحة القلب حتى ربما كان فقيراً
يفوق بهذه النعمة -نعمة القناعة وراحة القلب -
كثيراً من الأغنياء .
ثــم مـن ابتلي بشيء مـن هـذه الأمــور يجـــد عالماً
كثيراً أعظم منه وأشد مصيبة فيحمد الله على وجود
العافية وعـلى تخفيف البلاء فإنه مــا مــن مكروه
إلا ويوجد مكروه أعظم منه .
مـن وفق للاهتداء بهذا الهدي الذي أرشد إليه النبـي
صلى الله عليه وسلم لم يـزل شكره في قـــوة ونمـو
ولم تزل نعـم الله عليه تتـرى وتتوالى . ومن عكس
القضية فارتفع نظره وصار ينظر إلى من هـو فوقه
فـي العافية والمال والرزق وتوابع ذلك ، فإنه لا بد
أن يزدري نعمة الله ويفقد شكره . ومتى فقد الشكر
ترحلت عنــه النعم و تسابقـت إليـــه النقم وامتحن
بالغم الملازم والحزن الدائم والتسخـط لما هو فيه
من الخير وعدم الرضى بالله ربـاً ومدبراً وذلك
ضرر في الدين والدنيا وخسران مبين .
واعلــم أن من تفكر في كثرة نعم الله ، وتفطن لآلاء
الله الظاهرة والباطنــة ، وأنـــه لا وسيــلــة إليهـــا
إلا محض فضـل الله وإحسانه ، وأن جنساً مـن نعم
الله لا يقـــدر العبـد على إحصائه وتعداده فضلاً عن
جميـع الأجناس ، فضــلاً عن شكرها . فإنه يضطر
إلى الاعتراف التام بالنعم وكثرة الثناء على الله ،
ويستحي مـــن ربه أن يستعين بشــيء مــن نعمه
عــلى ما لا يحبه ويرضاه وأوجــب له الحياء من
ربـــه الذي هو من أفضل شعب الإيمان فاستحيى
من ربه أن يراه حيث نهاه ، أو يفقده حيث أمره
ولما كان على الشكر مدار الخير وعنوانه قال صلى
الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل " إني أحبك فلا تدعن
أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة " اللهـم أعني عــلى
ذكرك و شكرك وحسـن عبادتك " ( أخرجه أحمد
و صحّحه الألباني ) ...
وقد اعترف أعظم الشاكرين بالعجز عن شكر نعــم
الله فقال صلّى الله عليــه وسلـــم " لا أحصي ثناء
عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه مسلم .
والله أعلم .
"بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح
جوامع الأخبار " للشيخ عبد الرحمن السعدي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الروابط المفضلة