س243 ما مذهب أهل السنة - رحمهم الله تعالى- في الرؤية ؟ واذكر الأدلة المثبتة لذلك .
ج : يعتقد أهل السنة والجماعة، ويشهدون أن الله - تعالى- يُرَى يوم القيامة رؤية حقيقة عياناًً بالأبصار فيُرى في عرصات يوم القيامة، ويُرى بعد دخول الجنة، كما يُرى القمر ليلة البدر، والشمسُ صحواً ليس دونها سحاب، وكل ذلك على الكيفية التي يريدها الله - تعالى- لا ندخل في هذا الباب متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا بل نثبت ما أثبته النص، ونسكت عما سكت عنه، ونقف حيث وقف السلف - رحمهم الله تعالى - والأدلة على الرؤية قد بلغت مبلغ التواتر، فمن القرآن قوله - تعالى- ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 23: 22] وقال - تعالى- ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ولا يَرْهَقُ وجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يونس: 26] وقد فسر أعلم الخلق بربه هذه الزيادة بأنها رؤية الله - تعالى وقال - تعالى- ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ولَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾[قّ: 35]وأما من السنة فأحاديث كثيرة منها: حديث صهيب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله - تعالى- تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم ) ثم تلا هذه الآية ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ ﴾ رواه مسلم، وفي الصحيح عن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب فإن استطعتم على أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا )، وفي الصحيح – أيضاً- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أناساً قالوا: يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ( هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ قالوا: لا يا رسول الله، فقال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها حجاب ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك ) وهذان الحديثان فيهما تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، أي أن رؤية الله - تعالى- يوم القيامة ستكون في أعلى درجات الوضوح فلا مضارة فيها، ولا خفاء، ولا لبس، ولا شك.
وعن أبي سعيد الخدري نحو حديث أبي هريرة، وهو في الصحيح أيضاً، وقد وردت أحاديث الرؤية من طريق الصديق، وأنس، وجابر، وجرير البجلي، وحذيفة، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، وصهيب، وعبادة بن الصامت، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، ولقيط بن عامر، وأبي رزين، وعلي بن أبي طالب، وعدي بن حاتم، وعمار بن ياسر، وفضالة بن عبيد، وأبي سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري، وبريدة بن الحصيب الأسلمي - رضي الله عنهم وأرضاهم، وجمعنا بهم في الجنة - وقد أخرج اللالكائي في شرح السنة من طريق مفضل بن غسان قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عندي سبعة عشر حديثاً في الرؤية كلها صحاح . أهـ
قلت: وهذا ما نعتقده بقلوبنا، وننطقه بألسنتنا.
*****************************
س244 هل أثبت المبتدعة رؤية الله - تعالى- ؟ وبماذا احتجوا ؟ وكيف الجواب عن استدلالتهم؟
ج : بالطبع لم يثبتوها بل حرفوها إلى رؤية الثواب والجزاء والنعيم فقط، وهذا كعادتهم - قبحهم الله تعالى- فيما لا يتوافق مع عقولهم الرديئة، وأفهامهم المنتنة، ويا ليت الأمر وقف على الإنكار والتحريف فقط بل استدلوا على نفيهم هذا بأدلة من القرآن فقالوا: قال - تعالى- لموسى - عليه السلام-﴿ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾ [لأعراف: 143]، ولن هذه تفيد التأبيد عندهم فهذا نفي للرؤية على وجه الإطلاق- كذا قالوا- فقال أهل السنة: لنا على استدلالكم هذا عدة أجوبة:
الأول: أن ﴿ لن ﴾ لا تفيد النفي المؤبد حتى، وإن قرنت بلفظ الأبد، بدليل قوله - تعالى- عن اليهود ﴿ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * ولن يَتَمَنَّوْه أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الجمعة7: 6] ومع ذلك فإنهم يتمنونه في الآخرة إذا دخلوا النار كما في قوله - تعالى- ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ [الزخرف: 77]، وخلاصة هذا الوجه هو أن نفي الرؤية في ذلك الوقت لا يلزم منه انتفاؤها مطلقاً، وإنما هذا شيء قاله بعض صناديد المعتزلة، ولذلك قال ابن مالك:
ومن يرى النفي بـ لن مؤبدا فقوله أردد، وسواه فاعضدا
الثاني: أن الله - تعالى- قال ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾، ولم يقل: إني لا أرى أولست بمرئي، أو لا تجوز رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر، بل قال ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾ ففي ذلك دليل على أنه يرى، ولكن موسى - عليه السلام-لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر عن رؤيته .
الثالث: أن الله - تعالى- بين السبب في عدم رؤيته، وهو عدم تحمل النفس ذلك بدليل أنه - تعالى- لما تجلى للجبل حصل للجبل ما حصل من الإندكاك فأعلمه الله - تعالى- بذلك أن الجبل مع قوته، وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف ؟ فهذا دليل على أن المانع ضعف القوى البشرية عن رؤيته، ولذلك فإن هذه القوى تضاعف في الجنة حتى يتمكن أهلها من رؤيته كما ثبتت بذلك الأدلة
الرابع: أنه لو كانت رؤيته - تعالى- محالاً لما كان كليم الله - تعالى- يتكلف السؤال عنها؛ لأنه أعلم الناس بربه في زمانه فلا يتصور منه أن يسأل ما لا تجوز على الله - تعالى- فلما سألها موسى علم بذلك أنها مما يمكن، ولكن ثمة مانع، وهو الضعف البشري، فلا يمكن أن يكون هؤلاء المتهوكون الحمقى أشد تنزيهاً، وأعلم بالله من كليمه، ورسوله الكريم.
الخامس: أنه - تعالى- تجلى للجبل، فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له، ولا عقاب فكيف يمتنع أن يتجلى لرسله، وأوليائه في دار كرامته ؟ لكن الله - تعالى- أعلم موسى بأن الرؤية الآن لا تمكن.
السادس: سلمنا جدلاً أن هذه الآية فيها شيء من النقاش فلا تعدو بذلك أن تكون من المتشابه، وقد تقرر في الأصول أن المتشابه يرد إلى المحكم، والأدلة المثبتة للرؤية من الكتاب، والسنة كثيرة، وتأيدت بالإجماع القطعي الذي يكفر من خالفه، فإذا قدروا على الدخول على هذه الآية، فهل - بالله عليك- يقدرون على كل الأدلة المثبتة للرؤية ؟ بالطبع لا، إلا مع العناد والاستكبار، وهذا التسليم جدلي، وإلا فالآية من المحكم كما سبق في الأجوبة . والله - تعالى- أعلى وأعلم.
وقالوا أيضاً: قال - تعالى- ﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾ [الأنعام: 103] فهذا نفي للإدراك الذي هو الرؤية - كذا قالوا- فقال أهل السنة: إن المنفي في هذه الآية ليس الرؤية، وإنما هو الإدراك، والإدراك أمر يعقب الرؤية فهي تفيد أنه يُرى، ولكنه لا يدرك رؤية كما أنه يُعلم، ولكن لا يحاط به علماً، فكل إدراك رؤية، وليس كل رؤية إدراكاً، أَوَلا ترى إلى قوله - تعالى- ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61] فأثبت الرؤية، ونفى الإدراك، فالإدراك أمر زائد على الرؤية، ففي الحقيقة أن هذه الآية دليل لنا لا لهم؛ لأنه لما نفى الإدراك علمنا أن هناك رؤية؛ إذ لو لم يكن هناك رؤية – أصلاً- لما نفى الإدراك، وأضرب لك مثالاً: أنت ترى السماء لكن هل تدركها كلها ؟ الجواب: لا، فعندك رؤية بلا إدراك، ومثال آخر: أنت ترى الأرض لكن هل تدركها كلها ؟ الجواب: لا، فعندك رؤية بلا إدراك، فالله - تعالى - وله المثل الأعلى- يُرى، ولكن لا يدرك؛ وذلك لكمال كبره وعظمته وعزته - جل وعلا- فالمعتزلة فهموا أن معنى الإدراك هو الرؤية . وهذا خطأ، وضلال، بل الإدراك هو الإحاطة . فلا حجة لأحدٍ في مخالفة ما ثبت به النص . والله أعلم
__________________________________________________ _____
الروابط المفضلة