إن الاسلام قدس حق المرأة، وما عائشة إلا حبة في سلسلة هذه المسيرة المباركة
التي ملأت جوانب صفحات تاريخنا المجيد، فأعظم بعائشة أم المؤمنين.
اننا ندعو أولئك الذين أغمضوا أعينهم وتغافلوا عن حقيقة الإسلام
إلى دراسة التاريخ الإسلامي بعقولهم التي متعهم الله تعالى بها،
وإلى نبذ ما يقال من أن الإسلام كبت المرأة وصادر حريتها، وحرمها حقوقها..
كانت عائشة بين الصحابة بمثابة استاذ بين تلاميذ،
وهل كان عمر بن الخطاب يرسل إلا إليها؟
وهل كانت عائشة من غير السبعة الذين أكثروا الرواية
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسموا المكثرين من الرواية؟
يا قومي،
هل ثمة دليل أوضح من سيرة عائشة وغيرها لدحض
شبهات يفتعلها الجاهلون (أو المتجاهلون) حول حرية المرأة وحقها؟!!
بلغت الأحاديث التي روتها عائشة 2210 أحاديث،
اتفق الشيخان على 174 حديثاً،
وانفرد البخاري ب 54 حديثاً، وانفرد مسلم ب 69 حديثاً.
قال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.
وقال عروة بن الزبير فيما أخرجه الحاكم وصححه (ووافقه الذهبي) لعائشة (وهي خالته):
“قد أخذت السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشعر والعربية عن العرب،
فعمن أخذت الطب؟
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رجلاً مسقاماً،
وكان أطباء العرب يأتونه فأتعلم منهم”.
ولا يعني استدراك السيدة عائشة أم المؤمنين
على جملة من الصحابة أنها فاقتهم علماً، أو انها تدرك ما لا يدركونه
على أن العلم أخذ وعطاء ولا محاباة فيه، فمن أتى بدليل في كلامه فهو حجة على من لم يأت به،
وفوق كل ذي علم عليم.
ولما توفي الصديق رضي الله عنه وقفت عائشة على قبره
فقالت: “نضّر الله وجهك يا أبت، وشكر لك صالح سعيك،
فلقد كنت للدنيا مذِلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها،
ولئن كان أجل الحوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزؤك،
وأعظم المصائب بعده فقدك، إن كتاب الله ليعد بحسن الصبر عنك حسن العوض منك
وأنا أستنجز موعود الله فيك بالصبر، واستقضيه بالاستغفار لك،
أما لئن كانوا قاموا بأمر الدنيا لقد قمت بأمر الدين، لما وهى شعبه،
وتفاقم صدعه، ورجعت جوانبه، فعليك سلام الله توديع غير قالية لحياتك،
ولا زارية على القضاء فيه”.
ولنختم مقالنا هذا بحديث للسيدة عائشة تتحدث فيه عن نفسها،
فقد أخرج الحاكم وصححه (ووافقه الذهبي) عن عائشة قالت:
“خلال لي تسع، لم تكن لأحد، إلا ما أتى الله مريم،
والله ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي”
قيل: وما هن؟
قالت: جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فتزوجني وأنا ابنة سبع سنين،
وأهديت إليه وأنا بنت تسع، وتزوجني بكراً،
وكان يأتيه الوحي، وأنا وهو في لحاف واحد،
وكنت من أحب الناس إليه،
ونزل فيّ آيات من القرآن، كادت الأمة تلهك فيها،
ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري،
وقبض في بيتي، لم يله أحد غير الملك إلا أنا”.
فعندما مرض رسول الله بعد عودته من حجة الوداع
كان يقول وهو يطوف على نسائه متسائلاً : أين أنا غداً ؟ .. أين أنا بعد غدٍ ؟ ،
استبطاء ليوم عائشة ، فطابت نفوس بقية أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً :
بأن يمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحب ،
وقُلن جميعاً : يارسول الله قد وهبنا أيامنا لعائشة ..
وانتقل حبيب الله إلى بنت الحبيبة ، فسهرت تمرضه ،
فداك أبي وأمي يارسول الله ..
وحانت لحظة الرحيل ورأسه الشريفة على حجرها ..
قالت أم المؤمنين تصف اللحظة الرهيبة :
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ،
وفي يومي وفي ليلتي وبين سحري ونحري ،
ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب ،
فنظر إليه حتى ظننت أنه يريده ، فأخذته فمضغته ونفضته وطيبته ،
ثم دفعته إليه ، فاستن به كأحسن ما رأيته مستناً قط ،
ثم ذهب يرفعه إليَّ ، فسقطت يده ،
فأخذت أدعو الله له بدعاء كان يدعو به له جبريل ،
وكان هو يدعو به إذا مرض . فلم يدع به في مرضه ذاك ،
فرجع بصره إلى السماء وقال : (( الرفيق الأعلى )) وفاضت نفسه ،
فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا ..
ودفن صلى الله عليه وسلم حيث قبض في بيتها ،
وعاشت بعده تعلم الرجال والنساء ،
وتشارك في صنع التاريخ إلى أن وافتها المنية ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضين من رمضان
سنة سبع وخمسين وهي في السادسة والستين من عمرها ..
واليكم قصيدة إبن بهيج الأندلسي في فخر و مدح أم المؤمنين عائشة
والتي تحدث فيها علي لسان الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما فصورها
وهي تحاج الرافضة قبحهم الله وتُفَاخرهم وتدفع في نحور
أعدائها وأعداء المؤمنين بسلاح الحجة والبرهان
يقول رحمه الله تعالي ...
ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي=هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي
إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِهــا......ومُتَرْجِمــاً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِـي
يـا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ......فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِـي
إِنِّـي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ......بِصِفات بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِـي
وَسَبَـقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّها......فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي......فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
زَوْجِــي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ ......اللهُ زَوَّجَنِـي بِهِ وحَبَانِــــي
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِـي......فَأَحَبَّنِــي المُخْتَـارُ حِينَ رَآنِي
أنـابِكْـرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ......وضَجِيعُـهُ فــي مَنْزِلِي قَمَـرانِ
وتَكَـلـَّمَ الـلـهُ العَظيـــمُ بِحُجَّتِــي......وَبَرَاءَتِـي في مُحْكَـمِ القُرآنِ
والـلـهُ خَـفـَّرَنِي وعَـظَّـمَ حُـرْمَـتِـي......وعلى لِسَـانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِـي
واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي......بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي......إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِـي
إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ......ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
واللهُ أَحْصَنَنِي بخـاتَمِ رُسْلِــهِ......وأَذَلَّ أَهْــلَ الإفـْكِ والبُهتَـانِ
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ......مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
أَوْحَـى إلَيْـهِ وَكُنْـتُ تَحْـتَ ثِيـابِـهِ......فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّانـي
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُصُحْبَتِي......ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ......وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ
وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ......فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي......حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ......وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نَـصـَرَالنَّـبـيَّ بمـالِـهِ وفَــعـالِـهِ......وخُـرُوجِـهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
ثـانِيـهِ في الغارِِ الذي سَدَّ الكُـوَى......بِرِدائِـهِ أَكْرِمْ بِهِ مِنْ ثـانِ
وَجَـفـَا الغِنَـى حتَّـى تَخَلَّلَ بالعَبَا ...... زُهداً وأَذْعَنَ أيَّمَا إذْعـانِ
وتَخَلَّلَـتْ مَـعَهُ مَلاَئِكَةُ السَّمَا......وأَتَتْهُ بُشرَى اللهِ بالرِّضْــوانِ
وَهُوَ الذي لَمْ يَخْشَ لَوْمَةَ لائِمٍ......في قَتْلِ أَهْلِ البَغْيِ والعُدْوَانِ
قَتَلَ الأُلى مَنَعوا الزَّكاةَ بِكُفْرِهِمْ ...... وأَذَلَّ أَهْلَ الكُفْرِ والطُّغيانِ
سَبَقَ الصَّحَابَةَ والقَرَابَةَ لِلْهُدَى......هو شَيْخُهُمْ في الفَضْلِ والإحْسَانِ
واللهِ مااسْتَبَقُوا لِنَيْلِ فَضِيلَةٍ ...... مِثْلَ اسْتِبَاقِ الخَيلِ يَومَ رِهَانِ
إلاَّ وطَـارَ أَبـي إلـى عَلْيَـائِـهـا ...... فَمَـكَـانُهُ مِنـها أَجَلُّ مَكَانِ
وَيْـلٌ لِعَبْـدٍ خــانَ آلَ مُحَمَّـــدٍ ...... بِعَــدَاوةِ الأَزْواجِ والأَخْتَانِ
طُُوبى لِمَنْ والى جَمَاعَةَ صَحْبِهِ......وَيَكُونُ مِن أَحْبَابِهِ الحَسَنَانِ
بَيْـنَ الصَّـحـابَةِ والقَرابَةِ أُلْفَـةٌ ...... لاتَسْتَحِيـلُ بِنَزْغَةِ الشَّيْطانِ
هُمْ كالأَصَابِعِ في اليَدَيْنِ تَوَاصُلاً......هل يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيرِ بَنانِ؟!
حَصِرَتْ صُدورُ الكافِرِينَ بِوَالِدِي......وقُلُوبُهُمْ مُلِئَتْ مِنَ الأَضْغانِ
حُـــبُّ البَتــُولِ وَبَعْلِهــا لم يَخْتَـلِفْ ...... مِن مِلَّةِ الإسْلامِ فيهِ اثْنَانِ
أَكْــرِمْ بِـأَرْبَـعَــةٍ أَئِـمَّةِ شَرْعِنَـا ...... فَهُـمُ لِبَيْـتِ الدِّيـنِ كَالأرْكَــــانِ
نُسِـجَــتْ مَوَدَّتُـهُــمْ سَــدىً فـي لُحْمَةٍ......فَبِنَاؤُها مِن أَثْبَتِ البُنْيَانِ
الـلـهُ أَلَّـفَ بَـيـْنَ وُدِّ قُـلــُوبِهـِـمْ ...... لِيَـغـِيـظَ كُــلَّ مُنَـافِـقٍ طَعَّــانِ
رُحَـمـَاءُ بَيْنَهـُـمُ صَفـَتْ أَخْلاقُهُـمْ......وَخَلَـتْ قُلُوبُهُـمُ مِـنَ الشَّنَـآنِ
فَدُخُولُهُــمْ بَيْـنَ الأَحِبَّـةِ كُلْفَـة ٌ...... وسِبَابُهُـمْ سَبَـبٌ إلـى الحِرْمَانِ
جَمَـعَ الإلهُ المُسْلِمِينَ على أبي ...... واسْتُبْدِلُوا مِنْ خَوْفِهِمْ بِأَمَـانِ
وإذا أَرَادَ اللـهُ نُصْـرَةَ عَبْـدِهِ...... مَنْ ذا يُطِيـقُ لَهُ على خِذْلانِ؟!
مَنْ حَبَّنِي فَلْيَجْتَنِبْ مَنْ َسَبَّنِي ...... إنْ كَانَ صَانَ مَحَبَّتِي وَرَعَانِي
وإذا مُحِبِّـي قَـدْ أَلَـظَّ بِـمـُبْغِضِي ......فَكِـلاهُمَا في البُغْضِ مُسْتَوِيَانِ
إنِّـي لَطَيِّـبـَةٌ خُـلِقْـتُ لِطَـيـِّبٍ ...... ونِسَـاءُ أَحْمَـدَ أَطْيَـبُ النِّسْـــوَانِ
إنِّـي لأُمُّ المُؤْمِنِيـنَ فَمـَنْ أَبَى ...... حُبِّي فَسَـوْفَ يَبُوءُ بالخُسْـرَانِ
الـلـهُ حَبَّـبـَنِي لِقـَـلـْبِ نَـبـِيِّـهِ ......وإلـى الصِّـرَاطِ المُسْتَقِيمِ هَدَانِي
والـلـهُ يُكْرِمُ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتِي ...... ويُهِينُ رَبِّي مَنْ أَرَادَ هَوَانِـي
والـلـهَ أَسْـأَلُـهُ زِيَـادَةَ فَضْلِـهِ ...... وحَمِـدْتُهُ شُكْـراً لِمَـا أَوْلاَنِــي
يـامَـنْ يـلـوذ بـأَهل بَيـْتِ مُحَمَّدٍ......يَرْجُـو بِذلِكَ رَحْمَةَ الرَّحْمانِ
صِـلْ أُمَّهَـاتِ المُؤْمِنِـيـنَ ولا تَحِدْ ...... عَـنـَّا فَتُسْـلَبَ حُلَّةَ الإيمانِ
إنِّـي لَصَـادِقَـةُ المَقَـالِ كَرِيـمَـةٌ ...... إي والـذي ذَلَّـتْ لَـهُ الثَّقَـلانِ
خُـذْها إليـكَ فإنَّمَا هيَ رَوْضَةٌ ...... مَحْفُوفَةٌ بالرَّوْحِ والـرَّيْحَـانِ
صَـلَّـى الإلـهُ على النَّبيِّ وآلِـهِ ...... فَبِهِـمْ تُشَمُّ أَزَاهِرُ البُسْتَــانِ
الروابط المفضلة