قال بن القيم في ضرر المعصية ومغبة فعلها


بسم الله الرحمن الرحيم




قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الداء والدواء :


16 - فصل :
في ضرر المعصية ومغبة فعلها :
فمما ينبغي ان يعلم : ان الذنوب والمعاصي تضر ، ولابد وان ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان ، على اختلاف درجاتها في الضرر .


وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟!


فما الذي أخرج الأبوين من الجنة – دار اللذة والبهجة والسرور – إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟


وما الذي أخرج ابليس من ملكوت السماء ، وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه ، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها ، وباطنه أقبح من صورته وأشنع ، وبَدّل بالقرب بعداً ،
وبالرحمة لعنة ، وبالجمال قبحاً ، وبالجنة ناراً تلظى ، وبالإيمان كفراً ......
وما الذي اغرق اهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال ؟


وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى القتهم موتى على وجه الأرض ، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟


وما الذي ارسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم ، وماتوا عن آخرهم ؟


وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح الكلاب ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم ، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على امة غيرهم ؟


وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق والأرواح للحرق ؟


وما الذي خسف بقارون وداره وماله واهله ؟


وما الذي بعث على بني اسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء واحرقوا الديار ونهبوا الأموال ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيراً ؟


وقال علي بن جعد : أنبانا شعبة عن عمرو بن مرة : قال : سمعت أبا البختري يقول : أخبرني من سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم )
رواه أبوداود برقم : 4347 ،
وصححه الألباني .


ومعنى الحديث :
أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيستوجبون العقوبة ويكون لمن يعذبهم عذر كأنهم قاموا بعذرهم في ذلك .



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا ظهرت المعاصي في امتي ، عمهم الله بعذاب من عنده ، فقالت أم سلمة : يا رسول أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟
قال : بلى ، قلت : فكيف يصنع بأولئك ؟ قال : يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان )
أخرجه أحمد برقم 294 – 403 ، وصححه الألباني برقم 1372 .



وفي سنن ابن ماجة :
من حديث عمر بن الخطاب قال : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فأقبل علينا بوجهه فقال :
( يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله ان تدركوهن : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى اعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا ولا نقص قوم المكيال والميزان الا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان ، وما منع قوم زكاة اموالهم الا منعوا القطر من السماء ،فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله عز وجل في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم ).
رواه ابن ماجه برقم 4019 ، وصححه الألباني يرقم 107 – 108 .



وجاء في سنن ابوداود برقم 3462 : قوله صلى الله عليه وسلم :
( اذا تبايعتم بالعينة ، واخذتم اذناب البقر ، ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا الى دينكم )
صححه الألباني برقم 11 .



وأخرج ابن ماجه في سننه :
قال عليه الصلاة والسلام :
( يا أيها الناس ان الله عز وجل يقول لكم : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل ان تدعوني فلا أجيبكم ، وتستنصروني فلا انصركم ، وتسألوني فلا أعطيكم )
حسنه الألباني .



وقال الإمام أحمد : قال موسى :
يارب أنت في السماء ونحن في الأرض ، فما علامة غضبك من رضاك ؟
قال : اذا استعملت عليكم خياركم ، فهو علامة رضائي عنكم ، واذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة سخطي عليكم .



قال الفضيل بن عياض :
أوحى الله إلى بعض الأنبياء : إذا عصاني من يعرفني ، سلطت عليه من لا يعرفني .



قال الإمام احمد : قال جبير :
لما فتحت قبرص فَرق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى بعض ، رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي ، فقلت : يا أباالدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام واهله ؟
فقال : ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك ، تركوا امر الله ، فصاروا إلى ما ترى !!!


وذكر الإمام احمد : عن عمر ابن الخطاب انه قال : توشك القرى ان تخرب وهي عامرة قيل : وكيف تخرب وهي عامرة ؟ قال : إذا علا فجارها أبرارها وساد القبيلة منافقوها .



قال بعض السلف :
المعاصي بريد الكفر ، كما ان القبلة بريد الجماع ، والغناء بريد الزنى ، والنظر بريد العشق والمرض بريد الموت .



وقال ابن عباس :
ان للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمة في القلب ، ووهنا ونقصاً في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق .



وقال الإمام احمد :
حدثنا الوليد ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : سمعت بلال بن سعد يقول : لا تنظر الى صغر الخطيئة ، ولكن انظر الى من عصيت .



وقال ابي الدرداء :
ليحذر امرؤ ان تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر ، ثم قال : تدري مم هذا ؟ ان العبد يخلو بمعاصي الله ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر .


وقال ابن سيرين :
أنه لما ركبه الدين ، اغتم لذلك ، فقال : إني اعرف هذا الغم بذنب اصبته منذ اربعين سنة .


وقال سليمان التيمي :
ان الرجل ليصيب الذنب في السر ، فيصبح وعليه مذلته .


وقال ذو النون : من خان الله في السر ، هتك الله ستره في العلانية .



نسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يجنبنا المعاصي والفتن ما ظهر منها وما بطن


وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

__________________

غربة الانسان ليست في بعده عن أهله ,,وانما حيث يجد نفسه يوم الحساب بلا حسنات,,!!