س229 هل يصح أن يقال: إن بعض القرآن أفضل من بعض ؟ وضح ذلك بالأدلة ؟
ج : هذا السؤال مجمل ، وقد تقرر في أجوبة كثيرة أن اللفظ المجمل يحتاج إلى تفصيل فنقول :
لا يتفاضل باعتبار المتكلم به ؛ لأن المتكلم به هو الله - تعالى- ، فالقرآن كله حروفه ، ومعانيه من الله - تعالى- من الفاتحة إلى الناس فالمتكلم به واحد ، فهو بهذا الاعتبار لا يتفاضل لأن التفاضل إنما يكون بين شيئين أو أكثر فيقال : هذا أفضل من هذا ، والذي تكلم بالقرآن هو الله - تعالى- وهو واحد في ذاته ، وصفاته - جل وعلا- وإن كان المقصود بالتفاضل أي باعتبار دلالة الكلام ، وما يحمله من المعاني العظيمة فهو بهذا الاعتبار يتفاضل ، فإذاً نقول : هنا اعتباران : فأما باعتبار المتكلم به فلا تفاضل ، وأما باعتبار دلالته ، ومعانيه فإنه يتفاضل ، وعلى ذلك وردت الأدلة ، فقد روى النسائي من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - قال : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسيرٍ له فنزل، ونزل رجل إلى جانبه فالتفت إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألا أخبرك بأفضل القرآن ؟ قال فتلا عليه ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ) وسنده صحيح .
وعن أبي سعيد بن المعلى - رضي الله عنه - قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أجبه فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي ، فقال: ألم يقل الله - تعالى- ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم ﴾ [الأنفال:24] ( ثم قال لي لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له : ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ؟ فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ هي السبع المثاني ، والقرآن العظيم الذي أوتيته ) [رواه البخاري] ، وغيره ، وعن أبيُّ بن كعب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يا أبا المنذر أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال : قلت: الله ورسوله أعلم ، قال يا أبا المنذر: أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم قال: قلت : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال: فضرب في صدري وقال ( والله ليهنك العلم أبا المنذر ) ) رواه مسلم في صحيحه ، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الاخلاص:1] يرددها فلما أصبح جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن ) [البخاري ، وغيره] وقال الشيخ تقي الدين : والصواب الذي عليه جمهور السلف ، والأئمة أن بعض كلام الله أفضل من بعض كما دل عليه الشرع والعقل. أهـ وهو ما نعتقده بقلوبنا ، وننطقه بألسنتنا . والله أعلم .
***************************************
س230 ما مذهب أهل السنة في صفة الاستواء؟ مع بيانها بالدليل . وهل هو من صفات الذات أم الفعل ؟
ج : يعتقد أهل السنة - رحمهم الله تعالى- أن الله - تعالى- استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله ، وعظمته.
قال - تعالى- ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الرعد:2] ، وقال ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طـه:5] وقد ورد إثبات ذلك لله - تعالى- في سبع آيات من القرآن جمعها الناظم بقوله :
في السجدة الرعد الحديد ، ويونس ، وبطه ، والأعراف ، والفرقان
قال - تعالى- في سورة السجدة : ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [السجدة:4] ، وقال - تعالى- في سورة الرعد: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الرعد:2] ، وقال - تعالى- في سورة الحديد : ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الحديد:4] ، وقال - تعالى- في سورة الأعراف : ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف:54] ، وقال - تعالى- في سورة طه : ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طـه:5] ، وقال - تعالى- في سورة يونس : ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [يونس:3] ، وقال - تعالى- في سورة الفرقان : ﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والْأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [الفرقان:59] وقد أجمع أهل السنة - رحمهم الله تعالى- على إثبات هذه الصفة ، وأنه استواء حقيقة على ما يليق بجلاله ، وعظمته - تعالى الله وتقدس عن مماثلة خلقه في شيء من صفاته - جل وعلا- والاستواء من الصفات الفعلية . وهذا ما نعتقده بقلوبنا ، وننطقه بألسنتنا . والله أعلم .
***
س231 ما معاني الاستواء في لغة العرب ؟ مع تأييدها بالدليل .
ج : الاستواء يختلف معناه في اللغة باختلاف وروده مطلقاً أو متعدياً بحرف.
فإن ورد مطلقاً فيكون بمعنى النضج ، والكمال . ومنه قوله - تعالى- ﴿ ولَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وعِلْماً ﴾ [يوسف:22] أي لما بلغ كماله ، وتمامه . وإذا ورد مقيداً ب( إلى ) فيكون معناه القصد بإرادة تامة ، ومنه قوله - تعالى- ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ، وهِيَ دُخَانٌ ﴾ [فصلت:11] أي قصدها بالإرادة التامة .
وإذا ورد مقيداً بالواو فهو بمعنى المساواة ، ومنه قول العرب : استوى الماء ، والخشبة أي ساواها ، وقول البعض استوى محمد ، وبكر في العلم ، أي تساويا في العلم ، وهكذا .
وإذا ورد مقيداً بـ ( على ) فإنه يكون بمعنى العلو ، والاستقرار ، والفوقية ، ومنه الآيات السبع المذكورة في إجابة السؤال السابق . فاستواء الله - تعالى- على عرشه معلوم معناه في اللغة ، لكنه مجهول الكيف ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة . والله أعلم .
*******
س232 ما العلة في إنكار كثير من الفرق لهذه الصفة مع ثبوتها بالأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة ؟
ج : العلة في ذلك أنهم مثلوا استواء الله على عرشه باستواء المخلوق على كرسيه أو على ظهر الفلك ، والدابة فاستوجب لهم ذلك لوازم باطلة فأرادوا أن يفروا منها ، فلزم عليهم أن الله محتاج إلى العرش ، وأنه يكون محيطاً به ، وأنه لو أبعد العرش لخرَّ الرب كذا قالوا بكل وقاحة ، وقلة أدب ، فلم يجدوا إلا أن يحرفوا هذه الصفة بالاستيلاء ، فقالوا : معنى استوى استولى ، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه ، ويلزم منه أن العرش كان مملوكاً لغيره - جل وعلا- ثم استولى عليه ، وهو مخالف لدلالة اللغة ، ومخالف لمنهج السلف . والأدهى ، والأمر:أنهم يحرفون نصوص الاستواء ، ويخرجونها عن دلالتها لبيت من الشعر لا يعرف قائله .كل ذلك سببه لأنهم مثلوا استواء الله على عرشه باستواء المخلوق على ظهور الفلك ، والرواحل ، ولو أنهم قالوا بما قال به أهل السنة لما لزم عليهم هذه اللوازم الباطلة التي بنيت على باطل ، فالقوم يتقلبون من باطلٍ إلى باطل - نعوذ بالله من حال أهل الأهواء والبدع . والله أعلم
__________________________________________________ _____
الأسئلة التطبيقية:
س1: ما مذهب أهل السنة في صفة الاستواء؟ مع ذكر الدليل . وهل هو من صفات الذات أم الفعل ؟
س2: كيف نرد على من سأل عن كيفيه استواء الله تعالى على عرشه ؟
س3: هل سور القرآن تتفاضل عن بعض، باعتبار دلالة الكلام وما يحمله من معاني عظيمة ؟ اذكري دليلا على ذلك؟
*****
الروابط المفضلة