دورة: "كيفية الإيمان بأسماء الله تعالى وصفاته"
قال صلى الله عليه وسلم (( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين )) متفق عليه.
[الدرس: الثاني عشر]
من كتاب:
إتحاف أهل الألباب بمعرفة العقيدة في سؤال وجواب
عقيـدة أهـل السنـة في الأسمـاء والصفـات
س227 بماذا استدل من ذهب إلى القول بأن القرآن مخلوق؟ مع بيان الجواب على هذه الشبه .
ج : لا دليل لهم على ذلك ، وإنما هي خيالات ، وشُبَهٌ توهموها بفهمهم الفاسد ، ومذهبهم الرديء العاطل الكالح الباطل ، فهم يتبعون المتشابه ، ويتركون المحكم ، ويعملون بالمجمل ، ويتركون المبين ، ويلوون أعناق الأدلة ، ويحملونها ما لا تحتمل لتتوافق مع قولهم الفاسد البائر فمن ذلك قولهم : قال - تعالى- ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر:62] والقرآن شيء من الأشياء فهو داخل في عموم هذا النص ، فيكون مخلوقاً . فأجاب أهل السنة على ذلك الاستدلال بأن عموم ( كل ) لا تقتضي دخول الأشياء جميعها ، فإن صيغ العموم يكون عموم كل منها بحسبه ألا ترى إلى قوله - تعالى- عن بلقيس ملكت سبأ ﴿ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النمل:23] فإنه لا يفهم عاقل أنها أوتيت كل الأشياء فإنها لم تؤتَ ما أوتي سليمان - عليه السلام - وإنما المراد أنه﴿ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يحتاجه الملوك في الغالب ، وكذلك قوله - تعالى- في ريح عاد ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [الاحقاف:25] ونعلم عقلاً ، وحساً أنها لم تدمر السماوات ، والأرض ، والجبال ، والجمادات بل حتى المساكن لم تدخل في هذه الكلية قال - تعالى- ﴿ فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [الأحقاف:25] فدل ذلك على أنها ، إنما دمرت كل شيء أمرت بتدميره ، وكذلك قوله - تعالى- ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ فإن معناه عموم خلقه لما يصلح أن يكون مخلوقاً ، وهو هذه العوالم العلوية ، والسفلية من أرضها ، وسمائها ، وأفلاكها ، وملائكتها ، وإنسها ، وجنها ، وحيواناتها ، وشجرها ، ونباتها ، ومائها ، ونحو ذلك مما يصلح أن يوصف بكونه مخلوقاً ، لكن الله - تعالى- بصفاته هو الخالق - جل وعلا- وما سواه مخلوق ، ومن صفاته كلامه ، والقرآن من كلامه فلا يكون مخلوقاً ، إذ كيف - بالله عليك - يكون شيء من صفاته مخلوقاً؟ وقال أهل السنة أيضاً : أيها المعتزلة هل أنتم تقولون: إن أفعال العباد الصادرة منهم شيء أم ليست بشيء ؟ بالطبع سيقولون: هي شيء من الأشياء ، فقل لهم : فأنتم تخرجونها عن كونها مخلوقة لله - تعالى- فأين حرصكم على الاستدلال بقوله ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ وقد أخرجتم منه أفعال العباد فقلتم : لم يخلقها الله مع أنها شيء باعترافكم ، وتدخلون كلام الله - تعالى- في هذا الدليل لأنه شيء من الأشياء . هذا- واللهِ- عين التناقض فإنكم بذلك قد أخرجتم من العموم أفعال العباد ، وهي داخلة فيه بالإجماع ، وأدخلتم في العموم كلام الله ، وهو خارج منه بالإجماع . فأين عقولكم ؟ فحق هؤلاء شفقة بهم ، وإحساناً إليهم أن يدخلوا في المصحات العقلية لأخذ العلاج اللازم - عافانا الله ، وإياكم من كل بلاء - وقال أهل السنة أيضاً : أيها المعتزلة : قال - تعالى- ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ﴾ [الأنعام:19] فهذا يثبت أن الله - تعالى- شيء ، وصفاته شيء ، وهو أكبر الأشياء - جل وعلا- فهل يدخل في هذا العموم ؟ بالطبع سيقولون: لا . فقل: إن القرآن كلام الله ، وكلامه صفته ، وصفته غير مخلوقة فكيف أدخلتموه في هذا العموم ؟ والله أعلم .
ومن أدلتهم : أيضاً قوله - تعالى- ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ [الزخرف:3] فقالوا : الجعل هنا هو الخلق فيكون المعنى إنا خلقناه قرآنا عربياً ، فقال أهل السنة ، وهذا الاستدلال أيضاً ساقط ، وما فهمتموه من الدليل ليس بشيء ، وبيان ذلك أن :
( جعل ) في اللغة العربية لها معانٍ: فتأتي بمعنى ( خلق ) ، وتأتي بمعنى ( صَيَّر ) ، والقاعدة فيها : أن ( جعل ) إذا كانت لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد فهي بمعنى ( خلق ) ، وإذا كانت تتعدى إلى مفعولين فهي بمعنى ( صَيَّر ) فمن أمثلة مجيئها بمعنى خلق قوله - تعالى- ﴿ وجَعَلَ الظُّلُمَاتِ والنُّورَ ﴾ [الأنعام:1] فهنا بمعنى( وخلق الظلمات والنور ) لأنها لم تتعدَ إلا لمفعول واحد ، ومنه قوله - تعالى- ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [الأعراف:189] أي: وخلق منها زوجها لأنها لم تتعدَ إلا إلى مفعول واحد فقط .
وأما إذا تعددت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى (صَيَّر ) ، ومن ذلك قوله - تعالى- ﴿ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ومَا خَلْفَهَا ﴾ [البقرة:66] فإن المفعول الأول ( ها ) في قوله : ( فجعلناها ) ، والمفعول الثاني ( نكالاً ) فيكون هنا بمعنى فصيرناها نكالاً ، ومنه قوله - تعالى- ﴿ وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً ﴾ [الزخرف:19] فإن المفعول الأول ( الملائكة ) ، والمفعول الثاني ( إناثاً ) فتكون بمعنى صير أي: (وصيروا الملائكة باعتقادهم الفاسد إناث ) ، ومنه قوله - تعالى- ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (الزخرف:3 ) فالمفعول الأول الضمير ، والمفعول الثاني ( قرآناً ) والمعنى إنا (صيرنا أو قلنا قرآناً عربياً ) هذا تفهمه العرب من كلامها ، ولا عبرة بفهم الأعاجم ، والأنباط ، وسقطة فارس ، والروم - وبالله عليك- هل يفهم عاقل من قوله - تعالى- ﴿ وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ ﴾ [الزخرف:19] أي: وخلقوا الملائكة ؟ ومن قوله - تعالى- ﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل:5] أي: فخلقهم كعصف مأكول؟ هل يفهم عاقل أن ( جعل ) هنا بمعنى خلق ؟ولكن المعتزلة قوم بهت - والله يحفظنا ، وإياك من زلل القول ، والفهم . والله أعلم .
ومن أدلتهم أيضاً : قوله - تعالى- ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنبياء:2] ، ومثلها قوله - تعالى- ﴿ ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [الشعراء:5] فقالوا : والمحدث هو المخلوق ، فقال أهل السنة - رحمهم الله تعالى: إن قوله ( مُحْدَثٍ ) من الحدوث ، وهو كون الشيء بعد أن لم يكن . والقرآن العظيم حين كان ينزل ، كان كُلَّما نزل منه شيء كان جديداً على الناس لم يكونوا علموه من قبل ، فهو محدث بالنسبة إلى الناس . ألا تراه قال: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ ﴾ ؟ فهو محدث إليهم حين يأتيهم ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الله يحدث لنبيه ما شاء ، وإن مما أحدث لنبيه أن لا تكلموا في الصلاة ) فهل يكون المعنى : إن الله يخلق لنبيه ما شاء ؟ بالطبع لا . وإنما المراد: أنه - تعالى- يشرع من التشريع الجديد ما شاء، وإن مما شرع ألا تكلموا في الصلاة ، فقوله: ﴿ مُحْدَثٍ ﴾ أي: بالنسبة إلى العباد أي جديد عليهم ، فيكون المعنى : أنه ( كلما أتاهم ذكر جديد من ربهم أي نزل عليهم شيء جديد من القرآن استمعوه وهم ساهون غافلون لاعبون متشاغلون معرضون ) فليس المحدث هنا هو المخلوق ، قال أبو العباس - قدس الله روحه : ﴿ مُحْدَثٍ ﴾ في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي ، ولكنه الذي نزل جديداً فإن الله كان ينزل القرآن شيئاً بعد شيء ، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً ، وكل ما تقدم على غيره فهو لغة العرب ) أ.هـ
ومن أدلتهم أيضاً : قوله تعالى في عيسى- عليه الصلاة والسلام- ﴿ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ [النساء:171] ، وقال - تعالى: ﴿ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران:45] وعيسى مخلوق فتكون الكلمة مخلوقة ، فقال أهل السنة : إن عيسى- عليه الصلاة والسلام- ليس هو ( كن ) ، وإنما هو المكون بـ ( كن ) كما قال - تعالى- ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران:59] ، وقال – تعالى- ﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي ولَدٌ ولَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران:47] فكلمة الله هي قوله ( كن ) ، وهذه ليست هي عين عيسى- عليه السلام- حتى تكون هذه الكلمة مخلوقة ، وإنما عيسى هو أثرها المقصود بقوله ( فيكون ) فعيسى - عليه السلام- تكوَّن بـ ( كن ) ، وليس عين ( كن ) فالمعتزلة فهموا أن عيسى هو بعينه ( كن ) ، وهذا فهم بعيد عن الآية لا تدل عليه أبداً ، فعيسى - عليه السلام- مخلوق خلقه الله بأمره حين قال له: ( كن ) فتكوَّن بهذه الكلمة هذا ما فهمه السلف ، وفهمهم حجة على من بعدهم بل هذا هو عين المراد ، والله أعلم .
هذه هي مجمل حججهم ، وأنت ترى أنها مبنية على الفهم الخاطئ من بعض الآيات ، - والله يهدي القلوب ، ويثبتنا على الاعتقاد الحق - وهو أعلى وأعلم .
_________________________________________________
الأسئلة التطبيقية:
س1: قراءة الدرس مرات عديدة.. حتى يتم الفهم الجيد .
الروابط المفضلة