سيرة حياة الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله

عاش في بيت من خشب وطين 17 عاما وأنجبت له ابنة عمه 12مولوداً .. العلامة الجبرين ..عالم العلماء وفقيه الفقهاء والفتاوى المدوية




برحيل الشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن الجبريين عن عمر ناهز "78 عاما" , فقدت الأمة علما من أعلامها , وفقيها من ابرز فقهاءها , وداعية وصل علمه إلى الأفاق , وتتلمذ على يديه وتخرج من دروسه علماء وفقهاء وطلاب علم من شتى إنحاء العالم.
عرف العلامة الجبرين بعلمه الغزير وزهده وورعه , وكان لا يخشى في الله لومة لائم , يصدع بالحق , لا يبتغي سوى مرضاة الله , حظي برعاية ولاة الأمر ودعمهم له, وكان له مكانته على مستوى الإفتاء في المجامع الفقهية , ووزعت مؤلفاته وأشرطته في أنحاء العالم , وترجمت إلى لغات شتى, اشتهر بفتاويه التي تدعم أبناء الأمة , والتي توضح الرؤية الشرعية الصحيحة المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله , وكان أخرها دراسته عن شرعية توسعة المسعى بين الصفا والمروة التي بنيت عليها معظم الآراء الشرعية , حول هذه المسالة المهمة , وكذلك موقفه الرافض لـ"حزب الله" من منطلق عقدي , والذي استطاع أن يضلل بإعلامه المتمذهب الكثيرين , وغيرها من الفتاوى التي تناولت قضايا كبرى, وبعض فتاويه كان مدويا .
والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين من آل رشيد وهم فخذ من عطية بن زيد وبنو زيد قبيلة مشهورة بنجد كان أصل وطنهم مدينة شقراء ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد وتملكوا هناك.
ولد الشيخ عبدا لله بن جبرين سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية ونشأ في بلدة الرين وابتدأ بالتعلم في عام 1359هـ , وأتقن القرآن وسنه إثناء عشر عاماً , وتعلم الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367هـ وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم , وبعد أن أكمل حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب وكان جل القراءة عليه في كتب الحديث ,ثم انتقل مع شيخه أبو حبيب إلى الرياض وانتظم طالباً في معهد إمام الدعوة العلمي فدرس فيه القسم الثانوي في أربع سنوات وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377هـ وكان ترتيبه الثاني بين الطلاب الناجحين , ومنح الشهادة الجامعية عام 1381هـ وكان ترتيبه الأول , وفي عام 1388هـ انتظم في معهد القضاء العالي ودرس فيه ثلاث سنوات ومنح شهادة الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جداً وبعد عشر سنين سجل في كلية الشريعة بالرياض للدكتوراه وحصل على الشهادة في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف , وكان يقرأ على أكابر العلماء ويحضر حلقاتهم ويناقشهم ويسأل ويستفيد من زملائه ومن مشائخهم في المذاكرة والمجالس العادية والبحوث العلمية والرحلات والاجتماعات المعتادة التي لا تخلو من فائدة أو بحث في دليل وتصحيح قول ونحوه.
و تزوج الشيخ الجبرين من ابنة عمه الشقيق رحمها الله في آخر عام 1370هـ , وكانت ذات دين وصلاح ونصح وإخلاص بذلت جهدها في الخدمة والقيام بحقوق ربها وبعلها وتوفيت عام 1414هـ وقد رزق منها أثنى عشر مولوداً من الذكور والإناث مات بعضهم في الصغر , وعاش له منها ثلاثة ذكور وست إناث .
وكان الشيخ الجبرين بارا بوالده يؤدي له حقه في نفسه وماله ولا يستبد بكسب ولا يختص بمال ولما انتقل إلى الرياض وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي وكان يدفع له مكافأة شهرية فكان يدفع ما فضل عن حاجته لوالده الذي ينفق على ولده وولد ولده وبعد ثلاث سنين اضطر إلى إحضار زوجته وأولاده واستئجار منزل صغير وتأثيثه والنفقة فكانت المكافأة تكفي لذلك رغم قلتها لكن مع الاقتصار على الحاجات الضرورية وبقي يستأجر منزلاً بعد منزل لمدة ثماني سنين , ثم اشترى منزلا من الطين والخشب القوي أقام فيه سبعة عشر عاماً , لا إسراف فيه ولا تقتير ولم يتوسع في الكماليات والمرفهات لقلة ذات اليد .
وفي عام 1402هـ انتقل إلى منزله الحالي الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية وعاش فيه كما يعيش أمثاله في هذه الأزمنة.
وقد نشأ الشيخ الجبرين على معتقد سليم تلقاه عن الآباء والأجداد والمشايخ العلماء المخلصين فتعلم عقيدة أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، فقرأ وحفظ ما تيسر من كتب العقائد كالواسطية للشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وتقلى شرحها من مشائخه الذين تعلم منهم العلوم الشرعية فكانوا يفسرون غريبها ويوضحون المعاني ويبينون الدلالات من النصوص وقد نهج منهج المشايخ في تدريس كتب العقيدة السلفية
أما الشيوخ والعلماء الذين تتلمذ عليهم فأولهم والده رحمه الله تعالى فقد بدأ بتعليمه القراءة والكتابة في عام 59 وكان رحمه الله من طلبة العلم وأهل النصح والإخلاص والمحبة وقد توفى سنة 1377هـ .
ومن أكبر المشايخ الذين تأثر بهم شيخه الكبير عبدالعزيز بن محمد أبو حبيب الشثري الذي قرأ عليه أكثر الأمهات في الحديث وفي التفسير والتوحيد والعقيدة والفقه والأدب والنحو والفرائض , ومن العلماء الذين قرأ عليهم واستفاد من مجالستهم فضيلة الشيخ صالح بن مطلق فقرأ عليه بعض الكتب في العقيدة والحديث وحضر , وتابع دروسهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية وقد تلقى عليه دروساً نظامية عند أفتتاح معهد إمام الدعوة في شهر صفر عام 1374هـ
وقرأ في الدراسة النظامية على جملة من العلماء كالشيخ إسماعيل الأنصاري في التفسير والحديث والنحو والصرف وأصول الفقه وذلك من عام 1375هـ حتى التخرج والشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد في الفرائض لمدة ثلاث سنوات ودرس عليه أيضاً في مرحلة الماجستير لمادة الفقه عام 1388هـ , وقرأ أيضاً على الشيخ حماد بن مجد الأنصاري والشيخ محمد البيحاني والشيخ عبدالحميد عمار الجزائري في علوم وفنون متعددة وفي مرحلة الماجستير قرأ على الكثير من كبار العلماء كسماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد المتوفى سنة 1402هـ في الفقه , وقرأ على الشيخ عبدالرزاق عفيفي وهو مشهور من كبار العلماء وقد تتلمذ عليه واستفاد منه
وكذا الشيخ مناع خليل القطان الذي درسه مادة التفسير , وكذا الشيخ عمر بن مترك رحمه الله تعالى وكان من أوائل حملة الدكتوراه من السعوديين , واستفاد أيضاً من مشايخ آخرين في دراسته غير النظامية وأشهرهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بذلك عبدالله بن باز -رحمه الله- الذي لازمه في أغلب الحلقات التي يقيمها في الجامع الكبير بالرياض.
وأول الأعمال التي قام بها عندما بعث مع عدد من الدعاة إلى الحدود الشمالية في أول عام 1380هـ بأمر الملك سعود ,ومكث لمدة أربعة أشهر ابتداء من حدود الكويت على امتداد حدود العراق وحدود الأردن وحدود المملكة شمالاً وغرباً للقيام بالدعوة والتعليم .
ثم تعين مدرساً في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381هـ إلى عام 1395هـ ,وفي عام 1395هـ انتقل إلى كلية الشريعة بالرياض وتولى تدريس التوحيد للسنة الأولى , وفي عام 1402هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء وتولى الفتاوى الشفهية والهاتفية والكتابة على بعض الفتاوى , وبحث فتاوى اللجنة الدائمة , وعين إماماً في مسجد آل حماد بالرياض في شهر شوال عام 1389هـ حتى هدم المسجد وهدم الحي كله في عام 1397هـ . وبعد عامين عين خطيباً احتياطياً يتولى الخطبة عند الحاجة , ويقوم أيضاً متبرعاً بالتدريس في المساجد , وقد حصل إقبال شديد على تلك الحلقات وكان أغلب الطلاب من مدرسة تحفيظ القرآن الذين توافدوا من جنوب المملكة ومن اليمانيين الوافدين لأجل التعلم وقد كان يقيم تلك الدروس بعد الفجر أكثر من ساعة أو ساعتين وبعد الظهر كذلك وبعد العصر , وبعد المغرب إلى العشاء واستمر ذلك حتى هدم المسجد حيث نقلت الدروس إلى مسجد الحمادي , حيث توافد إليه الطلاب كثرة في أغلب الأوقات للدراسة في العلوم الشرعية كالحديث والتوحيد والفقه وأصوله والمصطلح وغيرها ثم في عام 1398هـ رغب إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز أن يقوم في غيبته بالصلاة في الجامع الكبير كإمام للصلوات الخمس فقام بذلك وكان يتولى الصلاة بهم إماماً كل وقت ماعدا خطبة الجمعة وصلاتها ومن ثم نقلت الدروس إلى مسجد الجامع الكبير والذي عرف بعد ذلك بجامع الإمام تركي بن عبدالله رحمه الله وفي حالة حضور سماحة الشيخ يقوم بصلاة العشائين هناك وإلقاء الدروس بينهما وبقية الأوقات ويلقي الدروس في مسجد الحمادي بعد العصر والمغرب وبعد الفجر غالباً ثم في عام 1398هـ رغب إليه بعض الشباب في درس بعد العشاء في المنزل يتعلق بالعقيدة فلبى طلبهم وابتدأ بالعقيدة التي كتبها الشيخ ابن سعدي وطبعت في مقدمة كتابه القول السديد وقد كثر عدد الطلاب وتوافدوا من بعيد , انتقل عام 1402هـ إلى منزله الحالي في السويدي فنقل الدرس هناك في ليلتين من كل أسبوع , ولما ضاق المنزل نقلوا الدرس إلى المسجد المجاوره ويعرف بمسجد البرغش كما نقول فيه الدروس الأسبوعية بعد الفجر وبعد المغرب.
وفي عام 1382هـ أسس بعض المحسنين مدرسة خيرية باسم (دار العلم) فأقبل إليها العدد الكثير من الطلاب صغاراً وكباراً , وفي عام 1398هـ قام فيها بدرس أسبوعي يحضره العدد الكثير , وفي عام 1403هـ رغب إليه بعض الشباب من سكان حي العليا أن يلقى عندهم درساً أسبوعياً في العقيدة ودرساً في الحديث فابتدأ الدرس في مسجد متوسط في الحي أشهراً ثم انتقلوا إلى مسجد الملوحي مدة طويلة ثم إلى مسجد السالم , حيث استمر الدرس فيه سنوات ثم انتقل بهم إلى مسجد الملك عبدالعزيز ثم إلى جامع الملك خالد , وفي عام 1409هـ نظم له أسبوعياً في مسجد سليمان الراجحي بحي الربوة , وفي عام 1409هـ رغب إليه سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- أن يلقي درساً في مسجد سوق الخضار بعتيقة لكثرة من يصلي فيه فلبى رغبته وأقام فيه درساً أسبوعياً , وشارك الشيخ الجبرين في الندوات التي تقام أسبوعياً في المسجد الجامع الكبير والتي كان يعلق عليها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- والآن يعلق عليها سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مفتي عام المملكة.
و قام بالتدريس في المعهد للقضاء التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك في عام 1408هـ ثم انتقل من الجامعة إلى رئاسة البحوث العلمية .
أما مؤلفات الشيخ الجبرين أولها البحث المقدم لنيل درجة الماجستير في عام 1390هـ (أخبار الآحاد في الحديث النبوي) وقد حصل على درجة الامتياز ,وقد طبع عام 1408هـ ,. وفي عام 1398هـ كتب بحثاً بعنوان (التدخين مادته وحكمه في الإسلام) , وفي عام 1391هـ قام بتدريس متن لمعة الاعتقاد لابن قدامة لطلاب المعهد العلمي وكتب عليها أسئلة وأجوبة مختصرة تتلاءم مع مقدرة أولئك الطلاب في المرحلة المتوسطة وطبعت بعنوان (التعليقات على متن اللمعة) عام 1412هـ , وفي عام 1399هـ سجل في كلية الشريعة لدرجة الدكتوراه واختار (تحقيق شرح الزركشي على مختصر الخرفي).
وقد اعتنى بتخريج الأحاديث والآثار الكثيرة التي يوردها الشارح وقام بترقيمها فبلغ عددها كما في آخر المجلد السابع 3936 وألقى عدة محاضرات في مواضيع متعددة وتم تسجيلها في أشرطة وطبع منها رسالتين الأول بعنوان (الإسلام بين الإفراط والتفريط) والثانية بعنوان (طلب العلم وفضل العلماء) وكلاهما طبع عام 1313هـ
أما الكتابات السريعة فكثيرة فإن هناك العديد من الطلاب يحرصون على تحصيل جواب مسألة أو فتوى في مشكلة ويرفعونها إليه وبعد كتابة الجواب وتوقيعه ينشرونه في المساجد والمكاتب والمدارس فيتم تداولها.

منقوووول