هذه مقالة قرأتها وأحببت أن أنقلها وأعجبت بها وأحببت أن أقلها إلى حضراتكم ليعم الخير والفائدة.
مختصر المقالة:
الصحيحُ أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل، وينبغي ألا تمر ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم دون أن نقف في رحابها وقفات عِدّة، ومن تلك الوقفات مناسبةُ كون مولده صلى الله عليه وسلم عامَ الفيل...

وإليكم المقالة كاملة:
إن للبيت ربًّا يحميه
خطبةالجمعةللدكتورمحمودأبوالهدىالحسينيفيالجامعالأموي الكبيربحلببتاريخ5/3/2010م
الصحيحُ (كما أخرج الإمام الحاكم في مُستدرَكه وغيره) هو أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان عام الفيل، وينبغي ألا تمر ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم دون أن نقف في رحابها ومعانيها ومضموناتها وقفات عِدّة، ومناسبةُ كون مولد النبي صلى الله عليه وسلم عامَ الفيل مناسبةٌ ما يزال الباحثون والدارسون يقرؤونها قراءات كثيرة، وأحببت في هذا اليوم أن أقف وِقفة تتعلّق بالربط بين مولد النبي صلى الله عليه وسلم وكونه في عام الفيل.
إن قوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} بهذا اللفظ، تكرر في القرآن مرتين فقط:
* مرة في سورة الفجر حين قال سبحانه:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14]
* والموضع الثاني في سورة الفيل التي أرّخت لمولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} السورة.
والسؤال هو: لماذا تقتصر سُور القرآن كلها على هذين الموضعين؟ وما القراءة التي نقرؤوها في هذا؟
إن ورود هذا اللفظ في سورة الفجر كان يتحدّث عن أُمم ثلاثة: عاد وثمود وفرعون، وهما أمتان من العرب وأمة قِبطية، وقد أرسل الله سبحانه وتعالى لهم جميعًا رُسلاً فكذّبوهم، ولما كذّبوهم فعل الله سبحانه وتعالى بهم ما فعل، لكنه سبحانه لما أراد أن يُرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يجعل الإهلاك بعد بعثته، لكنه مهّد لبعثته ومولده بالإهلاك، وهذه خصوصية لم تحصل قبل ذلك لنبيّ من الأنبياء أو لرسول من الرسل، فإنه سبحانه وتعالى أهلك أبرهة الذي جاء يريد هدم قِبلة نبيّ الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم في نفس العام الذي ولد فيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا جاء الإعلان الربّانيّ أنني قد تعهدتُ قِبلة الإسلام، وتعهدتُ وجودها وديمومتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتعهدتُ انتشار الإسلام قبل أن يولد نبيّ الإسلام وفي نفس العام، وتعهدتُ أي يكون لهذا الإسلام شأن عظيم على ظهر الأرض...
وهكذا كان إهلاك أبرهة وجيشه.
وقال سبحانه:
- {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} وكان كل أهل مكّة يرون سائق الفيل وسائسه، فقد أبقاهما الله سبحانه وتعالى آيةً على ما كان منهما من السلطان، وقد بقيا في مكّة ولم يبقَ غيرهما، وكانا أعميَين يتكففان ويسألان الناس، وكان الناس يشهدونهما، وكلما مرّ سائق الفيل وسائسه قالوا: هذا سائق الفيل وهذا سائسه، وهما في حالة من الهرم الشديد والذلّ.
إنها آية لم يكن المراد منها أهل مكّة وحسب، بل المراد منها إعلانٌ ربّانيٌّ إلى يوم القيامة:
فهذا هو الإسلام الذي وُلِد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمله.. هذا هو الإسلام الذي قدّم لكل الحياة حلولها، وقدّم على كل صعيد من أصعدة الحياة ما تحتاج إليه، فقدّم للمال حلولاً، وقدّم للأسرة حلولاً، وقدّم للأطفال تربية، وقدّم للشباب فتوّة، وقدّم للشيوخ حكمة، وقدّم للجماعات وَحدة، وألغى نعرات النفوس، ونهض بالأمم حتى بلغت عنان السماء في حضارتها ونهضتها...
هذا هو الإسلام الذي ربما تنسى أمته قيمته وفضله، وربما تتلفت يمينًا وشمالاً ثم لا تلبث بعد ذلك أن تعود وتقول: لا حلّ لنا إلا بالرجوع إلى الله والاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم.
اعذروني، فقد تحدّثنا كثيرًا في العروبة، وما نـزال نتحدّث ونُدرك قيمة العروبة، وندرك أن القرآن الكريم إنما هو كتاب اللغة العربية الأول، وأن النبي العربيّ العظيم هو محمد صلى الله عليه وسلم، لكن الواقع على الأرض يقول لنا: ما تزالون تحتاجون حينما تريدون زيارة بعض البلدان العربية إلى تأشيرات دخول.
ولكننا بدأنا نستشعر بأن جذورنا إسلامية، وها نحن اليوم نرى بأمّ أعيننا كيف أصبحنا ندخل إلى بعض الدول الإسلامية غير العربية من غير تأشيرات دخول، لماذا؟!
إنه الإدراك العفويّ بالجذور التي أخرجت شجرة حضارتنا..
إنه الشعور العفويّ الذي لا نستطيع أن نهرب منه، فجذورنا وإن كانت عربية لكنها إسلامية في العمق.
إن مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي كان عام الفيل، كان آيةً من الله سبحانه وتعالى للبشرية بأنه سبحانه سوف يُرسل إلى البشرية الأمان والرحمة، وسوف يرسل إلى الأرض النور، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33] ثم قال سبحانه:
- {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ}أي في إبطال وتضييع، واليوم يكيد العالَم كله من أجل أن يُبطِل الإسلام، ولكن: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8]
- {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ} العرب تقول: جاءت إبل مُؤبَّلة، وجاءت الإبل أبابيل، أي جماعات كثيرة، ولا يعنينا نوع الطيور التي جاءت، لأن القرآن لم يُعلّمنا أن نُفصّل في مثل هذا، إنما نلحظ الإشارة ونلحظ الملمح الذي يريد القرآن أن يأخذنا إليه.
- {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} وقالوا: السجّيل هو الطين المحمي.
لكن بعض علماء اللغة ربطوا السجّيل بالسجِلّ وقالوا: قد جاءت بما قد كُتب عليهم من السجل، أي كُتب عليهم أنهم إن عارضوا الإسلام فإن الله سبحانه وتعالى سوف يُهلكهم ويمحقهم.
- {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل: 1-5] والعصف: أوراق الشجر، أو قشور القمح عندما تأكلها الدّوابّ ثم تخرج من أسفلها، فهل بقي وصف أدنى من هذا الوصف؟!
هذا هو وصف الذين يريدون كيدًا بالإسلام.
هكذا قرآنُ ربّنا البليغ يعطينا هذه الصورة: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}
هكذا كانت نهايتهم: لا تستطيع إن نظرت إليهم أن تُفرّق بينهم وبين فضلات الحيوانات.
فإلى متى لا نُدرك عظمة القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أعني بإدراك عظمته أن نُكرّمه في المكتبة، إنما أن يكون في صدورنا حُبًّا وإمامة، وأن يكون في صدورنا مُعظَّمًا بمعانيه ومضموناته...
ومتى ندرك أن أعظم شخصية خلقها الله سبحانه وتعالى فكانت نموذج الإنسانية إنما هو محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يكون هذا الإدراك من خلال لوحات جدارية نكتب فيها الاسم الشريف "محمد" صلى الله عليه وسلم، إنما من خلال الحضور المعنويّ الذي نعيشه في بيوتنا، وفي أسواقنا...
بِع واشترِ وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يبيع ويشتري.
ادخل إلى بيتك وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يدخل إلى بيته.
كن مع زوجتك وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين.
ادخل إلى ساحة الدعوة إلى الله وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم يدخل إلى ساحات الدعوة.
ابْنِ الحضارة وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يبني الحضارة.
ادخل في صلاتك وقُل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته، وأنت ترى أمامك محمدًا صلى الله عليه وسلم قائمًا أو ساجدًا أو راكعًا أو مُتبتِّلاً أو باكيًا أو ضارعًا بين يدي الله...
وهكذا تكون مُعظِّمًا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
فبالقرآن، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، وبحضور حتمية ظهور هذا النور الربّانيّ، يمكن لنا أن نأخذ خُلاصةً من مناسبة اقتران مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم بعام الفيل.
عش ما شئت فإنك ميّت، وأحبِب من شئت فإنك مُفارِقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌّ به.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
كما يمكنكم الاستماع إلى المقالة كاملة على الرابط التالي: إن للبيت رباً يحيمة
المقالة منقولة للفائدة من موقع البدر الإسلامي وفيه يمكنك قراءة المقالة باللغة الإنكليزية لمن يرغب بذلك.