الإهداء

اللهم يا من إذا توعد بالشر.. عفا!

وإذا وعد بالخير.. وفى!

ما في هذا الكتاب من حق وصواب، فيمن به كتاب والدي، وثقل به موازينه، وارفع به درجته، وأقل به عثرته.

اللهم يا نور السماوات والأرض نور ضريحه، وأفسح له في قبره.

واكتبه في عليين.

يا أرحم الراحمين!!





الحمد لله الذي جعل مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذه حسرات فتيات..

هذه حسرات فتيات...

جراح تثعب حزنا وتنبض ألماً وتنزف دمعاً..

وآلام تحتاج إلى تأمل..

ومعاناة تستحق التمعن..

وداء لابد له من دواء..

هذه حسرات فتيات..

رسالة من بنت لأبيها، تطلب حقها في الحياة، وترغب فيما أباحه لها الله.

والأجدر بكل غيور أن يسمع لها، ويحس بها، ويقف معها، ويشعر بمعاناتها؛ لندفع عنها السفاح بالنكاح المباح، فإن النفس إن لم تشغل بالطاعة شغلت بالمعصية، وإن لم تعصم بالمباح نزعت للحرام وأوقعت في الآثام.. وكان على العرض السلام!!

تقول هذه البنت:

والدي الحبيب:

يا من أنت أغلى من نفسي التي بين جوانحي.. وأحب إلي من روحي التي تسري في جسدي وتمضي في جوارحي.. وأعز علي من قلبي الذي يخفق لك بين ضلوعي بحب بارح..

استمع- يا رعاك الله- إلى شكواي أبثها إليك، ومشكلتي أضعها بين يديك، لترمقها بمقلتيك..

شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ولكن تفيض النفس عند امتلائها

ومن غيرك يسمعني؟! ومن سواك يفهمني؟!

ولعل في إيماني.. ما يغنيك عن إفصاحي!!

وفي كلامي.. ما يدلك على عمق جراحي!!

وإن كانت مشكلتي أعظم من أن أبوح بها وأكبر من أن أتحدث عنها.. فالحروف عن وصفها عاجزة والمعاني عن توضيحها قاصرة.. والحياء منك والتقدير لك والتعظيم لحقك يمنعني من كثير من القول ويثنيني عن وفير من الكلام.

إني سأسكب في مسمعك حديثاً يقطر حياء ويذوب خجلا.. تمازجه زفراتي وتخالطه عبراتي وتسابقه آهاتي.. أبعثه إليك من قعر ليل مظلم، كظلمة حياتي التي أعيشها فيه..

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني والهم بالليل جامع

ألوك بذاكرتي أيامي الماضية، وأجتر صفحات حياتي السالفة، وأسمح لخيالي أن يبحر بي في عالم الأحلام والأماني، لأعيش حياة الخيال التي لم أعشها في أرض الواقع الذي ما له من دافع!!

وأتذكر تلك الأمنية الغالية التي ذبحت في مهدها ووئدت عند مولدها، والتي آملها وترجوها كل فتاة في مثل سني.

إنها أمنية الأماني!!

أمنية فارس الأحلام.. ويا لها من أمنية!!

فارس الأحلام الذي يجيئني متدثرا بلباس التقوى، متزيناً بوشاح الصلاح، مطيباً بسمعته الطيبة، محمولاً بذكره الحسن..

يأتيني لينقلني من صحراء الانتظار ومن قفار الاختيار، ليزرعني في حبة قلبه..

ويغمض علي بين جفونه ليحرسني بعيونه..

وليحميني بين أضلاعه من نوائب الدهر وأوجاعه.. وليغمرني بحنانه فيزرعني في حدائق عمره وجنانه. وليجمعني به في عش الزوجية، لأغدو فيه ملكة متوجة، لحياتها معنى ولعيشها هدف ولعمرها غاية!!

ولكن الأمل غدا ألماً، والشوق أصبح شقاء، والأحلام استحالت حرماناً، بعد أن عيل اصطباري لطول انتظاري لمن يشاطرني حياتي ويشاركني عمري ويقاسمني مستقبلي. ومضت أيام العمر وانطوت صفحات الحياة، وكنت أنت يا والدي- ويا للأسف- حجر عثرة عليه تبعثرت أحلامي وتصدعت آمالي، بطول صدك وجفاء ردك لمن جاء يطلب القرب ويرجو الوصال! بالمباح الحلال!!

وهذه الحسرات التي أسطرها إليك وأبعثها لك إنما هي نفثات مكلومات وزفرات مجروحات، انطلقت بصوتي لتعبر عن حال كثير من بنات جنسي..

فهي حسرات فتيات...

في بيوت آبائهن محصورات.. ومن الزواج محرومات.. ومن السعادة ممنوعات..

لا يملكن إلا الدعوات.. والعبرات.. والآهات!!

فأصغ لحروفها السمع، وأرهف لمشاعرها الحس، وافتح لمعانيها ومعاناتها القلب، وأوسع لجرأتها الصدر.. ولك من الله المثوبة والأجر..

ثم مني جزيل الامتنان والشكر!!


والدي الغالي:

لا أخالفك الرأي، ولا أعارضك الفكرة، ولا أبخل عليك بالمشورة..

فالمؤمن الحصيف لابد له أن يتخير لنطفه، وينتقي من يضع البذر في أرضه، فيحافظ على عرضه، فإن العرق دساس والناس معادن.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم".

ولكن- يا أبتي- ليس معنى هذا أن يكون الخاطب لزاما من قبيلتي أو قرابتي أو بلدتي..

فإذا طرق بابي من ليس من نسبي عاد حسيرا كسيرا، مغموما مقهورا.. عيبه الذي استحق به الصد والرد أنه ليس منا ولا يمت بصلة لفصيلتنا التي تؤوينا..

فكان للفخر والاستعلاء صولة، وللكبر والخيلاء جولة، وكانت العزة بالعرق والجنس سيدة الموقف!!!

والدي الغالي:

إن الله تعالى جعل الناس شعوبا وقبائل، وأجناسا وفصائل، بلغات مختلفة وألوان متفاوتة وأشكال متباينة، ليحدث بين التعارف ويقع التآلف..

وحرم التفاخر بالأحساب والطعن في الأنساب، فالكل لآدم، وآدم من تراب!!

لا فرق لأحد على أحد إلا بالتقوى، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]

ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه !!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة".

فليكن ميزانك التقوى، ومقياسك الصلاح، فإذا أتاك من ترضى دينه، وتقبل أمانته، وتأنس لخلقه، فلا ترده، حتى لا يأتي يوم نبحث عنه فلا نجده !!

ما للـفتـى حسب إلا إذا كـملت أخلاقه وحوى الآداب والحسبا

فاطلب- فديتك- علما واكتسب أدبا تظفر يداك به واستعجل الطلبا



دعاة الشر

والدي الغالي:

إن لي أعوانا على الشر، وأنصارا على السوء، ودعاة للفساد، تتقاذفني أيديهم بالمكر، وتعبث في قلبي أصابعهم بالشر..

لكن إيماني يعصمني..

وحيائي يمنعني..

وخوفي من الله يردعني..

وفزعي أن يساء أهلي بي يحجزني..

وكل ما أخشاه أن يضعف إيماني.. فأزل!!

ويقل يقيني.. فأضل!!

فأسقط في معصية الله.. وما لا تحمد عقباه.. وما لا يسرنا رؤياه..

الثوب تبلى ثم يشرى غيره والعرض بعد هلاكه لا يشترى

وأنا من جملة البشر.. ومن عداد الخلق..

لي حس وشعور..

وغريزة في أوردتي تتجلجل وتفور..

وأعاني من قلب بالوساوس يخفق..

وخواطر بالشر تخنق..

وإيحاءات على الفكر تطبق..

وأعدائي حولي.. يتربصون بي، ويمكرون لي، ويحيكون دوائر المكر ضدي..

ومنهم: صديقة السوء!!!



صديقة السوء

صديقة السوء وزميلة الخطيئة ورفيقة المعصية، التي تغريني بالحرام، وتزين في عيني الفاحشة والآثام، وتحثني على المعاصي والإجرام..

فتارة تهديني- بدعوى الحب وصفاء القلب- شريطا غنائيا أو فيلما فنيا، تنطق كلماته بالشهوة ونغماته بالنشوة وعباراته بالنزوة.

وتارة تمنحني- بزعم البراءة ودعوى الطهارة- صورة شاب وسيم، ترتسم على قسماته علامات الرجولة، ناسجة حوله حكايات البطولة وقصص الشجاعة المهولة!!

وتارة تدس- في خبث واضح ودهاء فاضح- في حقيبتي رقم هاتف لشاب ساقط من خفافيش الظلام ولصوص الحرام، ليغريني بكلامه، فأقع في حبه وهيامه، فيعدني بالزواج- كما يزعم- ليسرق مني أغلى ما عندي، ثم يتولى عني ليقص لأمثاله- مفتخرا- حكاية إجرامه!!

وتارة ترغبني في التطواف والتجوال في الأسواق والحدائق والمنتديات، لنقلب الأبصار ونتبادل الأنظار.. مع جمع من الأنذال وأشباه الرجال.. ولا رجال!! من اللاعبين بالكرامة والعابثين بالأعراض واللاهين بالشرف!

وكم من صديق وده بلسانه خؤون بظهر الغيب لا يتندم

يضاحكني كرها لكي ما أوده وتتبعني منه إذا غبت أسهم



ضحية الهدم

اسمح لي- يا والدي- أن أهمس في أذنيك عما جنته يداك مما جلبته لي من أسباب العطب والهلاك...

أنا ضحية أسلمتها لمن يفتك بها..

وأهملتها حتى عدا العدو عليها..

ومد يده بالإساءة إليها!!

فما جلبته لبيتك.. من أسباب الإثارة وموجبات الإفساد.. من منظور (!) ومقروء (!) ومسموع (!) لابد أن تحدث أثرا وتوقع ضررا وتجلب خطرا..

ومنها ذلك الجهاز الآثم الذي غرسته على ظهر بيتك ليلقف غضب الجبار ويلتقط سخط القهار، ويمطر منزلك بوابل من مساوي الأخلاق ومسموم الأفكار، ويجلب عليك بخيله ورجله مزالق الملل والنحل، ومثيرات الشبهات والشهوات!!

فما أراه فيه وأسمعه به وأحسه منه، من مزالق أخلاقية، وإثارات شهوانية، وحركات حيوانية بهيمية، وعبارات ساقطة، وألفاظ مشينة، تستحثني للخطيئة وتؤزني للمعصية وتقودني للسيئة.

وأشد ما أخشاه أن تنزلق قدمي في أوحال الذنوب، وأن أتردى في هوة الخطايا، وأسقط في قيعان الرزايا. وعندها- يا والدي- سأشاركك إثمي وأقاسمك في جرمي..

وأتجرع وإياك قسوة الألم ومرارة الندم!!

فأنا وإياك شريكان في هذا الوجع!!



الخاتمة

والدي الغالي:

هبني لمن هو مأمون الخيانة مأمول الأمانة، ممن يخافون الله ويخشون لقاءه، ولن يضيعني بإذن الله!!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".



وكتبه عنهن بلسانهن

عبد اللطيف الغامدي

أجاره الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن

جدة (21468) ص. ب (34416)