هذه مقالة قرأتها وأعجبت بها وأحببت أن أنقلها لكم ليعم الخير والفائدة
مختصر المقالة:
الزهد في الدنيا قلبيّ، أما حفظ المال واستثماره في الخيرات فإنه واجب شرعيّ، وينبغي علينا أن لا نخلط بين المفهومين، فللمال حينما يوظّف توظيفًا صحيحًا قيمةٌ نافعة ومنتجة في بناء هذه الأمة.
لكن ونحن نعيش في هذا الوقت حالةً من الفوضوية المالية، أحببت أن أعرض بعض الأدوية التي نحتاج إليها لكي تعود استقاماتنا المالية إلى معاملاتنا...
وقمت أيضاً بنقل المقالة كاملة

أسباب الاستقامة المالية
خطبةالجمعةللدكتورمحمودأبوالهدىالحسينيفيالجامع الأموي الكبيربحلببتاريخ29/1/2010م
الزهد في الدنيا زهدٌ قلبيّ، أما حفظ المال واستثماره في الخيرات فإنه واجب شرعيّ، وينبغي علينا أن لا نخلط بين المفهومين، فليس معيار الصلاح أن يكون القلب زاهدًا في الدنيا وحسب، إنما يضاف إلى هذا الميزان أن تكون اليد في الأموال صالحة، وأن تكون بعيدة عن الفساد والإفساد، فللمال حينما يوظّف توظيفًا صحيحًا قيمةٌ نافعة ومنتجة ومفيدة في بناء هذه الأمة.
ثم إننا حينما نقرأ قوله تبارك وتعالى:
{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [البقرة: 261].
ينبغي أن لا نفهم هذا الإنفاق إنفاقًا يوجَّه للاستهلاك وحسب، إنما هو (كما يعرف المختصون بالاقتصاد) إنفاقٌ في الاستهلاك وإنفاقٌ في الاستثمار الخيريّ الذي يحبُّه الله تبارك وتعالى ويرضاه.
لكن ونحن نعيش في هذا الوقت حالةً من الاضطراب والفوضوية المالية، مع وجود حالات من الخلل الماليّ الذي لا تعرفه هويتنا في تاريخها الحضاري - فنحن أمة أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ونحن أمة ديدنها العمل الصالح وفعل شيء يرضي الله تبارك وتعالى ويبني الحضارة في الأرض - أحببت في هذه العجالة أن أعرض بعض الأدوية التي نحتاج إليها، من أجل أن تعود إلى معاملاتنا وهويتنا الحضارية استقاماتنا المالية، وتكون نظافة أيدينا فيها.
الدواء الأول الذي يخرجنا من الفساد الماليّ الذي بدأ يتخلل مجتمعاتنا الإسلامية:
1- البيئة المنـزلية النظيفة، والتربية الأُسَرية الصحيحة:
أما رأينا ذلك الرسول الأب سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يخط المنهج لكل أب يأتي من بعده، حينما وقف أمام الناس فقال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).
هكذا يتوجه خطاب الأب ليُسمع ابنته ويُسمع كلَّ أسرة تريد أن تُنبت أولادَها وثمارها التربوية على ما يرضي الله تبارك وتعالى من النظافة المالية.
تلك هي التربية الأسرية التي ينشر فيها الأب والأم قيمة الاستقامة المالية في الأولاد.
وينبغي أن يكون الأبُ والأم في الأسرة قدوة وأسوة، فلا يمكن للأولاد أن يخرجوا من مدرسة الأسرة في حالة مُرضية وهم يرون الفساد الماليّ في الأب والأم، فلا تكفي تربية قولية إنما لا بد من تربية بالقدوة والأسوة.
2- أن نشعر أن المال الذي خلقه الله سبحانه وتعالى قد جعل ملكيته ملكية عامة:
أشعرنا الله سبحانه وتعالى بالملكية العامة للمال الخاصّ، فمالك الذي تملكه أيها المؤمن المسلم إنما هو مال الأمة من حيثية أخرى.
وقد نبّه المولى إلى هذه الحقيقة بقوله:
{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ}وانظروا إلى الخطاب الذي ينسب المال إلى الجماعة.
{الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] فكان التوجيه في الآية إلى نسبة المال الذي يملكه الإنسان ملكية خاصة إلى الجماعة حينما خاطبها بخطاب جماعيّ.
فحينما ندرك أننا وإن ملّكنا الله سبحانه وتعالى هذا المال لكنه من حيثية أخرى منسوب إلى الأمة، إذًا: فكل إفساد فرديّ في مال خاصّ يعني إفسادًا جماعيًّا.
هذا فيما يتعلق بالمال الخاصّ فكيف فيما يتعلق بالمال العام؟!
3- أن ندرك نسبة المال إلى الله:
فقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى هذه النسبة بقوله: {وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} [النور: 33]
وهكذا حينما يستشعر المؤمن نسبة المال إلى الله فإنه يرتدع ويتعامل مع المال مع رؤية نسبته إلى ربّ العالمين، وما بالك بنسبته إلى من بيده النواصي، وإلى من بيده مقاليدُ الأرض والسماء، وتحريكُ الأمور وتحويل الأحوال...
فحينما يُدرك قلب المؤمن هذه النسبة، نسبة المال إلى الله تبارك وتعالى، فإنه يعظّم هذه النسبة، ويرتدع عند أمر الله تبارك وتعالى فيها.
4- وجود تعظيم الله تبارك وتعالى في القلب الذي يَنتج عنه تعظيم تلك النسبة التي ذكرناها آنفاُ، والتي جعلنا الله تبارك وتعالى فيها مستخلفين:
واقرؤوا قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد: 7] فنحن خلفاء الله في المال، وحينما يوجد تعظيم الله في قلوبنا فإننا نرعى ما استخلَفَنا فيه.
5- تذكّر الآخرة:
والأمة التي لا تتذكر الآخرة تتحول إلى أمة مادية، والأمة المادية مصيرها الهلاك، ومصيرها الانحسار الباطن الحضاري.
واقرؤوا قوله تعالى وهو يتحدث عن خصوصيةٍ من خصوصيات رسل الله عليهم الصلاة والسلام فيقول:
{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} [ص: 46] أي يمن الله سبحانه وتعالى على رسله وأنبيائه بأنهم كانوا أصحاب تذكّر للآخرة، والدار هنا بمعنى الآخرة.
{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} فقد خصّهم ربّنا سبحانه بإكرام ونعمة.
{ذِكْرَى الدَّارِ}فهم لا يفتؤون يتذكرون الآخرة.
وعندما بعث الله حبيبه ومصطفاه سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال له:
{وَلَلآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} [الضحى: 4].
حضور الآخرة الذي يكون معه تذكّر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(مَنْ ظَلَمَ شِبْرًا مِنْ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ).
والذي يحضر معه قوله تبارك وتعالى وهو يتحدث عن الذين أسرفوا في المال:
وْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنـزتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنـِزُونَ} [التوبة: 35].
وهل تعرفون أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما طعنه ذلك المجوسي نادى ابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وأخبره أن عليه ديونًا متراكمة بلغت ثمانين ألف دينارًا من الذهب؟
حاكم الأمة الإسلامية الذي مُلكُ كسرى ومُلكُ قيصر تحت يده، والذي يتحرك الشرق والغرب بأمره وإشارته - مصر تنتظر إشارة منه، وكذلك العراق وبلاد فارس والشام... - يُطعن فيقول لابنه: وفِّ الدين عن أبيك.
أبوك عليه دين ثمانون ألف دينارًا من الذهب.
يقول له: اذهب إلى آل الخطاب واجمع المال منهم، فإذا لم يكف ذلك فاذهب إلى بني عدي (الذين هم قبيلته وقومه)، فإن لم يكف ذلك فاذهب إلى قريش ولا تتعدَّ حدود قريش، فإنه يطلب من الناس الذين لهم قرابة به أن يؤدوا عنه الدين.
كان يضع الخطة لوفاء الدين وهو حاكم الأمة.
هكذا أنتجت مدرسة الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب اليد النظيفة التي تراقب الله، والتي تستشعر المسؤولية في المال.
إننا نريد نظافة مالية في أسواقنا، وفي معاملاتنا، وفي العلاقات بيننا...
وإن الرجل ليرفع يديه بالدعاء يقول: يارب يارب، ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له.
لماذا تتوجه أكفّنا بالدعاء ولا نرى سرعة الإجابة؟
وحينما كان أبو بكر رضي الله تعالى عنه خليفةً للمسلمين جاءه غلامه (وهو جائع) بطعام، ومن شدة جوعه امتدت يده إلى هذا الطعام ليأكله.
ولما ابتلع لقمة منه قال له غلامه: ما عهدتُك يا خليفة المسلمين، ويا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأنت تسألني عن مصدر هذا الطعام، فقال له: شغلني الجوع، فمن أين لك هذا الطعام؟
قال: مررت بقوم فرقيت لهم من كهانات الجاهلية، فقال: لقد أهلكتني، فبدأ يضع يده في فمه حتى يخرج تلك اللقمة التي ابتلعها.
قالوا: لا تخرج اللقمة إلا إذا شربت الماء الكثير.
فدعا بطست من الماء وبدأ يشربه ويتقيأ حتى أخرجها.
فقال له غلامه: كلُّ هذا من أجل لقمة يا خليفة رسول الله؟
قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ).
هذه هي نواتج مدرسة التربية المحمدية، فعودةً إلى هذا المنهج، وعودةً إلى هذه الاستقامة، حتى إذا ما رفعنا أكفّنا بالدعاء إلى الله يجيبنا.
رُدّنا اللهم إلى دينك ردًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
يمكنك الاستماع للمقالة من الرابط المباشر الآتي:أسباب الاستقامة المالية
المقالة منقولة للفائدة من موقع البدر الإسلامي وفيه يمكنك قراءة المقالة باللغة الإنكليزية لمن يرغب بذلك