حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا فَتَأَذَّوْا بِهِ فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا مَا لَكَ قَالَ تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ ).حديث صحيح
أخواتي لنتعرف على الحسبة
معنى الحسبة:
الحسبة لغة : اسم من الاحتساب ، ومن معاني الاحتساب: الأجر وحسن التدبير والنظر ، ومنه قولهم : فلان حسن الحسبة في الأمر إذا كان حسن التدبير.
ومن معاني الاحتساب : المبادرة إلى طلب الأجر وتحصيله ،
وفي حديث عمر : أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته .
واسم الفاعل : المحتسِب . أي طالب الأجر.
ومن معانيها الإنكار يقال : احتسب عليه الأمر إذا أنكره عليه ، والاختبار يقال : احتسبت فلانا أي اختبرت ما عنده
والحسبة اصطلاحا : عرفها جمهور الفقهاء بأنها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه ، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله.
مشروعية الحسبة :
شرعت الحسبة طريقاً للإرشاد والهداية والتوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضرر . وقد حبب الله إلى عباده الخير وأمرهم بأن يدعوا إليه ، وكره إليهم المنكر والفسوق والعصيان ونهاهم عنه ، كما أمرهم بمنع غيرهم من اقترافه ، وأمرهم بالتعاون على البر فقال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وقال جل شأنه : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
ووصف المؤمنين والمؤمنات بها ، وقرنها بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ، مع تقديمها في الذكر في قوله تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }.
ووصف المنافقين بكونهم عاملين على خلاف ذلك في قوله تعالى :{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}. وذم من تركها وجعل تركها سببا للعنة في قوله تعالى: { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
وجعل تركها من خطوات الشيطان وشيعته في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
وفضل من يقوم بها من الأمم على غيرهم في قوله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} . وامتدح من يقوم بها من الأمم على غيرهم في قوله تعالى : { من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}
وجعل القيام بها سببا للنجاة في قوله تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}.
وإلى ذلك كله جاء في القرآن أنها شِرعةٌ فرضت على غيرنا من الأمم وذلك في قوله تعالى : { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } وقوله تعالى : { إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم } ذلك بعض ما يدل على مشروعيتها من الكتاب الحكيم .
ولقد سلكت السنة في دلالتها على ذلك مسلك الكتاب من الأمر بها ، والتشديد على التهاون فيها ، روى مسلم من حديث طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان }
وجاء في التحذير من تركها ما رواه ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطُرُنَّه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا }
وفي رواية أحمد : {والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم}.
الحكم التكليفي :
الحسبة واجبة في الجملة من حيث هي لا بالنظر إلى متعلقها إذ إنها قد تتعلق بواجب يؤمر به ، أو مندوب يطلب عمله ، أو حرام ينهى عنه ، فإذا تعلقت بواجب أو حرام فوجوبها حينئذ على القادر عليها ظاهر ، وإذا تعلقت بمندوب أو بمكروه فلا تكون حينئذ واجبة ، بل تكون أمرا مستحبا مندوبا إليه تبعا لمتعلقها ، إذ الغرض منها الطاعة والامتثال ، والامتثال في ذلك ليس واجبا بل أمرا مستحبا ، فتكون الوسيلة إليه كذلك أمرا مستحبا . وقد يترتب عليها من المفسدة ما يجعل الإقدام عليها داخلا في المحظور المنهي عنه فتكون حراما .
حكمة مشروعية الحسبة :
أن الناس لا يزالون - في مختلف العصور - في حاجة إلى من يعلمهم إذا جهلوا ، ويذكرهم إذا نسوا ، ويجادلهم إذا ضلوا ، ويكف بأسهم إذا أضلوا ، وإذا سهل تعليم الجاهل ، وتذكير الناسي ، فإن جدال الضال وكف بأس المضل لا يستطيعهما إلا ذو بصيرة وحكمة وبيان . لذلك شرعت الحسبة.
أركان الحسبة :
ذكر الإمام الغزالي أنها أربعة : المحتسب ، والمحتسب عليه ، والمحتسب فيه ، ونفس الاحتساب . ولكل ركن من هذه الأركان حدود وأحكام وشروط تخصه .
شروط الحسبة:
يشترط فيمن يقوم بالحسبة : التكليف ، والعلم بما يحتسب فيه ، والعدالة ، وتعني عدم فسقه ، والفدرة عليها ، والإذن من الحاكم المسلم ، والذكورة.
هذا ، وقد عني الأئمة بولاية الحسبة عناية كبيرة ، ووضعوا فيها المؤلفات مفصلين أحكامها ومراتبها ، وأركانها ، وشرائطها ، وتأصيل مسائلها ، ووضع القواعد في مهماتها .
( انتهى ـ مختصرا من الموسوعة الفقهية الكويتية)
والله أعلم.
منقول عن موقع إسلام أون لاين .نت
الروابط المفضلة