وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للأنام ،
صلّ الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام .
أما بعد......
أخي المسلم .... أختي المسمة...
منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام هاجر نبينا صلّ الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.
هاجر بعدما تعرض بأبي وأمي وروحي إلى أشد أنواع الإبتلائات والإضطهادات.
فمن أول يوم قال له ربه
{ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(١) قُمْ فَأَنذِرْ(٢) } المدثر
قام بأبي وأمي ورواح يدعو الناس في كل مكان
قام ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه جل وعلا.
فمن اللحظة التي صعد فيها النبي صلّ الله عليه وسلم إلى جبل الصفا لينذر قومه بعدما قال له ربه
{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } الشعراء٢١)
وقريش بل ومكة كلها أبرقت وأرعدت ودقت طبول الحرب وأوعدت وصبت جام غضبها على إبنها البار الذي كان يلقبونه من قبل بالصادق الأمين.
ثلاثة عشر عاما قضاها النبي صلّ الله عليه وسلم في مكة يتعرض هو وصحابته لأشد أنواع الإيذاء النفسي والجسدي ومساومات وحصار في شعب بني طالب
حتى أذن له ربه جلّ وعلا بعد ذلك بالهجرة إلى المدينة.
لقد أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض ومنعتهم قريش من إقامة دين الله.
أخي المسلم .....أختي المسلمة..
كلنا يعلم جيدا أحداث هجرة النبي صلّ الله عليه وسلم
ولكن تعالو معا لنقف على الدروس والعبر من هجرة نبينا
١- الصبر واليقين طريق النصر والتمكين :
فبعد سنوات من الإضطهاد والإبتلاء قضاها النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه بمكة
هيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة وقذف الإيمان في قلوب الأنصار ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين
{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ } .غافر ٥١)
إن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى
لكن من صبر ظفر .. ومن ثبت انتصر ..
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف٢١)
٢- درس في التوكل على الله والإعتصام بحبل الله :
لقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس .
فالسيوف تحاصره عليه الصلاة والسلام في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب ..
والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار ..
وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته .
ومكر المجرمين ... والله خير الماكرين
واخترقتَ الصفوف ... وهم محاصرون
فأغشاهم ُنعاسا .... وهم مبصرون
والرسول صلى الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة
متوكل على ربه واثق من نصره .
فمهما إشتدت الكروب ومهما أدلهمت الخطوب يبقى المؤمن متوكلاً على ربه واثقاً بنصره لأوليائه .
فالزم يديك بحبل الله معتصماً ...... فإنه الركن إن خانتك أركان
٣ـ درس في الحب :٤- درس في التضحية والفداء :
وقد قال الحبيب صلّ الله عليه وسلم :
" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .
إن هذا الحب هو
الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلّ الله عليه وسلم
إن هذا الحب هو
الذي جعل أبا بكر يقاوم السم وهو يسري في جسده يوم أن لدغ في الغار لأن الحبيب ينام على رجله .
إن هذا الحب هو
الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليُؤثر به الحبيب صلّ الله عليه وسلم على أهله ونفسه .
إن هذا الحب هو
الذي أخرج الأنصار من المدينة كل يوم في أيام حارة ينتظرون قدومه صلّ الله عليه وسلم على أحر من الجمر .
فأين هذا ممن يخالف أمر الحبيب صلّ الله عليه وسلم ويهجر سنته ثم يزعم أنه يحبه !!!
يا مدعي حب أحمد لا تخالفه .... فالحب ممنوع في دنيا المحبينا
لقد سطر النبي صلّ الله عليه وسلم وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين ..
لقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال فلم يكن للدنيا بأسرها أدنى قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر ورسوله صلّ الله عليه وسلم .
فيوم أن بات علي رضي الله عنه
في فراشه صلّ الله عليه وسلم وغطى رأسه كان يعلم أن سيوف الحاقدين تتبادر إلى ضرب صاحب الفراش
ويوم أن قام آل أبي بكر
عبد الله وأسماء وعائشة ومولاه عامر بهذه الأدوار البطولية كانوا يعلمون أن مجرد إكتشافهم قد يودي بحياتهم
هكذا كان شباب الصحابة فأين شبابنا .. !
أين شبابنا الذين يضعون رؤوسهم على فرشهم ولا يضحون بدقائق يصلون فيها الفجر مع الجماعة ؟؟؟؟
نعم .. لقد نام شبابنا عن الصلاة يوم أن نام علي مضحياً بروحه في سبيل الله ، فشتان بين النومتين .
أين شبابنا الذين كلّت أناملهم من تقليب أجهزة القنوات ومواقع الشبكات ؟؟؟؟؟؟؟
أين هذه الأنامل من أنامل أسماء وهي تشق نطاقها لتربط به سفرة النبي عليه الصلاة والسلام ؟؟؟؟
٥- درس في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب :
لقد كان صلّ الله عليه وسلم متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه
ومع هذا كله لم يكن صلّ الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها .
بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان .
فالقائد : محمد صلّ الله عليه وسلم
والمساعد : أبو بكر
والفدائي : علي
والتموين : أسماء
والإستخبارات : عبدالله
والتغطية وتعمية العدو : عامر
ودليل الرحلة : عبدالله بن أريقط
والمكان المؤقت : غار ثور
وموعد الانطلاق : بعد ثلاثة أيام
وخط السير : الطريق الساحلي .
وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلّ الله عليه وسلم ، وفيها دعوة للأمة أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل وإتخاذ أفضل الأسباب مع الإعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وآخراً .
هذا مقطع فيديو يشرح طريق هجرة الرسول صلّ الله عليه وسلم
الروابط المفضلة