بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين

إخوتي في الله الكرام أعضاء منتديات شفاء حياكم الله

انقل لكم من محاضرات الشيخ : ( سعد البريك )

ومن إختياري هذا وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان تعم بالفائدة لنا جميعاً
وأسال الله العظيم رب العرش العظيم ان يصلاح أعمالنا وافعالنا لما في الخير بإذن الله

اما بعد
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ( وحده لاشريك له ) . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } . { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقواالله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم ، أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }



إن الله جل وعلا قد قسّم بين العباد أرزاقهم ومراتبهم وأحسابهم وأنسابهم، وجعل أكرمهم عنده أتقاهم. أيها الأحبة في الله! إن علاقة المسلم بإخوانه علاقة محبة، وعلاقة تفيض بمشاعر إيمانية أخوية ليست تقف عند حدود نفسه أو ذريته أو أقاربه، بل تمتد لتغمر من حوله، وتفيض على الآخرين سلامةً وحباً وأمناً، وتلك هي صفات الأمة المسلمة الذين: يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [الحشر:10] ولك أن تتخيل نفساً أو نفوساً عمرها الحقد بل خربها، وأفسدها الحسد ماذا تتصور أن يخرج منها؟ ماذا تتصور أن ينتج من قلوب فرخ فيها الغل والإحن والبغضاء والعداوة؟ هل ستجد أصحاب هذه النفوس يدعون لإخوانهم بظهر الغيب؟ أم تراهم يحسنون الظن بهم؟ أم تراهم يؤولون أفعالهم على خير وجه يُرضي الله؟ أم تراهم يكفون عن الغيبة عند عرض أعراضهم على الألسنة في المجالس؟ بل ستجد ما يدعو إلى ما هو أعظم من ذلك وأخطر: وهو والعياذ بالله الخصومة والعداوة التي إذا نمت وغارت وتجذرت جذورها وتفرعت أشواكها جعلت الإيمان يتناقص شيئاً فشيئاً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). أيها الأحبة! بل إن هذا الحسد وذلك الغل وتلك البغضاء وتلك الإحن والعداوة، ربما امتدت بأصحابها إلى أن جعلتهم والعياذ بالله يقعون في صغائر، ثم يصرون عليها فتكون من الكبائر، ثم يقعون فيما يُسقط مروءتهم، ثم يلغون فيما يوجب اللعنة، وعلى أية حال فكل عين ساخطة تنظر من زاوية واحدة داكنة، تعمى عن الفضائل، وتضخم الرذائل، وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب، وقبول الأقاصيص والروايات التي لا زمام لها ولا خطام، ولا سند صحيح يدعمها من رواية الثقات أو العقلاء. بل إن من عواقب ذلك الحقد ونتائج تلك البغضاء الوخيمة أن صاحبها ربما اشتهى وتلذذ وتمنى إيقاد نيران العداوة بين المؤمنين، وذلكم ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، لكن بالتحريش بينهم). أيها الأحبة! إن كثيراً من المسلمين لن يعبد صنماً ولن يطوف بقبر ولن يذبح لغير الله، فذلك مما يئس منه الشيطان بهؤلاء المسلمين في جزيرة العرب خاصة، ولكن الشيطان رضي وقنع منهم بما يحرشه لإفساد ذات بينهم، ولما يخرب به قلوب بعضهم على بعض حتى تبدأ النفوس تتطاول في أعراض بعضها، فتزاح وتمحو وتتسلط على حسناتها، فقد يكسب المرء حسنات ثم يخسرها بآلاف السيئات التي ارتكبها، فما ظنكم برجل يُتاجر في الصباح فيربح ألفاً، ويُقامر في المساء فيخسر خمسة آلاف؟! فإن ذلك لا يعد من الرابحين ولا من التجار، بل يعد من الخاسرين الذين تسلطوا على تجارتهم فأهدوها لغيرهم.
إن النفوس إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب

احرص على حفظ القلـوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب



الحسد وسوء الطوية من صفات الكفار والمنافقين


إن الحسد وسوء الطوية على المسلم لمن صفات الكُفار والعياذ بالله، ومن صفات المنافقين أعاذنا الله وإياكم، وذلك أمر قد يجهله كثير من المسلمين، بل قد يجهله بعض الطيبين، تجد رجلاً صواماً أو قواماً أو صالحاً لكنه إذا بدأ الكلام بلسانه في عرض فلان أو علان أو في هيئة أو في شخص أو في كبير أو صغير أو في عالم أو داعية أو في قريب أو بعيد نسي لسانه حتى يلغ في أمور لا قبل لهم بها، ربما تجد هذا الرجل فيه من الصلاح خير كثير، ويتورع عن أمورٍ ربما هي من المشتبهات أو يتركها زهداً وورعاً وربما نسي أنه وقع فيما أجمع علماء الإسلام بل ودلت النصوص على تحريمه وتضافرت الأدلة على المنع منه شرعاً؛ لأنه يغضب الله جل وعلا وهو الغيبة والاستطالة في أعراض المسلمين. أقول: إن الحسد والحقد من أخطر الأمور، وإن الغِل والضغينة من صفات الكفار والمنافقين،

فقد قال الله جل وعلا: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه [النساء:54] وقال سبحانه: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البقرة:109] أي: الكفار لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]
نعم أيها الأحبة، إن الحقد والحسد والبغضاء والضغينة لمن صفات المنافقين، ومن صفات اليهود والنصارى أهل الكتاب، ومن صفات الكفار الذين لا يألون المسلمين خبالاً ويودون عنتهم، وصدق الله حيث قال: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:119-120]. نعم.. من الذي يرضى أيها الأحبة! أيها الإخوة المؤمنون! أيها الإخوة المسلمون! من الذي يرضى أن يحمل في جنبات نفسه وفي طيات فؤاده وفي شغاف قلبه، من الذي يرضى أن يحمل خصلة هي من خصال الكفار ومن خصال المنافقين فيستطيل بلسانه ويتسلط ببغضه وينتشر بكراهيته وحقده وحسده على بعض إخوانه؟ وإن من أكثر الذين تراهم -والعياذ بالله- وقوعاً في الحقد والحسد والإحن والبغضاء تجد بعضهم لأن قريبه فاقه في المال أو لأن تربه -أي: واحد من أترابه- فاقه في العلم أو فاقه في منزلة معينة أو في مرتبة معينة أو في مكانة معينة، وما يدريك يا أيها الأخ الكريم أنه ربما فاقك ابتلاءً وربما فاقك استدراجاً، وربما فاقك لأمرٍ يعلمه الله، والله لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23
].

توجيه الصحوة إلى سلامة الصدر


فأول ذلك وأهمه: سلامة الصدر من الحقد والإحن والغل والحسد، وذلك أمر عجيب وغريب! ربما وجدت اثنين من الصالحين أو من عامة المسلمين الذين ليس عليهم من سيما الفجور والفساد والمعاصي الشيء الكثير، ولكن ربما سمعت من لسان أحدهم استطالة في عرض أخيه، وغيبة وحسداً وحقداً وسوء ظن وتفسيراً للأمور على غير ظاهرها، وتجييراً للأحوال على ما لا يُراد منها، وبالجملة فإن ذلك من الأمراض الموجودة سواءً في بعضنا أو في غيرنا، المهم أن ذلك مرض ينبغي أن نعالجه وأن ننتبه منه. وإن من صوره: الانقباض وعدم الانبساط، وعدم إفشاء السلام، وعدم لين الجانب، وعدم خفض الجناح، وعدم التواضع، وعدم حسن الظن... وأمور كثيرة كلها بسبب عدم سلامة الصدر من الغل والحسد والحقد والبغضاء. أيها الأخ الكريم! معاذ الله أن يكون في قلبي وقلبك شيء من الحسد على إخواننا، فالحاسد ليست له قضية، إن كنت في مصيبة رأيته شامتاً، وإن كنت في نعمة رأيته حاسداً، وإن كانت فيك خصلة من خير جحدها وأنكرها وأولها وجيرها، وقال: أراد كذا وقصد كذا وطلب كذا ومراده كذا، وتسلق وتسلط على فؤادك يريد أن يحكم على نياتك وخفياتك التي لا يعلمها إلا الله عز وجل. والحاسد إن كانت فيك خصلة شر هتك أستارها ونشرها وتحدث بها ونبأ بها الغادين والرائحين، ولن تجد هذا الذي يحمل الغل أو الحسد لن تجده يوماً من الأيام ناصحاً. وإن صفات المؤمنين سلامة صدورهم على إخوانهم، بل وعلى الذين يأتون من بعدهم، قال الله جل وعلا: وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:9-10] أي: لا تجعل في قلوبنا غلاً وحقداً وحسداً، وإن سلامة الصدور لمن صفات أهل الجنة وما نريد بسعينا في صلاة وصيام وذهاب وإياب وحل وترحال وسفر وضعن وإقامة، إلا وجه الله ورضا الله ثم هذه الجنة التي هي دار النعيم ودار الخلود. ....


سلامة صدور أهل الجنة



أوليس الله جل وعلا قد قال في محكم كتابه في وصف عباده المؤمنين أهل الجنة: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: نزعنا من صدورهم كل حسد وبُغض، كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل وأهدى منه بمسكنه من أحدكم في الدنيا). هذه صفات أهل الجنة أن لا غل ولا حقد ولا حسد ولا ضغينة ولا كراهة ولا سوء ظن ولا إحن ولا تباغض في قلوبهم، بل قال جل وعلا: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]. دخل عمران بن طلحة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما فرغ علي بن أبي طالب من أصحاب الجمل بعد فتنة فيها ما تعلمونه، وما يسعنا أمامه إلا أن نكف ألسنتنا، وأن نترضى عن جميع الصحابة رضوان الله عليهم، وألا نلغِ بالقول والكلام في عرض أحدٍ من الصحابة الذين اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه وفضلهم بالصحبة، وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). بعد معركة الجمل دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه، فرحب به علي وقال: [ إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] ] انظروا ما أجمل سلامة الصدر بين الصحابة حتى وإن كان ما كان فيما مضى فكلٌ يعرف صدر صاحبه، وكلٌ يعرف سلامة قلب صاحبه. ودُخل ذات يوم على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل كأنه الذهب فقال له: يا أبا دجانة، ما بال وجهك يتهلل؟ قال: [والله ما عملت عملاً أوثق عندي من خصلتين اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الخصلة الأخرى: فقد كان قلبي على المسلمين سليماً]. إن من سمات المسلمين صفاء النفس من الغش والحسد والغدر والضغينة، ثم لماذا الحسد؟ ولماذا الضغينة؟ إن القلوب زجاجات بلورية شفافة لامعة جميلة طاهرة طيبة، فلماذا نقذرها؟ أو نجعلها وسخة بهذه الأضغان والأحقاد وبسوء الظن مما يدفعنا إلى القيل والقال، ومن ثم تتشوه تلك القلوب الصافية وتعود شائبة بعد صفائها، كدرة بعد نقائها، خبيثة بعد طهارتها، سيئة بعد حسنها، فاسدة بعد صلاحها..؟

أثر الشحناء في إزالة الحسنات

وإذا تأملت مزيداً من النصوص وجدتها تصب صباً مباشراً في هذه القضية لتحذرنا من القطيعة، لتحذرنا من العداوة، لتحذرنا من البغضاء، لتحذرنا من التساهل في أعراض بعضنا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه الإمام مسلم.
أيها الأحبة! لنكن صرحاء: إن بعضنا ربما وجد في قلبه ليس على فاجر من الفجار، بل على أخٍ من إخوانه الطيبين، والواجب أن نحمل المودة والمحبة لإخواننا الطيبين، وأما إخواننا العصاة، وإخواننا الذين أمعنوا وأسرفوا في الذنوب، فلهم منا جانب ننكره وهو إنكار معاصيهم، وما اجترحته جوارحهم، وما اقترفته أيديهم، ولهم منا جانب المحبة والمودة والشفقة، وجانب الرحمة الذي يدعونا إلى الدنو منهم، ومخاطبتهم باللين، ودعوتهم بالحكمة، ومجادلتهم بالحسنى عسى الله أن يردهم إليه رداً جميلاً، عسى الذي هدانا أن يهديهم، عسى الذي ردنا أن يردهم، عسى الذي منَّ على كثير من إخواننا أن يمن علينا وعليهم بالتوبة. أيها الأحبة! إن من شؤم وسوء عاقبة الحسد أن حامل الحقد والغل والحسد لا يزال يتشفى بلسانه في عرض من يحقد عليه، حتى إن ذلك المسكين الحاسد ليأتي على جميع حسناته التي تعب في جمعها ثم يهديها إلى من اغتابه، يشقى بالعمل يجمعه، يُصلي الفجر، يمشي خطوات إلى المسجد، قد يذكر الله، يتصدق، يعمل أعمالاً صالحة، ربما يفعل خيراً كثيراً، ثم بعد ذلك قد يقع في زلة الحقد والحسد والبغضاء، وبذلك يُهدي هذه الحسنات إلى من تكلم في عرضه! إن القصاص من الغيبة، والقصاص من النميمة، والقصاص من الغل والحقد والحسد الموجب لذلك كله؛ لن يكون يوم القيامة بأعمال تُعطيها فلاناً، بل سيكون من أعمال قُبلت إذ أن الحساب يوم القيامة لن يكون بالدينار ولا بالدرهم، ولا بالركعة، ولا بالصوم، ولا بالحج الذي لا تدري هل قُبل أم لم يقبل؟ ولكن القصاص سيكون من حسنات مقبولة، يُسدد من دينك ويُقضى غرماؤك بلسانك الذي تسلط على عملك فأحرقها، سوف يُسدد من الحسنات والسيئات، فإن لم يكن ثم حسنات فإن القصاص سيكون من سيئاتهم التي هي حقاً يقيناً سيئات، ثم تُوضع على سيئات هذا، وصدق القائل حيث قال:
يشاركك المغتاب في حسناتـه ويعطيك أجري صومه وصلاته

ويحمل وزراً عنك ظنّ بحملـه عن النُجب من أبنائه وبناته

وغير شقي من يبيت عدوه يعامل عنه الله في غفلاته

فلا تعجبوا من جاهلٍ ضر نفسه بإمعانه في نفع بعض عداته

وأعجب منه عاقل بات ساخطاً على رجل يُهدي له حسناته

ويحمل من أوزاره وذنوبه ويهلك في تخليصه ونجاته
إن هذا لعجبٌ عجاب أن تجد شخصاً يتسلط كل ليلة ليحمل عنك أوزاراً وذنوباً وآثاماً وخطايا، ما حملها بقرابة ولا بنسب ولا بهدية ولا بصلة، وإنما حملها عنك وتحملها عنك! ويوم القيامة يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يغتابونهم ويتكلمون فيهم، ومن أوزار الذين يضلون بسبب الوقوع في أعراضهم، يتحمل هذا يوم القيامة سيئات الآخرين يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:36] إذ أن لكل امرئ منهم مشغلة وقضية ودويهية وبلية أشغلته عن حاله، عساه أن يتحمل أوزار نفسه، وأن يتحمل سيئات ذاته، ثم تجده يتحمل أوزار الآخرين!


انتهى إخوتي في الله سامحوني علشان الموضوع طويل جداً وجزى الله شيخنا الفاضل سعد البريك خير الجزاء ومن اعان وساهم وطبع هذه المادة

والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم