معتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين:


وأما خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد تمت باستخلاف أبي بكر الصديق إياه، وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه مرض قبل وفاته خمسة عشر يوماً ولما أحس بدنو أجله رضي الله عنه عهد في أثناء هذا المرض بالأمر من بعده إلى عمر بن الخطاب وكان الذي كتب العهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقرئ على المسلمين فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا، ولم يعهد الصديق رضي الله عنه بالخلافة لعمر رضي الله عنه إلا بعد أن استشار نفراً من فضلاء الصحابة فيه.
وقد رود في السنة ما يشير إلى خلافته رضي الله عنه.
فعن ابن أبي مليكة قال: وسمعت عائشة وسئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلفه قالت: أبو بكر فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر قالت: عمر، ثم قيل لها: من بعد عمر قالت: أبو عبيدة بن الجراح ثم انتهت إلى هذا" أخرجه مسلم.
وقد انعقد إجماع الصحابة كلهم على خلافته رضي الله عنهم أجمعين.

وأما خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد صارت له بعد ما أوصى عمر بن الخطاب رضي الله حين طعن أن يكون الأمر شورى بعده في ستة ممن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
وبعد وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجتمع النفر الذين جعل عمر الأمر فيهم شورى للتشاور فيمن يلي الخلافة بعد عمر رضي الله عنه ففوض ثلاثة منهم ما لهم في ذلك إلى ثلاثة حيث فوض الزبير ما يستحقه من الإمارة إلى علي وفوض سعد ماله في ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف وترك طلحة حقه إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، "فقال عبد الرحمن بن عوف: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه فسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي والله علي أن لا آلو عن أفضلكم قالا: نعم. فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه" أخرجه البخاري.
وقد انعقد إجماع الصحابة رضي الله عنهم على خلافته رضي الله عنه.
وقد ورد في السنة إشارة إلى خلافته وأنها تكون بعد خلافة عمر بن الخطاب:
1- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: " إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فإذا أبو بكر، ثم جاء آخر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ثم قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا هو عثمان بن عفان" أخرجه البخاري ومسلم.
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها: فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل السمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله ـ بأبي أنت ـ أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً" قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال: "لا تقسم". أخرجه البخاري ومسلم.
3- جابر بن عبد الله أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر" قال جابر: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تنوط بعضهم ببعض فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم" أخرجه أبو داود.
4- عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عثمان إنه لعل الله يقمصك قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه لهم" أخرجه الترمذي.
وفي هذا الحديث إشارة إلى الفتنة التي حصلت في عهد عثمان رضي الله عنه.
5- عن أبي سهلة قال: "قال لي عثمان يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه" أخرجه الترمذي.

وأما خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فبعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي الخارجين المارقين الشذاذ الذين جاءوا من الآفاق ومن أمصار مختلفة، يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين، قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمبايعة علي رضي الله عنه بالخلافة وذلك لأنه لم يكن أحد أفضل منه على الإطلاق بعد عثمان رضي الله عنه.
وقد انعقد إجماع الصحابة على خلافته، وأما من قاتله فقد كانوا مخطئون متأولون، وسيأتي تفصيل القول فيما وقع بين الصحابة عند الكلام على عقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وقد ورد في السنة ما يشير إلى خلافته رضي الله عنه.
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق" أخرجه مسلم.
2- عن أبي سعيد أيضا قال: أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: "بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية" أخرجه مسلم.

فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الراشدين وأنه كترتيبهم في الفضل، وقد انعقد إجماعهم على ذلك.