بسم الله الرحمن الرحيم

(( كشف شركيات الجفري )) الجزء الثاني .

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين أما بعد .

و بعد عرض المقاطع الصوتية للجفري سوف أذكر بعض الأدلة التي فيها رد على أقواله المخالفة لما جاء في النصوص الشرعية و هي كما يلي :

أولاً : ذكر بعض الأدلة التي فيها رد عليه من أن الأنبياء و الأولياء يتصرفون في الكون .

إن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يصدع بالحق و يرد على هذا الأمر من ذلك أنه لما اشتدت إذية المشركين للمسلمين بمكة واستفحل شرهم فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه و صوته ثم دعا عليهم : " اللهم عليك بقريش اللهم عليك بأبي جهل بن هشام ، وعقبة بن ربيعة ، و شيبة بن ربيعة ، و الوليد بن عقبة ، و أمية بن خلف ، و عقبة ابن أبي معيط " رواه البخاري و مسلم .

فهل ترى أنه بعد أن ضاقت السبل ، و استغلقت الأبواب ، و انقطع الرجاء في هداية هؤلاء القوم لم يبق إلا التفكير في استئصال شأفتهم ، و لما لم يكن هناك سبل إلى ذلك إلا سبيل الابتهال إلى المولى عز وجل فقد توجه عليه الصلاة و السلام بهذا الدعاء الذي لم تتحقق استجابته إلا بعد حين و تحديداً يوم بدر .

يقول ابن مسعود راوي الحديث : ( فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر ) .

و لا يخفى على عاقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يتصرف في الكون لاكتفى بقوله لهم : موتوا فيموتون .

وفي يوم بدر ذاته عندما واجه المسلمين خطر جسيم عندما قابلهم جيش قريش ورأوا تفوقه عدداً وعُدداً لم يكن منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن استقبل القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض " .

فما زال يهتف بربه ماداً يديه ، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه .

فأتاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه . وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك . فأنزل الله عز وجل قوله تعالى (( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين )) سورةالأنفال 9 . رواه مسلم .

هذا نص آخر صريح في أنه عليه الصلاة والسلام كان أمره غاية في العبودية والخضوع والتذلل لربه عز وجل ، و لم يكن من شأنه أن يخرج عن ذلك بحال من الأحوال .
بل ثبت بالدليل أن الله سبحانه لم يكن يحقق كل ما يدعوه به عليه الصلاة والسلام .
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين و منعني واحدة . سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، و سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، و سألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها )) رواه مسلم .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً ، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً . يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، و يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئاً )) رواه البخاري و مسلم .

فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرح بأنه لا يغني عن أحد من الله شيئاً ، و لا حتى لابنته فاطمة رضي الله عنها .
و إذا كان لا يملك شيئاً لفلذة كبه فاطمة رضي الله عنها وهو حي ، أفيملكه لغيرها و هو ميت ؟! .

و هناك أدلة أخرى كثيرة تدل على هذا الأمر منها :
1 ) قوله تعالى (( قل لا أملك لكم ضراً و لا رشداً )) سورة الجن :21 .

2 ) قوله تعالى (( وقالوا لن نؤمن بك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً * أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتي بالله و الملائكة قبيلا * أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك حتى تنزل عليناً كتاباً نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً )) سورة الإسراء :90 -- 93 .

3 ) قول تعالى عن نوح عليه السلام (( و لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب )) سورة هود : 31 .

و هذه رد على بعض الشبه حول هذه الجزئية من هذا الموضوع :

1 - قد يستدل البعض على هذه العقيدة بمعجزات المسيح عليه السلام .

وهذا الاستدلال باطل لأن إحياء الموتى بإذن الله من خصوصيات المسيح ، و ليس لغيره من البشر لا من الأنبياء و لا غيرهم ، و مما يؤيد هذه الخصوصية دعاء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى (( رب أرني كيف تحيي الموتى )) سورة البقرة :260 .

فإنه عليه السلام لو كان من شأنه إحياء الموتى لما دعا بمثل هذا الدعاء ، و إذا انتفى كون إحياء الموتى من معجزات نبي آخر غير المسيح قوي انتفاؤه عمن دون الأنبياء من الأولياء و الصالحين .

2 - وقد يستدل البعض أيضاً بقول الله تعالى (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) سورة المؤمنون :14 .

و الجواب : أننا نثبت للمخلوق خلقاً ، لكنه ليس كخلق الله تعالى . فخلق الله جل ‏وعلا إيجاد من العدم .

و خلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير و التحويل و التصرف في شيء خلقه الله تعالى .‏

و من ذلك ما جاء في " الصحيحين " أنه يقال للمصورين يوم القيامة: (( أحيوا ما خلقتم )) .
و معلوم ‏أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم إنما حول الطين ، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير – بدون روح - ، ‏و حول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة ، و الطين و الحجر و المواد و الورق كلهم من خلق الله ‏تعالى . ‏
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التكملة مع الجزء الثالث إن شاء الله

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته