قد أظلنا شهر كريم ، وموسم عظيم ، يعظم الله فيه الأجر ويجزل المواهب ، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب..
شهر الخيرات والبركات شهر المنح والهبات (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان )..
شهر موسما للأجور والأرباح ، والصلاة والسلام على نبي الهدى والفلاح ، وعلى آله وصحبه من تبعهم بإحسان إلى يوم السرور والأفراح..
حديثي إليك أخيتي حديث أختٍ لأختها، ومحبٍّة لحبيبة، وصديقة مشفقة ناصحة
لصديقتها، نريد لها الخير، وترجوا لها الفلاح ..
فأرعني سمعكِ، وأفتحِ لكلماتي قلبكِ، ولا تنظري لعيب الناصحة، بل أنظري فيما
يدعوكِ إليه، فإن كان خيراً قبلته، وإن كان غير ذلك فلستُ عليك بوكيل ..
أخيتي الحبيبة ماذا أعددتِ لنفسك في شهر رمضان ؟
ذلك الشهر العظيم الذي تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب
وتسلسل الشياطين، وفيه يعتق الله عبادة الصالحين من النار..
وهل قررتيالعودة والأوبة ؟
وهل نويتي التخلص من جميع المعاصي والمنكرات، وفتح صفحة جديدة مع رب الأرض والسموات ؟
وهل خططتي لبرنامجكِ التعبدي اليومي في هذا الشهر ؟
وبماذا ستسقبلي أيامه ولياليه ؟
أسئلة لابد من الإجابة عليها بكل صدق وأمانة،ومصارحة للنفس في ذلك حتى لا يدخل الشهر ويخرج بلا عبادة ولا طاعة، وتضيع أيامه وساعاته هباء منثوراً
*أخيتي لست أتهمُكِ بنصيحتي إليكِ أن تبدأ بالتوبة، فالتوبة هي بداية الطريقة
ونهايته، وهي المنزلة التي يفتقر إليها السائرات إلى الله في جميع مراحل سفرهم
[center]*فليست التوية - إذان - من منازل العصاة والمخلطين فحسب كما يظن كثير من
الناس، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - وهوسيد الطائعين وإمام العابدين -
(يا أيها الناس ! توبوا إلى الله ، فإني أتوب إليه في اليوم نائة مرة) ..
*ولما أمر الله عبادة بالتوبة ناداهم باسم الإيمان فقال سبحانه: (وتوبوا إلى الله جميع
أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ،ونحن جميعاً ذوو ذنوب وأخطاء ومخالفات ،فمن منا لا
يخطئ ؟ ومن منا لا يذنب ؟ ومن منا لا يعصي؟ .
*والله سبحانه غفار الذنوب ، يبسط يده ي الليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده
بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح بتوبة التائبين وندم العصاة والمذنبين، ولذلك فقد
جعل سبحانه للتوبة باباً من قَبلِ المغرب عرضهُ أربعون سنة، لا يُغلقُه حتى تطلع الشمس من مغربها ، كما قال الصادق المصدوق..
*والتوبة أخيتي أمر سهل ميسور ، ليس فيه مشقة، ولا معاناة عمل، فهي إمتناع
وندم وعزم، إمتناع عن الذنوب والمخالفات، وندم على اقترفها في الماضي، وعزم
على عدم العودة إليها في المستقبل ..
*أخيتي إذا ندمت على ما فات، وتركت المخالفات والذنوب في
المستقبل، توجب عليكِ بعد ذلك الاهتمام بعمركِ، وإصلاح وقتكِ الحاضر الذي بين ما
مضى ومايُستقبل، فإنكِ أن أضعتيه أضعت سعادتكِ ونجاتكِ، وإن حفظته بماذكر
نجوتي وفزتي بالراحة واللذة والنعيم ..
*قال الإمام بن الجوزي : رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال
طال الليل فبحديث لا ينفع، أو بقراءة كتاب فيه سمر. وعن طال النهار فبالنوم، وهم في
أطراف النهار على نهر دجلة أو في الأسواق !! فشبهتهم بالتحدثين في سفينة
وهي تجري بهم، وماعندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود، فهم في
تعبئة الزاد والتأهب للرحيل ..
فالله الله في مواسم العمل، والبدار البدار قبل الفوات ..
*وقال أيضاً: ينبغي للأنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة من غير قربة، ويقدر الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل، فنقل عن عامر بن عبد قيس أن رجلاً قال له: كلمني ، فقال له : أمسك الشمس!!
*ودخلو على بعض السلف عند موته وهويصلي ، فعاتبوه على ذلك فقال: الان
تطوى صحيفتي !!
*فإذا علم الإنسان - وإن بالغ في الجد - أن الموت يقطعه عن العمل ، عمل في
حياته ما يدوم له أجره بعد موته ..
*هذه أخيتي نماذج مضيئة وصور مشرقة تشير إلى اجتهاد سلفنا الكرام في عبادة
الله تعالى وطاعته، لعلكِ إن نظرتي فيها أورثتكِ ذلك علو الهمة والإقبال على الطاعة:
1-
صلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه، فراجعوه في ذلك فقال: (أفلا أكون عبد شكورا).
2-
وكان أبو بكر رضي الله عنه كثير البكاء وبخاصة في الصلاة وعند قراءة القرآن.
3-
وكان في خد عمر رضي الله عنه خطان أسودان من كثرة البكاء.
4-
وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة .
5-
وكان علي رضي الله عنه يبكي في محرابة حتى تخضل لحيته بالدموع، وكان يقول : يا دنيا غري غيري، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها!
6-
وكان قتادة يختم القرآن في سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة.
7-
وكان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف !
8-
كان سعيد بن المسيب ملازماً المسجد، فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة .
يتبع بإذن الله ..
الروابط المفضلة