بسم الله الرّحمن الرّحيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ :
ذكرى للمحبّين ..ونذير للمفرطين
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ))
وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ
والحبّ في الله من أصول الإيمان وأعلى درجاته ....
وإنّما كانت هذه الخصلة تالية لِما قبلها ، لأنّ من كان الله ورسوله أحبّ إليه مِمّا سواهما فقد صار حبّه كلّه له ، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله وموالاته له ومعاداته له ، وأن لا تبقى له بقيّة من نفسه وهواه ، وذلك يستلزم محبّة ما يحبّه الله من الأقوال والأعمال ، وكراهة ما يكرهه من ذلك ، وكذلك من الأشخاص ، ويلزم من ذلك معاملتهم بمقتضى الحبّ والبغض ، فمن أحبّه الله أكرمه وعامله بالعدل والفضل ، ومن أبغضه لله أهانه بالعدل ، ولهذا وصف الله المحبّين له بأنهم﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة : 54]. وكان من دعاء النّبـيّ -صلّى الله عليه وسلّم- : ( أسألك حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ عمل يبلّغني إلى حبّك ) فلا تتمّ محبّة الله ورسوله إلّا بمحبّة أوليائه وموالاتهم وبغض أعدائه ومعاداتهم . وسئل بعض العارفين : بِمَ تنال المحبّة ؟ قال : بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه ، وأصله الموافقة .
قـال الإمام النّوويّ – رحمه الله - :
قَالَ : وَالْحُبُّ فِي اللَّه مِنْ ثَمَرَات حُبّ اللَّه . قَالَ بَعْضهمْ : الْمَحَبَّة مُوَاطَأَة الْقَلْب عَلَى مَا يُرْضِي الرَّبّ سُبْحَانه ؛ فَيُحِبّ مَا أَحَبَّ ، وَيَكْرَه مَا كَرِهَ .
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَات الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَاب بِمَا لَا يَئُول إِلَى اِخْتِلَاف إِلَّا فِي اللَّفْظ . وَبِالْجُمْلَةِ أَصْل الْمَحَبَّة الْمَيْل إِلَى مَا يُوَافِق الْمُحِبِّ ، ثُمَّ الْمَيْل قَدْ يَكُون لِمَا يَسْتَلِذُّهُ الْإِنْسَان ، وَيَسْتَحْسِنهُ كَحُسْنِ الصُّورَة وَالصَّوْت وَالطَّعَام وَنَحْوهَا وَقَدْ يَسْتَلِذُّهُ بِعَقْلِهِ لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَة كَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء وَأَهْل الْفَضْل مُطْلَقًا ، وَقَدْ يَكُون لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ ، وَدَفْعه الْمَضَارَّ وَالْمَكَارِهَ عَنْهُ . وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَوْجُودَة فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَمَعَ مِنْ جَمَال الظَّاهِر وَالْبَاطِن ، وَكَمَال خِلَال الْجَلَال ، وَأَنْوَاع الْفَضَائِل ، وَإِحْسَانه إِلَى جَمِيع الْمُسْلِمِينَ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم ، وَدَوَام النِّعَم ، وَالْإِبْعَاد مِنْ الْجَحِيم . وَقَدْ أَشَارَ بَعْضهمْ إِلَى أَنَّ هَذَا مُتَصَوَّر فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى ، فَإِنَّ الْخَيْر كُلّه مِنْهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى . قَالَ مَالِك وَغَيْره : الْمَحَبَّة فِي اللَّه مِنْ وَاجِبَات الْإِسْلَام .
أيّها المحبّ ..هذه المحبّة التي سكنت القلوب وحوتها الأفئدة ..اجعلها طاعة تسرّك يوم القيامة ... وتأخد بيدك إلى جنّات النّعيم
واعلم أيّها المحبّ أنّ للمحبّة حدّا اسمه الشّرع فلا تتجاوزه ..لأنّك إن تجاوزته هلكت ...وكما قيل : ومن الحبّ ما قتل .
فقف أيّها المحبّ وقفة صارمة صادقة مع نفسك ...قبل أن تجد نفسك في بحار الضّياع..تغرق وأنت لا تدري ولعلّك يوم تدري ...لا تملك أن تفعل شيئا
إلّا أن تقول : واحسرتاه ....ناس عبدوا الله فلقوه وهو راض عنهم ..وناس عبدوا أنفسهم فلقوه وهو ساخط عليهم
فقف أيّها المحبّ ... لتعلم أيّ الحبّ في قلبك لحبيبك أهو حبّ يرضى عنه الله أم هو يسخط منه
خذ هذه الوقفات ثمّ أجب نفسك بعدها *:
-رسائل ومكالمات إلى أنصاف الليالي*
-لقاءات واجتماعات كثيرة متكررة في غير ما فائدة دينيّة و لادنيويّة*
- إدامة النّظر في وجه الحبيب دون غيره*
-كثرة السّؤال عنه والتجسّس غيرة عليه حتّى لا يأخذه أحد عليه* .
-اختلاق الأسباب من أجل اللقاء به بل رؤيته فقط أو الاتصال به من أجل سماع صوته والتّلذّذ به مع قرب عهده به وربّما رآه في نفس اليوم ووالداه وأخوته تمرّ عليه الأيّام والأسابيع ولم يشتق إلى لقائهم وسماع صوتهم إذا كان بعيداً عنهم .*
-عدم الصّبر على مفارقته ولو لساعات قليلة .*
-الغيرة من أصدقائه إذا رآهم معه .*
-كراهة كل من سواه من أصدقائه الأوّلين والتنكّر لهم وتفضيله عليهم ونَسي فضائلهم عليه *.
بل وهناك من يحبّ الحبيب أكثر من أمّه وأبيه فأيّ خزي وأي خسارة وركضة واحدة في بطن الأمّ وتحمّلها لها تساوي الدّنيا بأكملها*
-الخوف والتّفكير الشديد بل الجنون والبكاء إذا لقيه فأعرض عنه أو اتّصل فلم يَردّ عليه أو انشغل عنه فترة من الزّمن فإذا رآه أهال عليه وابلاً من العتاب وذكّره بفضائله عليه أو أعدّ العدّة لكتابة الرّسائل والآهات . *
-محاولة إرضائه ولو كان يكره المحبّ ذلك أو قوله وفعله خطأ *
-لين الجانب له والعطف عليه ومحاولة ربطه به بشتّى الأساليب وتهيئة كلّ ما يحبّ ، محبّة له أومن أجل تعليقه به حتّى لا يتركه .*
فهذه علامات الحبّ ... لكنّه ليس حبّا حقيقيّا وإنّما هو حبٌ خادع وغرامٌ قاتل ووَلَـهٌ زائفٌ في صورة حبٍّ طاهر ، قل لي بالله أليس هذا هو التّعلّق .. ؟ وسمّه بأيّ اسم شئت فالعبرة بالمعاني والحقائق لا الألفاظ وإن كانت النية حسنة والأخوة صادقة، فهذه علامات التّعلّق ونهايته وليس شرط التّعلّق الوقوع في الفاحشة أو أن يكون من أجل الجمال وحسن الأجسام أو أن تظهر كل تلك العلامات على الشّخص أو ما يُسمّيه البعض بالتّعلق البريء من سوء النّية كما يُبَرِّر لنفسه أو تغلَّف بثوب الأخوّة في الله بل إنّي على يقين أنّ البعضَ لا يُفكِّر في الحرام لكن يكفي من سوء تلك الحال ما يعيشه الكثير من القلق والهمّ والمشكلات وسوء الآثار المترتّبة عليه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( ومن ادّعى الحبّ في الله في مثل هذا فقد كذب ، إنّما هذا حب هوى وشهوة)
وقد تكون هذه المحبّة لله وقد تكون عاديّة لكنّها تصل إلى درجة التّعلّق وآثاره السّلبيّة أو حبّ الهوى
أيّها المحبّ ...كن صادقا ما مدى حبّك لوالديك ؟ حبّك للصّالحين ؟
بل ما مدى حبّك لعبادة الله ؟
قل لنفسك ..أأنت مِمّن إذا فقد حبيبه لوقت معدود ...أو لأيّام بكى بكاء شديدا ..وعلا نحيبه ..وناح وتوجّع ...
أتراك تبكي على لذّة الإيمان وقد ولّت عنك وابتعدت عنك؟
أتراك تشتاق خشوعا غاب في صلاتك ؟
بل أتراك تشتاق لربّك الذي خلقك فسواك فعدّلك ؟
أتراك تحنّ لتلاوة القرآن وقد هجرته لدنيا تصيبها أو لغفلة أوثقتك ؟
أتراك ؟ .... أتراك .... أتراك؟
اسأل نفسك أيّها المحبّ ؟ لأيّ شيء تحبّ ؟ وكيف تحبّ ؟ وماذا ترجو من الحبّ ؟
وبعد أن تجيب كن واثقا .. أنّك تعيش لتعبد الله ....لا لشيء آخر فلا تحد عن الطّريق ...رعاك الله ... وتعلّم دينك ...والزم باب العبوديّة...ولا تكن غافلا
ولا تخدع نفسك ...بل ولا تخدعك نفسك ...بأن تصور لك أنّك الوفيّ ..المحبّ المتفاني في حبّ الحبيب ...
لا تكذب على نفسك ....أنت الذّليل ...أنت الحقير ...أنت السّبيّ في يد العبد الضّعيف ...ملّكته قلبك دون استحقاق ...وصرت له رقّا بلا استرقاق .
الروابط المفضلة