الإيمان بالقضاء والقدر:
أولا: معنى القضاء والقدر لغة:
1- معنى القضاء لغة: القضاء في اللغة يأتي لمعان منها: الفصل والحكم، وذكر القضاء في الأحاديث أصله: القطع والفصل.
2- معنى القدر لغة: القضاء والحكم، ومبلغ الشيء والتقدير: التروية والتفكر في تسوية الأمر.
ثانيا: معنى القضاء والقدر اصطلاحا:
هو ما سبق به العلم، وجرى به القلم مما هو كائن إلى الأبد، وأنه عز وجل قدر في الأزل مقادير الخلائق.
ومعناهما شرعا: هو تقدير الله تعالى الأشياء في القدم، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده، وعلى صفات مخصوصه، وكتابته سبحانه لذلك، ومشيئته له، ووقوعها على حسب ما قدرها وخلقه لها. وقد اختلف العلماء في التفرقة بين القضاء والقدر، ولهم في ذلك أقوال:
الأول: القضاء هو العلم السابق الذي حكم الله تعالى به في الأزل، والقدر وقوع الخلق على وزن المقضي السابق.
الثاني: عكس القول السابق، فالقدر هو الحكم والقضاء هو الخلق.

أركان الإيمان بالقضاء والقدر:
الأول: الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط.
الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء.
الثالث: الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة.
الرابع: الإيمان بأن الله خلق كل شيء.
الركن الأول: الإيمان بعلم الله تعالى الشامل المحيط:
علم الله تعالى محيط بكل شيء، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن كيف يكون ويعلم الموجود من المعدوم والممكن من المستحيل. وهو عالم بالعباد وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم وشقاوتهم وسعادتهم ومن منهم من أهل الجنة، ومن منهم من أهل النار، عالم بكل ذلك قبل أن يخلقهم ويخلق السماوات والأرض.
الركن الثاني: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)). واللوح المحفوظ الذي كتب الله تعالى فيه مقادير الخلق: سماه الله سبحانه بالكتاب والكتاب المبين وبالكتاب المسطور.
الركن الثالث: الإيمان بمشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة:
هذا الأصل يقضي بمشيئة الله تعالى النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله تعالى كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حركة ولا سكون في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئته فلا يكون في ملكه إلا ما يريد.
الركن الرابع: الإيمان بأن الله خلق كل شيء:
قررت النصوص أن الله تعالى خلق كل شيء فهو الذي خلق وكونهم وأوجدهم فهو الخالق وما سواه مخلوق مربوب.
أفعال العباد:
مراتب القضاء والقدر وأركانها أربع: العلم، الكتابة، المشيئة والإرادة، والخلق. أما العلم والكتابة فلم ينكرها إلا غلاة القدرية ، وأما المرتبتان الأخريان المشيئة والخلق، فقد وقع فيهما الخلاف على قولين: أحدهما إنكار هذين المرتبتين وهذا مذهب المعتزلة ومن وافقهم الذي ينكرون أن تكون مشيئة الله تعالى لها تعلق بأفعال العباد وطاعتهم ومعاصيهم ويزعمون أنه تعالى لا يخلق أفعال العباد وإنما العباد هم الخالقون لأفعالهم. والثاني: الإقرار بهاتين المرتبتين بإثبات الإرادة والمشيئة الشاملة، والقول بأن الله تعالى خالق كل شيء ومن ذلك أفعال العباد وهذا قول جمهور الأمة. والأقوال في هذه المسألة أربعة:
القول الأول: أن العباد مجبورون على أعمالهم، لا قدرة لهم ولا اختيار، والله وحده هو خالق أفعال العباد، وأعمالهم إنما تنسب إليهم مجازا. وهذا مذهب الجبرية وأشهر فرقهم الجهمية.
القول الثاني: أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله تعالى، وإنما العباد هم الخالقون لها، ولهم إرادة وقدرة مستقلة عن إرادة الله تعالى وقدرته، فأفعالهم لا فاعل لها ولا محدث سواهم ومن قال: إن الله تعالى خالقها ومحدثها فهو مخطئ عندهم وهذا قول المعتزلة.
القول الثالث: قول بعض المتكلمين، وقد وافقوا أهل السنة على أن الله تعالى خالق أفعال العباد خلافا للمعتزلة كما وافقوا أهل السنة على إثبات القدرة للعبد خلافا للجبرية, ولكنهم مع اعترافهم بذلك كله، قالوا إنه ليس لقدرتهم تأثير فيها، وهي كسب للعباد وعلى ذلك الكسب يترتب الثواب والعقاب.
القول الرابع: قول أهل السنة والجماعة : وهو الإقرار بالمراتب الأربعة للقضاء والقدر ، الثابتة بنصوص الكتاب والسنة، العلم، القدرة، والكتابة، والمشيئة والخلق. وأفعال العباد داخلة في المرتبة الرابعة، فهم يقولون فيها: إن الله تعالى خلق أفعال العباد كلها، والفاعلون لها حقيقة، ولهم قدرة حقيقية على أعمالهم ولهم إرادة ولكنها خاضعة لمشيئة الله تعالى الكونية فلا تخرج عنها فالله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم. والدليل على أن فعل العبد باختياره وقدرته أمر:
الأول: قوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}, وقوله:{ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} فأثبت للعبد إتيانا بمشيئته وإعدادا بإرادته.
الثاني: توجيه الأمر والنهي إلى العبد، ولو لم يكن له اختيار وقدرة: لكان توجيه ذلك إليه من التكليف بما لا يطاق.
الثالث: مدح المحسن على إحسانه، وذم المسيء على إساءته، وإثابة كل منها بما يستحق ولولا أن الفعل يقع بإرادة العبد واختياره لكان مدح المحسن عبثا، وعقوبة المسيء ظلما والله تعالى منزه عن العبث والظلم.
الرابع: أن الله تعالى أرسل الرسل ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره: ما بطلت حجته بإرسال الرسل.
الخامس: أن كل فاعل يحس انه يفعل الشيء أو يتركه بدون أي شعور بإكراه، فهو يقوم ويقعد ويدخل ويخرج ويسافر بمحض إراداته، ولا يشعر بأن أحدا يكرهه على ذلك.
الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعاصي:
يعتقد أهل السنة والجماعة انه لا يجوز الاحتجاج بالقضاء والقدر على المعاصي، لأنه لا حجة للعبد العاصي في القضاء والقدر، لأن العاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله تعالى قضاها وقدرها عليه، إذ لا يعلم أحد قضاء الله تعالى وقدره إلا بعد وقوع مقدوره. ويقال للعاصي المحتج بالقضاء والقدر لماذا لم تقدم على الطاعة مقدرا أن الله تعالى قد كتبها لك، فإنه لا فرق بينها وبين المعصية في الجهل بالمقضي والمقدور قبل صدور الفعل منك.
متى يسوغ الاحتجاج بالقضاء والقدر؟
يسوغ الاحتجاج بالقضاء والقدر عند المصائب التي تحل بالإنسان كالفقر والمرض وفقد القريب، فهذا من تمام الرضا بالله تعالى ربا، فالاحتجاج يكون عند المصائب لا المعائب فالسعيد يستغفر من المعائب ويصبر على المصائب، والشقي يجزع عند المصائب ويحتج بالقدر على المعائب.
من ثمار الإيمان بالقضاء والقدر:
1- الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب لأن السبب والمسبب كلاهما بقضاء الله وقدره.
2- راحة النفس وطمأنينة القلب، لأنه متى علم العبد أن ذلك بقضاء الله تعالى، وأن المكروه كائن لا محالة ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب.
3- طرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد لأن حصول ذلك نعمة من نعم الله تعالى بما قضاه وقدره من أسباب الخير والنجاح.
4- طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه لأن ذلك بقضاء الله تعالى وقدره.
5- ومن آثاره: أن الإيمان به من أكبر الدواعي التي تدعو إلى العمل والنشاط والسعي بما يرضي الله تعالى في هذه الحياة؟
وأما دعوى أن الإيمان بالقضاء والقدر يدعو إلى الكسل والتواكل في حياة المسلمين فهذا مما روجه ويروجه الملحدون أن عقيدة القضاء والقدر تدعو الإنسان إلى التعلل بالمكتوب فيكسل ولا يقوم بالواجب الملقى عليه. ومن جوانب الجهل بحقيقة الإيمان الجهل بعقيدة القضاء والقدر، فالمؤمنون مأمورون بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، والإيمان بأن الأسباب لا تعطي النتائج إلا بإذن الله تعالى. ويحرم على المسلم ترد الأخذ بالأسباب ولو ترك إنسان السعي في طلب الرزق كان آثما مع أن الأرزاق بيد الله تعالى. فالاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسباب نقص في العقل، والإعراض عن أسباب المأمور بها قدح في الشرع فعلى العبد أن يكون قلبه معتمدا على الله تعالى، لا على سبب من الأسباب. فإن كانت الأسباب مقدورة له وهو مأمور بها: فعلها مع التوكل على الله تعالى. ومن ترك الأسباب المأمور بها فهو عاجز مفرط مذموم. وقد ظن البعض أن التوكل ينافي الاكتساب وتعاطي الأسباب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المتوكلين يلبس لامة الحرب ويمشي في الأسواق للاكتساب.



نواقض الإيمان ومنقصاته:
التعريف بنواقض الإيمان ومنقصاته: النواقض من النقض وهو في اللغة ضد الإبرام وهو إفساد ما أبرمته من العقد أو البناء أو العهد. واصطلاحا اعتقادات أو أقوال أو أفعال تزيل الإيمان وتقطعه بالكلية. وهي الأمور التي أذا وجدت عند العبد خرج من الدين بالكلية وأصبح بسببها كافر أو مرتدا عن دين الإسلام وهي مجتمعة في الشرك الأكبر والكفر الأكبر والنفاق الأكبر.
أما منقصات الإيمان: فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد والإيمان ولا تنافيه بالكلية فإذا وجدت عند المسلم قدحت إيمانه ونقصته ولم يخرج من دين الإسلام وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر وعلى رأسها: وسائل الشرك الأكبر والشرك الأصغر والكفر الأصغر والنفاق الأصغر والبدعة.
منهج أهل السنة والجماعة في باب نواقض الإيمان:
الطرف الأول: الذين يغالون في التكفير والحكم على الناس بالكفر، ويكفّرون الناس من غير رؤية أوفقه أو معرفة جيدة للإسلام وهذا مبدأ الخوارج، وسبب الانحراف عندهم: أنهم يأخذون النصوص التي تدل بظاهرها على الكفر أو الشرك يأخذونها على ظاهرها دون أن يجمعون بينها وبين النصوص التي تفسرها أو توضحها، وهم لا يفرقون بين أقسام الكفر الأكبر والأصغر، والشرك الأكبر والأصغر، والشرك الأصغر والكفر الأصغر لا يخرجان من الدين ولكنهما ينقصان الإسلام والإيمان. والخوارج لا يفرقون بين هذا وذاك.
الطرف الثاني: المرجئة الذين يقولون الإيمان بالقلب ولم يدخلوا فيه العمل، فلو عمل ما عمل فإنه لا يكفر ويقولون لا يضر مع الإيمان معصية ولا ينفع مع الكفر طاعة، وأخذوا بنصوص الوعد التي فيها وعد الله بالمغفرة والرحمة، ولم يجمعوا بينها وبين نصوص الوعيد، وهم على نقيض الخوارج، أخذوا بنصوص الوعد واعتمدوا على الرجاء فقط كما أن الخوارج أخذوا بنصوص الوعيد وتركوا نصوص الوعد والرحمة والرجاء.
الطرف الثالث أهل السنة والجماعة، وهم وسط بين المذهبين، مذهب الخوارج ومذهب المرجئة وهم يجمعون بين النصوص، ويقولون أن الكفر في القرآن والسنة ينقسم إلى قسمين أكبر وأصغر والذنوب التي دون الشرك لا يكفر صاحبها. وقد جمعوا بين نصوص الوعد والوعيد وجمعوا بين الخوف والرجاء. فمن عبد الله بالخوف فقط فهو خارجي، ومن عبد الله بالرجاء فقط فهو مرجئ ومن عبد الله بالحب فقط فهو من منحرفي الزهاد ومن عبد الله بالخوف والرجاء والحب والرغبة فهو موحد سني.
في الشرك الأكبر: إن أعظم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، وأول ما أمر الله تعالى به: عبادة الله وحده لا شريك له، وإخلاص الدين له وحده ومعنى قوله {وربك فكبر} أي عظم ربك بالتوحيد وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له. ومعنى {قم فأنذر} أي أنذر عن الشرك في عبادة الله تعالى وحده لا شريك. وهذا الأصل من أعظم أصول الدين، وأفرضها ولأجله حلق الله الخلق ولأجله أرسل الرسل وأنزل الكتب. وقد حصل عند الكثيرين خلط في معنى التوحيد.
أقسام الشرك الأكبر: للشرك الأكبر ثلاثة أقسام رئيسية هي:
القسم الأول: الشرك في الربوبية: وهو أن يجعل لغير الله تعالى معه نصيبا من الملك أو التدبير أو الخلق أو الرزق, ومن صور الشرك في هذا القسم:
1- شرك النصارى الذين يقولون الله ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور وحوادث الشر إلى الظلمة.

2- شرك القدرية الذين يزعمون أن الإنسان يخلق أفعاله.

3- شرك كثير ممن يعبدون القبور الذي يعتقدون أن أرواح الأموات تتصرف بعد الموت.

4- الاستسقاء بالنجوم: وذلك باعتقاد أنها مصدر السقيا وأنها تنزل الغيث بدون مشيئة الله تعالى.

القسم الثاني: الشرك في الألوهية:
وهو اعتقاد أن غير الله تعالى يستحق أن يعبد أو صرف شيء من العبادة لغيره وأنواعه ثلاثة:
1. النوع الأول: اعتقاد شريك لله تعالى في الألوهية فمن اعتقد أن غير الله يستحق العبادة مع الله أو يستحق أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة : فهو مشرك في الألوهية.
2. النوع الثاني: صرف شيء من العبادات المحضة لغير الله تعالى: فالعبادات المحضة بأنواعها القلبية والقولية والعملية والمالية: حق لله تعالى لا يجوز أن تصرف لغيره فمن صرف شيئا منها لغير الله تعالى فقد وقع في الشرك الأكبر.
والشرك بصرف شيء من العبادة لغير الله تعالى له صور كثيرة يمكن حصرها في أمرين:
الأمر الأول: الشرك في دعاء المسألة، ودعاء المسألة أن يطلب العبد من ربه جلب مرغوب أو دفع مرهوب. ويدخل في دعاء المسألة: الاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والاستجارة.
الأمر الثاني: الشرك في دعاء العبادة: ودعاء العبادة: هو عبادة الله تعالى بأنواع العبادات القلبية والقولية والفعلية كالمحبة والرجاء والصلاة والصيام والذبح. وسمي هذا النوع دعاء باعتبار أن العابد لله تعالى بهذه العبادات طالب وسائل لله تعالى في المعنى، ويدخل في هذا النوع شرك النية والإرادة والقصد، والشرك في الخوف والمحبة والرجاء والصلاة والركوع والسجود.
3. النوع الثالث: الشرك في الحكم:
1- أن يعتقد أحد أن حكم غير الله أفضل من حكم الله تعالى أو مثله وهذا شرك أكبر لأن صاحبه مكذب بالقرآن.
2- أن يعتقد أحد جواز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وهذا أكبر أيضا.
3- أن يضع تشريعا أو قانونا مخالفا لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكم به معتقدا جواز الحكم بهذا القانون أو أن هذا القانون خير من حكم الله أو مثله.
4- أن يطيع من يحكم بغير شرع الله تعالى عن رضى، مقدما لقولهم على شرع لله، ساخطا لحكم الله أو معتقدا جواز الحكم بغيره أو أنه أفضل من حكم الله تعالى.
ومثل هؤلاء من يتبع أو يتحاكم إلى الأعراف القبلية المخالفة لحكم الله تعالى مع علمه بمخالفتها للشرع معتقدا جواز الحكم بها.
القسم الثالث: الشرك في الأسماء والصفات:
وهو أن يجعل لله تعالى مماثلا في شيء من الأسماء أو الصفات أو يصفه تعالى بشيء كم صفات خلقه. فمن سمي غير الله تعالى باسم من أسماء الله تعالى ، معتقدا اتصاف هذا المخلوق بما دل عليه هذا الاسم مما اختص الله تعالى به أو وصفه بصفة من صفات الله تعالى الخاصة به: فهو مشرك في الأسماء والصفات، كتسمية المشركين آلهتهم بأسماء الله تعالى، كاللات من الإله والعزى من العزيز ومناه من المنان. وكذلك من وصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين فهو مشرك في الصفات. ومن صور هذا الشرك: الشرك بدعوى علم الغيب أو باعتقاد أن غير الله تعالى يعلم الغيب.
وسائل الشرك الأكبر: لما كان الشرك الأكبر أعظم ذنب عصي الله تعالى به: حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كل قول أو فعل يؤدي إليه أو يكون سببا في وقوع المسلم فيه.
أولا: الغلو في الصالحين:
لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو على وجه العموم، أما الغلو في الصالحين: فقد ثبت أنه كان أول وأعظم سبب أوقع بني آدم في الشرك الأكبر. ومن أنواع الغلو في الصالحين الذي يوصل إلى الشرك:
أولا: المبالغة في مدحهم: كما يفعله كثير من غلاة أهل البدع، وقد أدت هذه المبالغة بكثير منهم في آخر الأمر إلى الوقوع في الشرك الأكبر في الربوبية وذلك باعتقادهم أن بعض الأولياء يتصرفون في الكون.
ثانيا: تصوير الأولياء والصالحين:
سبق أن أول شرك حدث في بني آدم عليه السلام سببه الغلو في الصالحين بتصويرهم كما حصل من قوم نوح عليه السلام. ولحظر التصوير وعظم جرم فاعله: وردت نصوص شرعية فيها تغليظ على المصورين وتدل على تحريم تصوير ذات الأرواح.
ثالثا: التبرك الممنوع بالصالحين: وسيأتي الحديث عنه في الفقرة اللاحقة.
ثانيا من وسائل الشرك: التبرك الممنوع:
التبرك طلب البركة، والبركة كثرة الخير وازدياده واستمراره. والتبرك على قسمين:
أ‌- تبرك مشروع: وهو أن يفعل المسلم العبادات المشروطة طلبا للثواب المترتب عليها، ومن ذلك أن يتبرك بقراءة القرآن والعمل بأحكامه، ومنه التبرك بالمسجد الحرام بالصلاة فيه ليحصل على فضيلة مضاعفة فيه.
ب‌- تبرك ممنوع، وهو ينقسم من حيث حكمه إلى قسمين:
1) تبرك شركي: وهو أن يعتقد المتبرك أن المتبرك به وهو المخلوق يهب البركة بنفسه، فيبارك في الأشياء بذاته استقلالا أو يطلب منه الخير والنماء فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى لأن الله هو موجد البركة وواهبها.
2) تبرك بدعي: وهو التبرك بما لم يرد دليل شرعي على جوازت التبرك به، معتقدا أن الله تعالى جعل فيه بركة، أو التبرك بالشيء الذي ورد التبرك به على غير الوجه الذي ورد في الشرع التبرك به. وهذا محرم، والتبرك البدعي ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: التبرك الممنوع بالأولياء والصالحين: وردت أدلة كثيرة تدل على مشروعية التبرك بجسد وآثار النبي صلى الله عليه وسلم كشعره وعرقه وثيابه وغير ذلك. أما غير النبي صلى الله عليه وسلم من الأولياء والصالحين فلم يرد دليل صحيح صريح يدل على مشروعية التبرك بأجسادهم ولا بآثارهم. ومن مظاهر التبرك بالصالحين:
1- التمسح بهم، ولبس ثيابهم أو الشرب بعد شربهم طلبا للبركة.
2- تقبيل قبورهم والتمسح بها وأخذ ترابها طلبا للبركة.
3- عبادة الله تعالى عند قبورهم تبركا بها. معتقدا فضل التعبد لله تعالى عندها.
النوع الثاني : التبرك بالأزمان والأماكن والأشياء التي لم يرد في الشرع ما يدل على مشروعية التبرك بها: ومن أمثلة هذا الأشياء:
1. الأماكن التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم أو تعبد الله فيها اتفاقا من غير قصد لها لذاتها، وإنما لأنه صلى الله عليه وسلم كان موجودا في هذه الأماكن وقت تعبده لله تعالى بهذه العبادة ولم يرد دليل شرعي على فضلها, فلا يجوز للمسلم قصد زيارة هذه الأماكن للتعبد لله تعالى عندها، كما لا يجوز مسح شيء من هذه الأماكن طلبا للبركة.
2. التبرك ببعض الأشجار وبعض الأحجار وبعض الأعمدة وبعض الآبار والعيون التي يظن أن لها فضلا، إما لظنهم أن أحد الأنبياء والأولياء وقف على ذلك الحجر، أو نام تحت تلك الشجرة وغيرها من الاعتقادات، وهذا محرم. أما مسح الحجر الأسود وتقبيله وكذلك مسح الركن اليماني في أثناء الطواف فإنما هو من باب التعبد لله تعالى. وقد قطع عمر بن الخطاب شجرة بيعة الرضوان لما بلغه أن أناسا يأتون إليها.
3. التبرك ببعض الليالي والأيام التي يقال أنها وقعت فيها أحداث عظيمة، كليلة الإسراء والمعراج ونحو ذلك.
النوع الثالث: التبرك بالأماكن والأشياء الفاضلة بغير ما ورد فيها:
وردت نصوص شرعية كثيرة تدل على فضل وبركة بعض الأماكن كالكعبة المشرفة والمساجد الثلاثة، وبعض الأزمان كليلة القدر، ويوم عرفة، وبعض الأشياء الأخرى كماء زمزم والسحور للصائم. والتبرك بهذه الأشياء يكون بفعل العبادات وغيرها مما ورد في الشرع مما يدل على فضلها فيها، ولا يجوز التبرك بها بغير ما ورد. والتبرك بها بغير ما ورد بتخصيص عبادات أو تبركات معينة مخالفة للشرع وإحداث بدعة ليس لها أصل في الشرع، وذلك كمن يتبرك بجدران الكعبة بتقبيلها أو مسحها. ومما يدل على تحريم التبرك بالأشياء الفاضلة بغير ما ورد في الشرع:
1- مما ثبت في الصحيحين عن ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب أنه قال لما قبل الحجر الأسود "إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك".
2- ما ثبت عن حبر الأمة عبدالله بن عباس أنه أنكر على من استلم أركان الكعبة الأربعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني.
3- ما ثبت عن عبدالله ابن الزبير من الإنكار على من مسح مقام إبراهيم.
ثالثا: رفع القبور وتجصيصها وإسراجها: وبناء الغرف أو المساجد عليها، وعبادة الله تعالى عندها:
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نهى من اتخاذ القبور مساجد في عدة أدلة ومنها حين قال: ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك. ومعنى اتخاذ القبور مساجد: بناء المساجد عليها، ويدخل فيه أيضا جعلها مكانا للصلاة ولو لم يبن عليها أو بنيها مسجد، وهذا يشمل السجود على القبور والدعاء والذكر عنده.
الشرك الأصغر: وهو كل ما كان فيه نوع شرك، لكنه لم يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وهو كبيرة من كبائر الذنوب بل هو أكبر الذنوب بعض نواقض التوحيد. وللشرك الأصغر أنواع كثيرة منها:
النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية:
1- الرياء: وهو أن يظهر الإنسان العمل الصالح للآخرين أو يحسنه عندهم، وقد وردت أدلة كثيرة تدل على تحريم الرياء وعظم عقوبة فاعله. فينبغي للمسلم البعد عن الرياء والحذر من الوقوع فيه، وذلك بتقوية الإيمان في القلب، والتزود من العلم الشرعي.
2- أن يعمل الإنسان العبادة المحضة ليحصل على مصلحة دنيوية مباشرة.
3- الاعتماد على الأسباب: والواجب هو استعمال الأسباب المشروعة التي ثبت نفعها بالشرع أو التجربة الصحيحة مع توكله على الله تعالى، واعتقاد أن هذا الأمر إنما هو مجرد سبب وأنه لا أثر إلا بمشيئة الله تعالى.
4- التطير: وهو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو غيرهما.
النوع الثاني: الشرك في الأفعال:
1- الرقى الشركية : الرقى الأمور التي يعوذ بها لرفع البلاء. والرقى تنقسم إلى قسمين:
النوع الأول: الرقى الشرعية: وهي الأذكار من القرآن الكريم والأدعية والتعويذات الثابتة في القرآن والسنة أو الأدعية المشروعة. وهذه الرقية جائزة بل مستحبة بشرط أن يعتقد الراقي والمرقي أن الرقية لا تؤثر بذاتها، وأن لا يعتمد عليها المرقي بقبله وأن يعتقد أن النفع إنما هو من الله، كما يشترط أن لا تكون من ساحر أو متهم بالسحر.
النوع الثاني: الرقى المحرمة: ومنها الرقى الشركية وهي الرقى التي يعتمد فيها الراقي أو المرقي على الرقية فإن اعتمد عليها مع اعتقاده أنها سبب من الأسباب وأنها لا تستقل بالتأثير: فهذا شرك أصغر، وإن اعتمد عليها اعتمادا كليا حتى اعتقد أنها تنفع من دون الله تعالى فهو من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
2- التمائم الشركية: التمائم في اللغة جمع تميمة وهي في الأصل خرزة كانت تعلق على الأطفال، يتقون بها من العين ونحوها، وفي الاصطلاح: هي كل ما يعلق على المرضى أو الأطفال أو غيرها من تعاويذ لدفع البلاء أو رفعه. ومن أنواع التمائم : الحجب والرقى التي يكتبها بعض المشعوذين ويكتبون فيها طلاسم وكتابات لا يفهم معناها وغالبها شرك واستغاثات بالشياطين وهذه محرمة وهي من الشرك.
النوع الثالث: الشرك الأصغر في العبادات القولية:
1. الحلف بغير الله تعالى: اليمين عبادة من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله، فيحرم الحلف بغير الله تعالى. فمن حلف بغير الله سواء كان نبيا أو وليا أو كعبة أم غيرها فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ووقع في الشرك. وإن كان الحالف أشرك في لفظ القسم لا غير فهو من الشرك الأصغر، وأما إن كان الحالف قصد بحلفه تعظيم المخلوق الذي خلف به كتعظيم الله تعالى: فهذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله.
2. التشريك بين الله تعالى وبين أحد من خلقه بالواو:
العطف بالواو يقتضي مطلق الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، ولذلك فإنه يحرم العطف بها بين الله تعالى وبين أحد من خلقه في أي أمر من الأمور التي يكون للمخلوق فيها دخل في وقوعها، كأن يقال: ما شاء الله وشئت، أو يقال: هذا من بركات الله وبركاتك. وغيرها من الألفاظ. .

من كتاب بريق الجمان بشرح أركان الإيمان