حقوق دعت إليها الفطرة وقررتها الشريعة :
1- حق الله تعالى
هذا الحق أحق الحقوق وأوجبها وأعظمها لأنه حق الله تعالى العظيم الخالق، الحي القيوم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا بحكمة بالغة، حق الله تعالى الذي أوجدك من العدم. ولو حجب عنك فضله طرفة عين لهلكت ولو منعك رحمته لحظة لما عشت، فإذا كان هذا فضله عليك ورحمته بك فإن حقه عليك أعظم الحقوق، لأنه حق إيجادك وإعدادك وإمدادك، لا يريد منك رزقا ولا إطعاما، وإنما يريد منك: أن تعبده وحده لا شريك له، عبدا بمعاني العبودية، كما أنه ربك بمعاني الربوبية. لو كان لأحد من الناس عليك فضل لاستحييت أن تبارزه بالمعصية وتجاهره بالمخالفة، فكيف بربك الذي فضل عليك فهو من فضله، وكل ما يندفع عنك من سوء فمن رحمته. وإن هذا الحق الذي أوجبه لنفسه ليسير سهل على من يسره الله له. ذلك بأن الله لم يجعل فيه حرجا ولا ضيقا ولا مشقة. إنه عقيدة مثلى، وإيمان بالحق، وعمل صالح مثمر، قوامها المحبة والتعظيم وثمرتها: الإخلاص والمثابرة، خمس صلوات في اليوم والليلة يكفر الله بهن الخطايا ويرفع بهن الدرجات ويصلح بهن القلوب والأحوال. زكاة وهي جزء يسير من مالك تدفع في حاجة المسلمين للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين وغيرهم من أهل الزكاة. صيام شهر واحد في السنة ومن لا يستطيع الصيام لعجز دائم يطعم مسكينا كل يوم. حج البيت الحرام مرة واحدة في العمر للمستطيع . هذه هي أصول حق الله، وما عداها فإنما يجب لعارض، كالجهاد في سبيل الله.
2- حق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وهذا الحق من أعظم حقوق المخلوقين، فلا حق لمخلوق أعظم من حق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه} (الفتح 8-9). ولذلك يجب تقديم محبة النبي صلى الله عليه وسلم على محبة جميع الناس حتى على النفس والولد والوالد. ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم: توقيره واحترامه وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير غلو ولا تقصير، فتوقيره في حياته: توقير سنته وشخصه الكريم، وتوقيره بعد مماته: توقير سنته وشرعه القويم.وإن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر من الأمور الماضية والمستقبلة وامتثال ما به أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، والإيمان بأن هديه أكمل الهدى وشريعته أكمل الشرائع وألا يقدم عليها تشريع أو نظام مهما كان مصدره. ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم الدفاع عن شريعته وهديه بما يستطيع الإنسان من قوة بحسب ما تتطلبه الحال من السلاح.
3- الحق الثالث: حقوق الوالدين:
لا ينكر أحد فضل الوالدين على أولادهما، فالوالدان سبب وجود الولد، ولهما حق كبير، فقد ربياه صغيرا، تحملك أمك في بطنها وتعيش على حساب غذائها وصحتها لمدة تسعة شهور، ثم بعد ذلك حضانة ورضاع لمدة سنتين، والأب كذلك يسعى لعيشك وقوتك من حين الصغر حتى تبلغ أن تقوم بنفسك، ويسعى بتربيتك وتوجيهك ولذلك أمر الله الولد بالإحسان بوالديه إحسانا وشكرا. إن حق الوالدين عليك أن تبرهما، وذلك بالإحسان إليها قولا وفعلا بالمال والبدن، تتمثل أمرهما في غير معصية الله، وفي غير ما فيه ضرر عليك، تلين لهما بالقول وتبسط لها الوجه وتقوم بخدمتهما على الوجه اللائق لهما. ولقد جعل الله مرتبه حق الوالدين مرتبة عالية كبيرة حيث جعل حقهما بعد حقه المتضمن، لحقه وحق رسوله، وهذا يدل على أهمية حق الوالدين الذي أضاعه كثير من الناس، وصاروا إلى العقوق والقطيعة.
4- الحق الرابع :حق الأولاد:
الأولاد تشمل البنين والبنات، وحقوق الأولاد كثيرة من أهمها التربية: وهي تنمية الدين والأخلاق في نفوسهم حتى يكونوا على جانب كبير من ذلك، وقد أكد النبي على أن الأولاد أمانة في عنق الوالدين، وهما مسئولان عنهم يوم القيامة، وبتربيتهم التربية الدينية والأخلاقية يخرج الوالدان من تبعة هذه الرعية، ويصلح الأولاد فيكونون قرة العين في الدنيا والآخرة. ولقد استهان كثير من الوالدين بهذا الحق، فأضاعوا أولادهم ونسوهم كأن لا مسئولية لهم عليهم، من العجب أن هؤلاء حريصون كل الحرص على أموالهم بحفظها وتنميتها مع أنهم ينمون هذا المال لغيرهم، أما الأولاد فليسوا منهم في شيء مع أن المحافظة عليهم أولى وأنفع في الدنيا والآخرة. ومن حقوق الأولاد: أن ينفق عليهم بالمعروف من غير إسراف ولا تقصير لأن ذلك من واجب أولاده عليه، ومن شكر نعمة الله عليه بما أعطاه من المال. ومن حقوق الأولاد: أن لا يفضل أحدا منهم على أحد في العطايا والهبات، فلا يعطي بعض أولاده شيئا ويحرم الآخر، فإن ذلك من الظلم والجور، والله لا يحب الظالمين، ولأن ذلك يؤدي إلى تنفير المحرومين وحدوث العداوة بينهم وبين الموهوبين، ربما تكون العداوة بين المحرومين وبين آبائهم. ومتى قام الوالد بما يجب عليه للولد من التربية والنفقة فإنه حري أن يوفق للولد للقيام ببر والده، ومراعاة حقوقه، ومتى فرط الوالد بما يجب عليه من ذلك كان جديرا بالعقوبة بأن ينكر الولد حقه ويبتلى بعقوبة جزاءا وفاقا.
5- الحق الخامس : حقوق الأقارب:
للقريب الذي يتصل بك في القرابة كالأخ والعم والخال وأولادهم، وكل من ينتمي إليك بصلة فله حق هذه القرابة بحسب قربه. فيجب على كل قريب أن يصل قريبه بالمعروف، ببذل الجاه، والنفع البدني، والنفع المالي بحسب ما تتطلبه قوة القرابة والحاجة، وهذا ما يقتضيه الشرع والعقل والفطرة. وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه، تجد الواحد منهم لا يعرف قرابته بصلة لا بالمال ولا بالجاه ولا بالخلق. ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه ويقطعهم إذا قطعوه، وهذا ليس بواصل في الحقيقة وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره، فإن المكافأة لا تختص بالقريب، والواصل حقيقة: هو الذي يصل قرابته لله، ولا يبالي سواء وصلوه أم لا. ولو لم يكن في صلة الرحم إلا أن الله يصل الواصل في الدنيا والآخرة، فيمده بالرحمة، وييسر له الأمور، ويفرج عنه الكربات مع ما في صلة الرحم من تقارب الأسرة وتوادهم؟
6- الحق السادس: حق الزوجين:
للزواج آثار هامة ومقتضيات كبيرة، فهو رابطة بين الزوج وزوجته، يلزم كل واحد منهما بحقوق الآخر: حقوق بدينة، وحقوق اجتماعية، وحقوق مالية. فيجب على الزوجين أن يعاشر كل منهما الآخر بالمعروف، وأن يبذل الحق الواجب له بكل سماحة وسهولة من غير تكره لبذله ولا مماطلة. كما يجب للمرأة أن تبذل لزوجها ما يجب عليها بذله، ومتى قام كل واحد من الزوجين بما يجب عليه للآخر كانت حياتهما سعيدة، ودامت العشرة بينهما، وإن كان الأمر بالعكس حصل الشقاق والنزاع. ولقد جاءت النصوص الكثيرة بالوصية بالمرأة ومراعاة حالها، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة كيف يعامل الرحل المرأة، وأنه ينبغي أن يأخذ منها ما تيسر، لأن طبيعتها التي منها خلقت ألا تكون على الوجه الكامل. وإن كثيرا من الأزواج يريدون الحالة الكاملة من زوجاتهم، وهذا شيء غير ممكن، وبذلك يقعون في النكد. ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يقوم بواجب نفقتها من الطعام والشراب والكسوة والمسكن وتوابع ذلك. ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يعدل بينها وبين جارتها(الزوجة الثانية) إن كان له زوجه ثانية، يعدل بينهما في الإنفاق والمسكن والمبيت وكل ما يمكنه العدل فيه، فإن الميل إلى أحداهما كبيرة من الكبائر. أما ما لا يمكنه أن يعدل فيه كالمحبة وراحة النفس فإنه لا إثم عليه فيه، لأن هذا بغير استطاعه. ولكن لو فضل إحداهما على الأخرى في المبيت برضاها فلا بأس كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة حين وهبته سودة لعائشة. أما حقوق الزوج على زوجته فهي أعظم من حقوقها عليه، والرجل قوام على المرأة يقوم بمصالحها وتأديبها وتوجيهها. فمن حقوق الزوج على زوجته أن تطيعه في غير معصية الله، وأن تحفظه في سره وماله. فمن حقوقه عليها: ألا تعمل عملا يضيع عليه كمال الاستمتاع، حتى لو كان ذلك تطوعا بعباده. ولقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا الزوج عن زوجته من أسباب دخولها الجنة .
7- الحق السابع: حقوق الولاة والرعية:
الولاة هم الذي يتولون أمور المسلمين، سواء كانت الولاية عامة كالرئيس الأعلى في الدولة، أم خاصة كالرئيس على إدارة معينة أو عمل معين، وكل هولاء لهم حق يجب القيام به على رعيتهم ولرعيتهم عليهم حق.
فحقوق الرعية على الولاة: أن يقوموا بالأمانة التي حملهم الله إياها والزامهم القيام بالنصح للرعية والسير بها على النهج القويم. وأما حقوق الولاة على الرعية فهي النصح لهم فيما يتولاه الإنسان من أمورهم، وتذكيرهم إذا غفلوا والدعاء لهم. ومن حقوق الولاة على الرعية مساعدة الرعية لولاتهم في مهماتهم بحيث يكونون عونا لهم على تنفيذ الأمر الموكل إليهم.
8- الحق الثامن: حق الجيران:
الجار هو القريب منك في المنزل وله حق كبير عليك، فإن كان قريبا منك في النسب وهو مسلم فله ثلاثة حقوق: الجوار والقرابة والإسلام. وكذلك إن كان قريبا وليس بمسلما فهل حقان الجوار والقرابة. وإن كان بعيدا غير مسلم فله حق واحد حق الجوار. فمن حقوق الجار على جاره أن يحسن إليه بما استطاع من المال والجاه والنفع ، ومن الإحسان إلى الجار تقديم الهدايا إليه في المناسبات. ومن حقوق الجار على جاره: أن يكف عنه الأذى القولي والفعلي . وكثير من الناس الآن لا يهتمون بحق الجوار، ولا يأمن جيرانهم من شرورهم، وهذا مخالف لما أمر الله به ورسوله.
9- الحق التاسع: حقوق المسلمين عموما:
وهذه الحقوق كثيرة جدا: الحق الأول: السلام، فالسلام سنة مؤكدة وهو من أسباب تآلف المسلمين وتوادهم. والسنة أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، ولكن إذا لم يقم بالسنة من هو أولى بها فليقم بها الآخر لئلا يضيع السلام. وإن كان البدأ بالسلام سنة فإن رده فرض كفاية إذا قام به من يكفي أجزأ عن الباقين فإذا سلم على جماعة فرد واحد منهم أجزأ عن الباقين. الحق الثاني: إذا دعاك فأجبه، أي إذا دعاك إلى منزله لتناول طعام أو غيره فأجبه، والإجابة إلى الدعوة سنة مؤكدة. الحق الثالث: إذا استنصحك فانصحه يعني إذا جاء إليك يطلب نصيحتك له في شيء فانصحه لأن هذا من الدين، وحتى إن لم يأت يطلب النصيحة فإن كان عليه ضرر أو إثم سيقدم عليه وجب عليك أن تنصحه . الحق الرابع: إذا عطس فحمد الله فشمته:أي قل له: يرحمك الله، شكرا له على حمده لربه عند العطاس ، أما إذا عطس ولم يحمد الله فإنه لا حق له فلا يشمت. وتشميت العاطس إذا عطس فرض. الحق الخامس: إذا مرض فعده، وعيادة المريض زيارته ، وهي حق له على إخوانه المسلمين. الحق السادس إذا مات فاتبعه: فاتباع الجنازة من حقوق المسلم على أخيه وفيه أجر كبير. الحق السابع: ومن حقوق المسلم على المسلم كف الأذى عنه: فإن في إيذاء المسلمين إثما عظيما، والغالب أن من تسلط على أخيه بأذى فإن الله ينتقم منه في الدنيا قبل الآخرة. وحقوق المسلم على المسلم كثيرة وهي جامعة في قول النبي صلى الله عليه وسلم {المسلم أخو المسلم}
10- الحق العاشر: حق غير المسلمين:
غير المسلمين يشمل جميع الكافرين، وهم أربعة أصناف: حربيون، ومستأمنون، ومعاهدون، وذميون. فأما الحربيون فليس لهم علينا حق الحماية أو الرعاية. وأما المستأمنون فلهم علينا حق الحماية في الوقت والمكان المحديين لتأمينهم. وأما المعاهدون: فلهم علينا الوفاء بعهدهم إلى المدة التي جرى الاتفاق عليها بيننا وبينهم ما داموا مستقيمين لنا على العهد الذي لم ينقصوا منه شيئا. وأما الذميون: فهم أكثر هؤلاء الأصناف حقوقا فيما لهم وعليهم، ذلك لأنهم يعيشون في بلاد المسلمين، وتحت حمايتهم. فيجب على ولي الأمر أن يحكم فيهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض وأن يقيم الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه، ويجب عليه حمايتهم وكف الأذى عنهم.