مصر سبقت غيرها من الدول العربية والإسلامية في مسألة الدعوة لما يسمى بـ"تحرير المرأة"، بل تعتبر التجربة المصرية بالنسبة لكثير من دعاة التبرج والسفور النموذج الملهم في الشرق الأوسط لما يسمونه بقضايا تمكين المرأة، لكن هل اعتبر من يحتذون ويقلدون التجربة المصرية بما وصلت إليه معركة الحجاب والسفور في وقتنا الحاضر في مصر،أم أن هؤلاء تسمرت عيونهم عند بداية المعركة دون النظر إلى المآل وإلى النهاية التي وصلت إليها.



محاولات التغريب في مصر:
خاضت النخبة المتغربة في مصر على مدار قرنين من الزمان ، منذ عهد "رفاعة رافع الطهطهاوي"وحتى وقتنا الحاضر، معارك ضارية وشرسة في محاولة لإخراج المرأة المصرية المسلمة عن تعاليم دينها للتشبه بالمرأة الأوربية في الملبس والمظهر والأخلاق ونمط الحياة وبذلت هذه النخب في هذا السبيل جهوداَ جبارة من مؤتمرات وندوات وتظاهرات وسنت القوانين الصارمة التي تفرض السفور وأنفقت الأموال الطائلة للدعاية لخروج المرأة من بيتها سافرة متبرجة ولتحفيز النساء التشبه بنساء الغرب، ومورست العديد من الضغوط الداخلية والخارجية وتم تغيير مناهج التعليم لترسخ هذه الدعوة في نفوس الناشئة، وكما تم استغلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لخدمة عملية التغريب المرأة، كما قمع واضطهد أي صوت يعارض دعاة السفور ووصف بعشرات النعوت المنفرة من التزمت والرجعية والتشدد وغيرها... لكن بعد كل هذه الجهود هاهم دعاة السفور يعترفون بفشلهم في مساعيهم، وتتجه المرأة المصرية طواعية بعد أن ترك لها الخيار إلى المنزل وتلتزم بالحجاب عن رضا وقبول، فخلال الـ25 سنة الماضية شهد المجتمع المصري حالة من التوسع في إقبال المصريات على ارتداء الحجاب بأشكاله وأنماطه المختلفة، حتى صار مشهد المرأة السافرة في كثير من مصر منظرا مستهجنا ويبعث على الاشمئزاز.


اعترافات الطبقة المتغربة :
نشرت صحيفة "كريستيان مونتيور"بحثاً عما تسميه الصحيفة الإنجازات التي حققتها المرأة المصرية في ميادين العلم والدراسات الاجتماعية و قالت الصحيفة: "شيء غريب في مصر لقد كانت الأمهات من جيل "هدى شعراوي" أكثر تحرراً و تقدماً من بعض الفتيات في مصر الآن.. الفتيات المحجبات و المتشددات ! و معنى ذلك أن هدى شعراوي و جيلها كن أكثر تحرراً و تطوراً من فتيات اليوم بنات وحفيدات "هدى شعراوي".

وهذه "أمينة السعيد"، أحد أبرز الشخصيات النسائية التي كانت تدعو للسفور، تصف الحجاب بأنه ثياب ممجوجة وتقول وقد ملأتها الحسرة: فتيات يخرجن إلى الشارع والجامعات بملابس قبيحة المنظر يزعمن أنها زي إسلامي لم أجد ما يعطيني مبرراً منطقياً معقولاً لالتجاء فتيات على قدر مذكور من التعليم إلى لف أجسادهن من الرأس إلى القدمين بزي هو والكفن سواء.

ويقول "زكي نجيب محمود" أحد رموز العلمانية في مصر: "أصابت المرأة المصرية في أيامنا هذه نكسة ارتدت بها إلى ما قبل.. هناك اليوم عشرات الألوف من النساء المرتدات ينزلقن تطوعاً إلى هوة الماضي.. و المأساة أن المرأة اليوم تتبرع سلفاً بحجاب نفسها قبل أن يأمرها بالحجاب والد أو زوج ، إن أبشع جوانب هذه الردة في حياة المرأة المصرية ليس أن أحداً يتدخل في شئون حياتها ليس هو أنها تريد أن تتعلم إلى آخر المدى فيمنعها أحد لأن أحداً لا يمنعها من ذلك و ليس هو أنها تريد أن تعمل بما تعلمته فيمنعها أحد لأن أحداً لا يقفل في وجهها أبواب العمل و إنما الجانب البشع من تلك الردة هو أن المرأة اليوم تريد أن تجعل من نفسها – و بمحض اختيارها – حريماً يتحجب وراء الجدران أو يتستر وراء حجب وبراقع".

ثم يصف زمن السفور متحسراً عليه قائلاً: "ذلك زمن أوشك على الذهاب مع رائدات الجيل الماضي.. إن في طائفة كبيرة من نساء هذا الجيل و بناته نكوصاً على الأعقاب بالقياس إلى الطموح الذي تميزت به أمهاتهن في الجيل الماضي و أنها لمفارقة شديدة في أي مجتمع أن ترى الجيل الأصغر منه سلفياً بدرجة تزيد على الحد المألوف و ترى الجيل الأكبر منه أقل سلفية.. و بينما الشباب الثائر في البلاد الأخرى كان يحتج على أوضاع الحياة الراهنة رأينا ثورة شبابنا تحتج هي الأخرى على أوضاع الحياة الراهنة و تدعو إلى العودة بها إلى نموذج السلف.

وتقول الدكتورة "زينب رضوان": " انتشر الحجاب بين الطبقة المثقفة قبل العوام و هذا على عكس ما هو متعارف عليه ونفس هذه الطبقة المثقفة هي التي رفضت الحجاب في زمن " هدى شعراوي " و خلعته وداسته..! و هي ذاتها التي عادت تنادي به و بالعودة إلى الأصالة بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من المحجبات من الطبقة الوسطى و هي الطبقة التي تقود التغيير في أي مجتمع صحيح أنه انتشر أيضاً بين الطبقة الأرستقراطية و لكن بنسبة أقل ".

هذه الصرخات وغيرها أطلقها دعاة التغريب مع بداية انتشار الحجاب في بداية السبعينيات من القرن الماضي، أما في عصرنا الحاضر فإن الحجاب أصبح السمة الرئيسية والوحيدة للمرأة في القرى والمدن المصرية ولم يعد السفور إلا في أوساط معينة وأماكن ووظائف معينة، بل المرأة المصرية المسلمة تحارب من أجل التمكين للحجاب داخل هذه الوظائف والأماكن.. ومن ذلك قضية المذيعات المصريات اللاتي منعن من الظهور على التلفاز بسبب ارتداء الحجاب، فازداد تمسكهن بالحجاب أكثر عقب هذا المنع ورفعن دعاوي في القضاء المصري يطالبن بالسماح لهن بالظهور مرة أخرى وهن يرتدين الحجاب، وأمام هذا الإصرار سمح لهن بالعودة مرة أخرى إلى عملهن، ورد الفعل العنيف تجاه تصريحات وزير الثقافة المصري "فاروق حسني" والمطالبة في مجلس الشعب بإقالته عندما هاجم المرأة التي ترتدي الحجاب تبرز مدى تمكن الحجاب في المجتمع المصري، ولا نكون مبالغين إن قلنا أن أغلب الأنشطة النسائية والجمعيات النسوية في مصر في وقتنا هذا تقودها ناشطات إسلاميات ولهن نشاط بارز ومحمود في دعوة المرأة المصرية إلى الالتزام بتعاليم دينها.


هل يستوعبون الدرس..؟
أسوق هذه التجربة وهذه التصريحات لرواد دعاوي التحرير والسفور لأذكر بها تلامذتهم في بلاد الخليج العربي، وخاصة في المملكة العربية السعودية، بلاد الحرمين الشريفين، التي ما تزال المرأة فيها محافظة على دينها وقيمها وأخلاقها ومعتزة بحجابها، حتى أوفر عليهم مرارة التجربة التي خاضها دعاة التغريب في مصر، ليس في مصر فحسب بل وفي تركيا رمز العلمانية في العالم الإسلامي حيث نسمع ونرى كل يوم عن عودة المئات بل الألوف للالتزام بالحجاب وإصرار المرأة التركية بعد قرن من التغريب على الاستمساك بدينها حتى دخل الحجاب قصر الرئاسة، وأيضا في تونس التي فرضت السفور على المرأة بالحديد والنار وعلى الرغم من ذلك تواجه المرأة التونسية هذا الاضطهاد بصبر وثبات وتزداد كل يوم عودتها لتعاليم دينها وتمسكها بحجابها.. فهل يتعظ دعاة التغريب والسفور في بلاد الخليج بهذه التجارب ويكفوا عن التهليل والتطبيل كلما خرجت امرأة عن تعاليم وقيم دينها ومجتمعها.. ويوفروا جهودهم للدعوة لنهضة حقيقية بمجتمعاتهم تشارك فيها المرأة بما وهبها الله من طبيعة تميزها عن الرجل دون أن تخرج على تعاليم دينها وقيم مجتمعاتها، ويبدأوا من حيث انتهى الآخرون ليختصروا الزمن ولا يعرضوا مجتمعاتهم لنفس الأزمات التي تعرض لها غيرهم ويحمدوا الله على ما منّ به على بلادهم من الالتزام بتعاليم الدين والنجاة من الفتن والشرور، فهل يعون درس التاريخ... وقديما قالت العرب "السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ بنفسه".

منقووووووووووووول للفائده اختكم با الله حنين الشاميه وتئبلو مروري بارك الله فيكم