بسم الله الرحمن الرحيم
طيب ..
جزاكِ الله خيراً أختنا الكريمة ..
واسمحي لي أن أقف بعض الوقفات مع ما تفضلتي بنقله أعلاه :
أولاً ..
بالنسبة لما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ذلك الفتى .. فليس فيه صراحةً أن ذلك الفتى كان يحيض .. كل ما في الأمر أن عمر رضي الله عنه سأله سؤالاً استنكارياً عن سبب إطالته لإزاره بتلك الصورة .. وقد تعجَّب الفتى نفسه وسأل الفاروق إن كان يحيض الرجل ..
وبالتالي .. فلن نقف مع هذه القصة ولن نتاولها لكونها لم تُصرَّح بأن ذلك الفتى كان يحيض كما تحيض النساء ..
وأما بالنسبة لما جاء في قصة قضاة بني إسرائيل الثلاثة .. فينطبق عليها ما ينطبق على قصة عمر رضي الله عنه مع الفتى .. حيث لا يوجد فيها ما ينص صراحة على أن ذلك القاضي كان يحيض كما تحيض المرأة .. وإنما قال ذلك من باب إلزام الطرف الآخر لا أكثر ..
ثانياً :
بالنسبة لما رواه الفاكهي في أخبار مكة :
فقدروى الفاكهي في أخبار مكة (5/238 /باب ذكر الرجل الذي كان يحيض كما تحيض المرأة ) حدثنا أبو الحسن حامد بن أبي عاصم حدثنا عبد الرحمن بن العلاء المكي في إسناد ذكره قال : ( كان أبو كعب رجلا يحيض كما تحيض المرأة فنذر لئن عافاه الله ليحجن وليعتمرن فعافاه الله من ذلك فكان يحج كل عام فأنشد في ذلك شعراً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل جملك يا أبا كعب . فقال : شرد والذي بعثك بالحق منذ أسلمت).
فلي معه وقفات :
أولاً :
بالنسبة لـ(أبو كعب) الذي ذكره الفاكهي أعلاه .. فقد قال عنه ابن حجر العسقلاني في (الإصابة في معرفة الصحابة) بعد أن أورد رواية الفاكهي أعلاه بأنه (أي أبو كعب) غير منسوب (هكذا) .. أي لا يُعرف نسبه ..
ثانياً :
بالنسبة إلى أنه كان يحيض كما تحيض النساء .. فأقول :
يُحتمل أن ما كان يُعاني منه ذلك الرجل (أبو كعب) هو مرض يتسبب في خروج الدم منه .. وليس حيضاً حقيقياً كالحيض المعروف وبصورته المعهودة لدى النساء .. فمن المعلوم أن "ميكانيكية" الحيض تتطلب وجود أعضاء داخلية لا توجد إلا لدى النساء .. وهي غير موجودة لدى الرجال خلقة .. ما يستحيل معه أن يحدث الحيض للرجل بذات الطريقة والصفة التي تحدث لدى المرأة بما يُمكِّننا من تسميته حيضاً ووصفه بأنه كحيض النساء (والنساء أعرف بذلك وأبخص) ..
ومما يُقوِّي احتمالية أن ما كان يُعاني منه (أبو كعب) هو مرض وليس حيضاً كحيض المرأة قوله : (
فنذر لئن عافاه الله) .. ما يدل على أن ما كان به هو مرض عارض وليس خِلقة وجبلَّة جُبل عليها ..
ثالثاً :
ماذا يُمكن أن يكون ذلك المرض ؟! ..
أظن والله تعالى أعلم وأحكم .. أن مرضه لا يعدو أحد شيئين :
الأول (وهو الأقوى عندي) :
أن يكون ذلك المرض يتسبب في خروج الدم من (ذكره) .. وهذا يعني أنه كان يُعاني من المرض المعروف اليوم بـ(البلهارسيا) .. وهو مرض ينتج عن شرب المياه المشكوفة غير المعقمة .. ويتسبب في خروج الدم من مجرى البول وهو من أقوى وأظهر وأميز علامات ذلك المرض ..
وقد عرف العرب قديماً هذا المرض الذي تنتقل عدواه بالماء وذكروه وصفاً لا اسماً .. حيث جاء في (معجم ما استعجم) لأبي عبيد البكري هذا النص الذي يدل على علاقة هذا المرض بالماء :
"ثم يفضي الي غدير الطفيتين وهو من اعذب ماء يشرب
إلا أنه يبيل الدم"
وهذا هو ما يُطلق عليه علمياً " مرض البلهارسيا" !! ..
أما الاحتمال الثاني :
أن يكون المرض الذي أصاب ذلك الرجل هو المرض المعروف اليوم بـ(البواسير) .. الذي من أعراضه خروج الدم من الدبر .. ولأن تلك هي صفته فيُحتمل أن يُسميه بعضهم "حيضاً" .. وهو بالطبع ليس كذلك ..
بيد أن ما يُضعف هذا الاحتمال .. أن مرض البواسير كان معروفاً منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .. فقد جاء في البخاري ذكر "البواسير" في حديث عمران بن حصين :
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
كَانَتْ بِي
بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ .
وقد ورد هذا الحديث في الكثير من كتب الحديث وكتب الفقه ..
لذا .. يظل الاحتمال الأول (إصابته بالبلهارسيا) هو الأقوى والأقرب إلى الصواب وإلى ما يقبله العقل .. لاستحالة أن يحيض الرجل حيضاً كما تحيض المرأة ..
وما جاء أعلاه ينطبق على ما ذكره صاحب (خزانة الأدب) عن (أبي معكت) ..
والله تعالى أعلم وأحكم ..
وأعتذر عن الإطالة ..
تحياتي ،،،
الروابط المفضلة