هل تريد المداومة على الطاعات .. عليك بالتدرج .
يشتكي الكثير من التقصير في المداومة على الطاعات والعبادات حتى وصلت بنا الأمور إلى التقصير في فرائض الله عز وجل وهذه مصيبة كبيرة أن نقصر في حق واجب لله عز وجل ونحن نعلم بأننا معروضون يوم لا ينفع مال ولا بنون أمام الله عز وجل .. فما هي الطريقة الأمثل للمداومة على الطاعة والذكر ..؟؟
لكي نستطيع المداومة على الفرائض والطاعات علينا بالتدرج في ذلك وسوف نشرح بشئ من التفصيل عن كيفية تسخير هذه الطريقة في سبيل أن نجعل عبادتنا وطاعتنا دائمة كجزء لا يتجزأ من بقية أعمالنا اليومية .. طبعا انا أتكلم هذا الكلام وأنا اعلم جيدا أن الكثيرين وأنا أولكم مقصرين في جنب الله وأي تقصير هذا فقد أصبحنا ندع الأولوية للدنيا وملهياتها ومن ثم ندع الفرائض والعبادات في الأمور الثانوية هذا إن كان هناك أصلا من يفعل ذلك إلا من رحم ربنا ..!!
لنفترض أنّك تريد أن تهدى إنسان على الطريق المستقيم مع الأخذ في الاعتبار أنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .. فتريد أن تأخذ بيد هذا الأخ إلى طريق النجاة والمداومة على طريق الالتزام وأن تكسب أجرا خيرا من حمر النعم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يهدي الله بك رجلا.. خير لك من حمر النعم " فتبدأ بالتقرب من هذا الأخ شيئا فشيئا فمن ابتسامة بشوشة في وجهه إلى هدية إلى توثيق لروابط هذه العلاقة والطرق كثيرة على ذلك نتطرق إليها في مقالة أخرى حتى تجد أن علاقتك مع هذا الأخ تقتضي أن تمسك بيده إلى طريق الالتزام وتعريفه بمبادئ ديننا الحنيف وكيف أداء الصلوات الخمس وشرح ما تعلمته من ديننا من فقه وعقيدة وسيرة نبوية .. حتى يستطيع هذا الأخ فيما بعد أن يحمل الرسالة إلى الآخرين فتخيل أخي بتدرجك في هداية هذا الأخ كم كسبت من أجر عند الله عز وجل..!!
وللتدرج أصول وأحكام فإذا ما قد عزمنا المداومة على الصلوات الخمس ووجدنا أن عندنا تقصير في ذلك نحتاج إلى التدرج.. فعلى سبيل المثال يشتكي العديد من المشقة في القيام لصلاة الفجر وهذا يتأتي من شدة وكثرة الذنوب والمعاصي ولكن لنا في التدرج طريقا للخلاص من هذه الآفة والوصول إلى المداومة على صلاة الفجر وذلك بأن يحاول الإنسان أن يقرأ الطرق الوافية للاستيقاظ لصلاة الفجر وهي موجودة وبإمكان أي إنسان أن يطلع عليها وأهمها أن تخلص النية لله ومن ثم تخلد إلى النوم في وقت مبكر وتستيقظ في ساعة مناسبة تكون قد أخذت فيها حقك من النوم وهذه الرسالة إلى الإخوة المقصرين في صلاة الفجر ومن ثم تعوّد نفسك أن تستيقظ في هذا الوقت لمدة أسبوع وفي الأسبوع الذي يليه تؤخر ميعاد استيقاظك نصف ساعة وتستمر على ذلك لمدة أسبوع وبعدها تؤخر ميعاد استيقاظك إلى ميعاد أداء صلاة الفجر وتشعر حينها بأنك قد تعودت على الاستيقاظ والمداومة عليها مع إخوانك وبذلك قس على بقية الأمور ..
التدرج في الأعمال هو الطريقة الأمثل لأدائها بالطريقة الأفضل وهي طريقة تعوّدك على المداومة في أعمالك الدنيوية التي توصلك إلى جنة عرضها السموات والأرض وهناك خطأ يقع به الكثير من الإخوة للأسف الشديد وهو خطأ شائع فحين يلتزم إنسان ما تجده ينظر نظرة كبرياء إلى من حوله وتشعر أن أنفه أصاب عنان السماء من الكبرياء وينظر للآخرين الغير ملتزمين بنظرة فوقية تملؤها التنفير منه فقد ذكر أن أحد الإخوة الملتزمين حديثا قد أوصاه والده بأن يشتري له علبة من السجائر فنظر له ولده بنظرة فوقية وبلهجة غاضبة قال له : سجائر يا كافر ..!! ولم يستحضر قول رسولنا صلى الله عليه وسلم : " من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض " وغابت عن ذهنه طريقة مثلى في التخلص من هذه العادة الذميمة وهي طريقة التدرج فكان حريّا بهذا الأخ أن ينصح والده عن مخاطر التدخين ويبين له أحكامه في الشريعة الإسلامية والطرق كثيرة لبيان ذلك ولكن أسلوبه الجاف مع والده قد تجعل والده يصرّ على المعصية والمداومة على هذه العادة الذميمة وبذلك يكون الأخ قد كسب إثمين والعياذ بالله ..!
لنرجع إلى نزول القرآن الكريم .. فلم ينزل مرة واحدة ولكن نزل تباعا على الرسول صلى الله عليه وسلم والحكمة في ذلك أن الفائدة المرجوة من التدرج هو أن تصل الفائدة ويعم الفهم لآيات كتاب الله عز وجل فالتدرج سنة من سنن الله عز وجل ونحن بحاجة إليها في كافة المجالات
يقول الشيخ القرضاوي – حفظه الله - :
من التيسير المطلوب في الشريعة: مراعاة سُنَّة التَّدَرُّج، جَرْيًا على سُنَّة الله ـ تعالى ـ في عالَم الخَلْق، وعالَم الأمر، واتباعًا لمنهج التشريع الإسلامي في فرض الفرائض من الصلاة والصيام وغيرهما، وفي تحريم المُحرَّمات كذلك.
أريد أن أنوه إلى نقطة أخيرة ومهمة وهي أنني لا أقصد بالتدرج مجرد التسويف وتأجيل التنفيذ، واتخاذ كلمة التدرج "تكأة" للتهرب من المداومة على الطاعات والعبادات والفرائض ..!
وإنما قصدت أن تضع هدفا أمامك ومن ثم خطة ومراحل لتطبيق المداومة على الفريضة أو الطاعة التي تقصر فيها حتى تصل في النهاية إلى المداومة هو نفس المنهاج الذي سلكه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ومن المواقف التي لها مَغْزَى ما رواه المؤرخون عن عمر بن عبد العزيز، الذي يَعُدُّه علماء المسلمين "خامس الخلفاء الراشدين" وثاني العمرين؛ لأنه سار على نَهْج جده الفاروق عمر بن الخطاب: أن ابنه عبد الملك ـ وكان شابًا تَقِيًّا مُتَحْمِسًا ـ قال له يومًا: يا أبتِ، مالكَ لا تنفذ الأمور؟ فواللهِ ما أُبالِي لو أن القدور غَلَتْ بي وبكَ في الحقِّ!!
يريد الشاب التقي الغيور من أبيه ـ وقد وَلاَّه الله إمارة المؤمنين ـ أن يقضي على المظالم وآثار الفساد والانحراف دفعة واحدة، دون تريُّث ولا أناة، وليكن بعد ذلك ما يكون!
ولكنَّ الأب الراشد قال لابنه: لا تَعْجَلْ يا بُنَيَّ، فإن الله ذَمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرَّمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدعوه جملة، ويكون من ذا فتنة!
يريد الخليفة الراشد أن يُعالِج الأمور بحكمة وتدرُّج، مهتديًا بسُنَّة الله ـ تعالى ـ في تحريم الخمر، فهو يُجَرِّعهم الحق جُرْعةً جرعة، ويَمضي بهم إلى المنهج المنشود خُطوة خطوة. هذا هو الفقه الصحيح.
الروابط المفضلة