الحمد لله رب العالمين نحمده تعالى ونستعينه ونستغفر ه ونستهديه ونعوذ به من شرور النفس وسوء العمل
ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له و نشهدُأن محمداً عبده الله و رسول

نسأل الله تعالى أن يصلح فسادقلوبنا

وأن يذكرما من القرآن ما نسينا
كما نسأله تعالى أن يجعل لنا من اليقين ما يبلغنا به جنته ومن العمل الصالح ما يهون به علينا مصائب الدنيا

وبعد أحبتى الكرام

بقول الحق سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين

((إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد))

صدقت ربنا وتعاليت

احبتى فى الله

إعلموا أن القران الكريم جلاء للقلوب ومفرج للهموم والكروب من هنا نرى ان

قول الله تعالى ((لمن كان له قلب)) لدليل كاف مقنع على أن العبد لابد من إستحضار عظمة الله تعالى

ونرى أن
الامام ابن القيم يقول:

إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته و

سماعه، وأَلْقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه

منه وإليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله ، قال تعالى‏:‏ ‏ «‏إن في ذلك

لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» ‏ ‏‏الآية‏:‏ 37 من سورة

ق‏. وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتض، ومحل قابل،

وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك

كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد


فقوله تعالى‏:‏ ‏ «‏إن في ذلك لذكرى» ‏ إشارة إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا، وهذا هو المؤثر،

وقوله تعالى‏:‏ ‏ «‏ لمن كان له قلب» ‏ فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله،

كما قال تعالى‏:‏ ‏ «‏إن هو إلا ذكر وقرآن مبين‏.‏ لينذر من كان حيًّا» ‏ ‏الآيتان‏:‏ 69‏.‏ 70 من سورة يس‏. أي

حي القلب‏.‏ وقوله‏:‏ ‏ «‏أو ألقى السمع» ‏ أي وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط

التأثر بالكلام‏.‏ وقوله تعالى ‏ «‏و هو شهيد» ‏ أي شاهد القلب حاضر غير غائب‏ قال ابن قتيبة ‏ ‏:‏ استمع

كتاب الله، وهو شاهد القلب والفهم، ليس بغافل ولا ساه، وهو إشارة إلى المانع من حصول التأثير،

وهو سهو القلب وغيبته عن تعقل ما يقال له، والنظر فيه وتأمله، فإذا حصل المؤثر وهو القرآن،

والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب

وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلى شيء آخر، حصل الأثر وهو الانتفاع و التذكر‏ .

فإن قيل‏:‏ إذا كان التأثير إنما يتم بمجموع هذه، فما وجه دخول أداة ‏ «‏أو‏» ‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏ «‏أو ألقى

السمع» ‏ والموضع موضع واو الجمع ‏ «‏ يقصد واو العطف التي تجمع بين شيئين فحينما تقول‏:‏ جاء

محمد وعلي، فقد اجتمع مجيء كل منهما» ‏ لا موضع ‏ «‏أو‏» ‏ التي هي لأحد الشيئين‏.

قيل‏:‏ هذا سؤال جيد، والجواب عنه أن يقال‏:‏ خرج الكلام بـ ‏ «‏أو‏» ‏ باعتبار حال المخاطب المدعو، فإن

من الناس من يكون حي القلب و اعيه، تامّ الفطرة، فإذا فكَّر بقلبه وجال بفكره، دله قلبه وعقله على

صحة القرآن وأنه الحق، وشهد قلبه بما أخبر به القرآن، فكان ورود القرآن على قلبه نوراً على نور

الفطرة‏.‏ وهذا وصف الذين قيل فيهم‏:‏ ‏ «‏و يرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق»

‏‏الآية‏:‏ 6 من سورة سبأ‏.‏‏‏ وقال في حقهم‏:‏ ‏ «‏ الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح

المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد

زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء» ‏ فهذا نور الفطرة على نور

الوحي‏.‏ وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الآية من

الأسرار والعبر في كتاب ‏ «‏اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة و الجهمية ‏» ‏ فصاحب القلب

يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه، فهو يقرأها عن ظَهْر قَلْب‏.

ومن الناس من لا يكون تامَّ الاستعداد، واعي القلب، كامل الحياة، فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق

والباطل، ولم تبلغ حياة قلبه ونوره و زكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي، فطريق حصول

هدايته أن يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معاينه، فيعلم حينئذ أنه الحق‏.

فالأول حال من رأى بعينه ما دعي عليه وأخبر به‏.‏ والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال‏:‏‏

‏ « ‏ يكفيني خبره‏» ‏ فهو في مقام الإيمان، والأول في مقام الإحسان‏.‏

هذا وقد وصل إلى علم اليقين، وترقى قلبه منه إلى منزلة عين اليقين، وذاك معه التصديق الجازم الذي

خرج به من الكفر ودخل به في الإسلام‏.‏ فعين اليقين نوعان‏:‏ نوع في الدنيا ونوع في الآخرة، فالحاصل

في الدنيا نسبته إلى القلب كنسبة الشاهد إلى العين‏.‏ وما أخبرت به الرسل من الغيب يعاين في الآخرة

بالأبصار، وفى الدنيا بالبصائر،‏ « ‏البصائر‏:‏ من البصيرة وهي التعقل والفطنة والانتباه‏.‏‏» ‏ فهو عين

يقين في المرتبتين‏.‏

نسأل الله تعالى أن يمتعنا بأبصارنا

وأن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا

وأن يعلمنا سبحانه وتعالى تدبره

وأن ينزلل علينا رحماته ومغفرته

وأن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا

وأن يعلمنا منه ما جهلنا وان يذكرنا منه ما نسينا

وصلى الله على رسول الله