مجموعة من الطلبة يدرسون في بلد شيوعي وكانوا يقضون العطلة الأسبوعية في أحد الأرياف ، يتمتعون بالنظر في عجائب مخلوقات الله تبارك ونتعالى

فجمال الحدائق والرائحة المنبعثة من الزهور تضفي على النفس أحاسيس ... هذه الأحاسيس فطرتها تقول " كل شيء يدل على أنه واحد "

الواحد هو القائل :

أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ، ثُمَّ شَقَقْنَا الأرْضَ شَقّا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّا ، وَعِنَبًا وَقَضْبًا ، وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً ، وَحَدَائِقَ غُلْبًا ، وَفَاكِهَةً وَأَباً

وذات مرة وبينما الأخوة يتجولون في إحداى الحدائق إذ لفت انتباههم امرأة كبيرة في السن تناديهم من مسافة .. وتدعوهم لمقابلتها . سبحان الله ! ! ماذا تريد هذه المرأة ؟ وعند حضورهم إليها إذ يجدونها في حالة خوف وفزع وارتباك هذا بجانب أنها فقيرة . . . رثة ثيابها .. .

والناظر إليها لعله يقول " قد لا تملك إلا هذه الثياب البالية" .

وعندما أرادت التحدث إليهم طلبت منهم أن يكتموا ما يدور في هذه المقابلة . . . لماذا تريد الكتمان ؟ لأنها تعيش في بلد شيوعي . .. يحارب الله ورسوله . والآن . . . ماذا تريد من هذه المقابلة ؟ لا تتعجلي يا أختي الفاضلة . . . وها أنا أسرد قصتها . . .

لقد طلبت من الشباب شيئا ما .. . أتعرفينه ؟ لا بد وأن يتبادر إلى ذهنك . .. المال . .. لما هي عليه من فقر مدقع وهذا المال يقضي حوائجها . . . وتشتري به على الأقل الثياب التي ترتديها . لم تطلب المال . . . لقد طلبت شيئا آخر ، لقد طلبت منهم أن يأتوها بخير كتاب منزل لقد طلبت نسخة من القرآن الكريم الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

وما كان من الأخوة إلا أن وعدوها بأن يأتوا به في الأسبوع القادم بإذن الله تعالى . . وبعد مرور أسبوع وفوا بالوعد .. . وأحضروا كتاب الله تعالى وقدموه إليها . وبعد أن استلمته . .. ارتسمت علامة استفهام على وجوه الأخوة

سبحان الله . . . لماذا يتعجبون ما سبب تعجبهم ؟ سبب التعجب يا أختي الفاضلة . . . هي أن هذه المرأة انتزعت كل ما في يدها من أساور . . . نعم أساور من ذهب انتزعتها وأعطتها لهم . ولكنهم رفضوا الأساور وهم متعجبون ! فقال أحدهم : " نحن نعتبر هذا القرآن هدية لك " . فقالت : لابد وأن تقبلوا الأساور . فقال أحدهم : وإن قبلنا أن نأخذ ثمن هذا القرآن الكريم فإن ثمنه المادي أقل بكثير من تلك الأساور . ولكنها رمت الأساور عليهم .

وقفلت راجعة وبين يديها القرآن الكريم وكأنها ملكت الدنيا وما عليها . ولعلنا نتساءل . . في كم من الأيام . . . الأشهر . . . السنين جمعت هذه المرأة المال لكي تشتري هذه الأساور ؟ و كم حرمت نفسها من التلذذ بأطايب الطعام والشراب لكي تشتري تلك الأساور ؟

و كم حرمت نفسها من شراء الملابس الغالية ... لكي تجمع تلك الأساور؟ في لحظة واحدة تتنازل عن الأساور الذهبية التي لعلها أضنت نفسها للحصول عليها

استهانت بذلك كله . . . مقابل نسخة واحدة من كتاب تبارك وتعالى . يا له من إيمان عميق . . . اختلج في قلب هذه المرأة المسلمة

ألا تنظر تلك المرأة إلى الغبار الذي اعتلى المصاحف في البيوت . ولعل . .. إحداهن .. . تمر عليها الأيام تلو الأيام دون أن تتلو حرفا واحدا من كتاب الله . يا أخواتي في الله . . . إنه كتاب الله . . . يجب أن نعيش فيه. .. . نعيش في آياته الكريمة . . . . . . . . نأتمر بأمره . . . وننتهي بنهيه . . . وعندما نتلوه ... يجب أن تتفاعل معه جميع جوارحنا . وعندما نتلوه .. . يجب أن نتلوه بخشوع . . . قالعين تبكي من خشية الله والقلب يحزن لما يحمله من ذنوب وعندما نناجي الله .. . فلنتذكر أننا بين يدي الواحد الوهاب .

والآن يا أختي الفاضلة أدعوك لتلاوة سورة " ق " ، اتليها بجو هادئ . . . وتعايشي في آياتها ثم انظري بماذا تخرجين ؟ والآن كفي عن قراءة هذا الموقف . . . وضعي الكتاب بجانبك . . . وانهضي نشيطة لتلاوة سورة " ق "

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ، كمثل الأترجَة ، ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن ، كمثل الثمرة لا ريح لها وطعمها حلو ، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ، ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ، ليس لها ريح وطعمها مر "
---------
منقول من نزهة المتقين..