ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





إن الجـنة لجديرة بأن يعمل لها العامـلـــون



ويتنافـس فيها المتنافسون ويُفـني الإنسان



عمـره فـي طلبـها زاهدا في الـدون ، فــــإن



سألتم عـن العمل لها والطـريق الموصــــل



إليها فقد بيَّنه الله فيما أنزله من وحيه على



أشــرف خلقه قال الله عز وجل ( وَسَارِعُواْ



إِلَـــى مَغْفِـــرَةٍ مِّن رَّبِّكُـــمْ وَجَنَّـــةٍ عَرْضُـهَا



السَّمَــاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ



يُنفِقُـونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِيــــنَ



الْغَيْــظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّــــاسِ وَاللّهُ يُحِـــبُّ



الْمُحْسِـنِينَ ، وَالَّـــذِينَ إِذَا فَعَلُـــواْ فَاحِشَـــةً



أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَــرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَـــرُواْ



لِـــذُنُوبِهِمْ وَمَـــن يَغْفِرُ الــذُّنُــــوبَ إِلاَّ اللّهُ



وَلَمْ يُصِــــــرُّواْ عَـــلَى مَا فَعَــــلُـــواْ وَهُــمْ



يَعْلَمُـونَ ) سـورة آل عمران :133- 135



فهــــذه أوصـــــاف فـــي أهـــل الجنــــة :



الوصف الأول (المتقين ) وهم الذين اتقوا



ربهم باتخاذ الوقايــة من عذابه بفعل مـــا



أمــرهم به طاعـة له ورجاء لثوابه وترك



ما نهاهم عنه طاعة له وخوفا من عقابه



الوصف الثاني (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ



وَالضَّرَّاءِ ) فهم ينفقون ما أُمِروا بإنفـاقه



على الوجه المطلوب منهم مــن الزكــــاة



والصـدقات والنفــقات على من له حـــق



عليهم ، والنفقات في الجهــاد وغيره من



سبـــل الخيــر ينفــقون ذلك في الســراء



والضراء ، لا تحملهم السراء والرخـــاء



على حـب المال والشـــح فيه طمعــــا في



زيادته ، ولا تحملهم الشـــدة والضـــراء



على إمساك المال خوفا من الحاجة إليه .



الوصف الثالث : الكاظميـن الغيـظ وهــم



الحابسون لغضبهم إذا غضبــوا ، فــــــلا



يعتدون ولا يحقدون على غيرهم بسببه.



الوصـف الرابع : العافيـن عن النــــــاس



يعفون عمن ظلمهم واعتدى عليهم ، فلا



ينتقـمون لأنفسهم مع قدرتهم على ذلك .



وفي قوله تعالى (وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)



إشارة إلى أن العفــو لا يُمْدَح إلا إذا كان



من الإحسـان ، وذلك بـأن يقــــع موقعه



ويكون إصـلاحا ، فأما العفو الذي تزداد



به جريمة المعتدي فليــس بمحــمود ولا



مأجور عليه ، قال الله تعالى ( فَمَنْ عَفَا



وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) الشـــورى40




الوصف الخامس ( وَالَّـــذِينَ إِذَا فَعَــــلُواْ



فَاحِــشَةً أَوْ ظَلَمُــــواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ



فَاسْتَــغْـفَـرُواْ لِذُنُوبِهِــــمْ ) الفاحشــــة :



ما يُسْتَفْحَــش من الــذنوب وهي الكبائر



كقتل النفس الْمُحَرَّمة بغير حق وعقوق



الـــوالـــدين وأكل الربا وأكل مال اليتيم



والتَّوَلِّي يـوم الزحف والزنا والسرقة و



نحوها من الكبائر وأما ظلم النفس فهو



أعـم فيشمل الصغائر والكبائر فهـــم إذا



فعلـوا شيئا من ذلك ذكروا عظمة مــــن



عَصَـوْهُ فخافوا منه ، وذكروا مغفــــرته



ورحمتـــه فـــسعــوا في أسبـــاب ذلك ،



فاستغفروا لذنوبـــهم بطـــلب ستــــرها



والتجاوز عن العقوبة عليها .وفي قوله



( وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) إشـــــارة



إلى أنهم لا يطلبون المغفــــرة من غير



الله لأنه لا يغـــفـــر الذنــــوب ســـواه .



الوصـف السـادس ( وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَـــى



مَا فَعَلُـواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )أي لم يستمروا



على فعـل الذنب وهم يعلمون أنه ذنب ،



ويعلمـون عظمة من عصوه ،ويعلمون



قرب مـغفرته , بل يبادرون إلى الإقلاع



عنه والـتـــوبة مــــنه فالإصـــرار على



الذنوب مـع هذا العلـــم يجعــل الصغائر



كبـــائر ويـتـــدرج بالفــــاعل إلى أمور



خطيرة صعبة .



وقال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ



هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وَالَّـــذِينَ هُمْ



عَـنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ



فَاعِلُونَ،وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ،



إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَـــتْ أَيْمَانُهُمْ



فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَـــنِ ابْتَغَى وَرَاء



ذَلِكَ فَأُوْلَئِـكَ هُمُ الْعَادُونَ ، وَالَّــــذِينَ هُمْ



لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ



عَلَـى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُـونَ ، أُوْلَئِـــكَ هُمُ



الْـوَارِثُونَ ، الَّـذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ



فِيهَا خَالِدُونَ ) المؤمنون :1-11،فهذه



الآيات الكــريمة جمعت عـــدة أوصاف



من أوصاف أهل الجنة :



الوصف الأول( المؤمنون ) الذين آمنوا



بالله وبكل ما يجب الإيمـــــان به مـــن



ملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخـر



والقدر خيره وشره , آمَنوا بذلك إيمانا



يستلزم القبول والانقياد بالقول والعمل



الوصف الثانــي ( الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ



خَاشِعُونَ) حاضـــرة قـــلوبهم ، ساكنة



جوارحهـم ، يستحضـرون أنهم قائمون



في صــــلاتهم بيـــن يدي الله عز وجل



يخاطبونه بكلامه ويتقربون إليه بذكره



ويلجؤون إليه بدعائه , فهم خاشــعون



بظواهرهم وبواطنهم .



الوصف الثالث ( وَالَّذِيــنَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ



مُعْرِضُونَ ) واللغو كـل مـا لا فائدة فيه



ولا خير من قــــول أو فعـــــل ، فهـــم



معرضون عنه لقوة عزيمتـهم وشــــدة



حـزمهم لا يمضون أوقاتهـم الثمينة إلا



فيمـا فيه فـائدة , فكما حفـظوا صلاتهم



بالخشوع حفظوا أوقاتـهم عن الضياع



وإذا كـــان من وصفهـم الإعراض عن



اللغو وهـو ما لا فائــدة فيه فإعراضهم



عما فيه مضرة من باب أولى .



الوصف الرابع ( وَالَّذِيـنَ هُــمْ لِلــــزَّكَاةِ



فَاعِلُونَ ) يحتــــمل أن المـــراد بالزكاة



القسط الواجب دفعه من المــال الواجب



زكاته , ويحتـــمل أن المـــراد بــها كل



ما تزكو به نفوسهم من قول أو عمل .



الوصف الخامس( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ



حَافِظُــــونَ ، إِلَّا عَــــلَى أَزْوَاجِهِــــمْ أوْ



مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّـهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ )



فهــم حـافظــــــون لفروجهم عن الزنا



واللـــواط لما فيهما من معصيـــــة الله



والانحـــطاط الْخُلُقي والاجتماعي ولعل



حفـظ الـفرج يشـمل ما هو أعم من ذلك



فيشمل حـفظه عن النظر واللمس أيضا



وفي قوله( فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) إشارة



إلى أن الأصـــل لــوم الإنسان على هذا



الفعــل إلا علــى الزوجة والمملوكة لما



في ذلك من الحــاجة إليه لدفع مقتضى



الطبيعة وتحصــيـل النسل وغيـــره من



المصالح وفي عمـوم قوله ( فَمَنِ ابْتَغَى



وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُـمُ الْعَادُونَ ) دليـــل



على تحريم الاستمنـاء الـذي يسمـــــى



العادة السرية لأنه عـملية في غيـــــــر



الزوجات والمملوكات .



الوصف السادس (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ



وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ) الأمــــانة ما يُؤْتَمَنُ



عليه من قول أو فعـل أو عيــــن فمــن



حدثك بسر فقـد ائتمنك ومن فعل عندك



ما لا يحــب الاطلاع عــليه فقد ائتمنك



ومـن سلَّمك شيئا من ماله لحفظه فقد



ائتمنـــك ، والعهد ما يلتزم به الإنسان



لغيره كالـنذر لله والعهود الجارية بيـن



الـناس ، فأهل الجنة قائمـــون برعاية



الأمـانات والعــهد فيما بينهم وبين الله



وفيما بينهم وبين الخلق ، ويدخـل في



ذلك الوفاء بالعقـود والشروط المباحة



فيـــها . الوصف السابع ( وَالَّــذِينَ هُمْ



عَلَـى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ) يــــلازمون



علـى حفظها من الإضاعة والتـفـريط ،



وذلك بأدائهـا في وقتها على الوجــــه



الأكمل بشـروطها وأركانها وواجباتها.



وقـد ذكر الله سبـحانه وتعالى أوصـافا



كثيـرة في القـرآن لأهل الجنــــة سوى



ما نـقلناه هنـا ، ذكـــر ذلك سبــــحانه



ليتصف به مـن أراد الوصـــول إليها ،



وفـــي الأحاديـث عن رسول الله صلى



الله عـــليه وسلم من ذلك شيء كثير :



فعـــــن أبـي هريرة رضي الله عنه أن



النبــي صلى الله عليه وسلم قال « من



سلك طريقا يلتمس فيه علما سَهَّلَ الله



له به طريقا إلى الجـنة » رواه مسلم.



وعنـه أيضا أن النبـي صلى الله عليـه



وسلــم قال « ألا أدلـكم على ما يمحـو



الله به الخــطـايا ويرفع به الدرجـات ؟



" قالــوا : بــلـى يا رسول الله . قال :



" إسبـاغ الوضـوء على المكاره وكثرة



الْخُطَا إلـــى المســاجد وانتظار الصلاة



بعد الصلاة » رواه مسلم . وعـن عمر



بن الخـــطاب رضي الله عنه أن النـبي



صلـــى الله عليه وسلم قال « ما منـكم



مـــن أحد يتوضأ فيسبغ الـــوضوء ثـم



يقــــول : أشهد أن لا إله إلا الله وحـده



لا شــــريك له وأشهد أن محمدا عبـده



ورســـوله إلا فُتِـــحَت له أبواب الجنة



الثمانيـة يدخـــل مـن أيها شاء » رواه



مسلم ، وعــن النــبي صلى الله عليه



وسلــم أيضا « إذا قال المؤذن : الله



أكبر الله أكبر . فقال أحدكم : الله أكبــر



الله أكـبر . ثم قال : أشهد أن لا إله إلا



الله . قـال : أشهد أن لا إله إلا الله . ثم



قال :أشهد أن محمدا رسول الله .قال :



أشهد أن محمدا رسول الله . ثم قـــال :



حــي على الصلاة . قال : لا حــول ولا



قوة إلا بالله . ثم قال:حي على الفلاح .



قال:لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال :



الله أكـــبر الله أكبر . قال : الله أكبر الله



أكبر ثم قال : لا إله إلا الله . قال :لا إله



إلا الله من قلبه دخل الجنة»رواه مسلم



وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن



النـبـي صـلى الله عليه وسلم قال « من



بنــى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله



له بيـتا في الجنة » متفق عليه ، وعن



ثوبان رضـي الله عنه أنه « سأل النبي



صلى الله عـــليه وسـلم عن عمل يدخله



الله به الجنة فقال" عليك بكثرة السجود



لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله



بها درجة وحط عنك بها خطيئة »مسلم



وعن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي



صلـى الله عليه وسلم قال « ما من عبد



مسلـم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي



عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى



الله له بيــــتا في الجنة » رواه مسلم .



وهن أربع قبل الظهر وركعتان بعدهـــا



وركعتان بعد المغرب وركعتـــــان بعــد



العشاء وركعتان قبـــل صــلاة الصبح .



وعن معاذ بن جبــل رضي الله عنه أنه



قال لرسول الله صلى الله عليــــه وسلم



«أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني



عن النار قال"لقد سألت عن عظيم وإنه



ليسيــر على مـن يسره الله عليه : تعبد



الله ولا تشـــــرك به شيئا وتقيم الصلاة



وتؤتي الزكـاة ، وتصوم رمضان وتحج



البيت » رواه أحـمد والترمذي وصححه



الألباني ، وعن سهل بن سعد رضي الله



عنه « أن النبي صــلى الله عليه وسلم



قـال " إن في الجنة بابا يقال له الريان



يـدخل منه الصائمون يـــــوم القيــــامة



لا يدخل منه أحد غيرهم » متفق عليه .



وعــن أبى هريرة رضي الله عنه « أن



النبـي صلى الله عليه وسلم قال"العمرة



إلى العمرة كفارة لما بينهــــما والحـــج



المبرور لـــيس له جـــزاء إلا الجــنة »



متفق عليه . قـال صلى الله عليه وسلم



" من ابْتُلِيَ من البنات بشيء فأحســنَ



إليـــهـن كُــنَّ له سترا من النار » رواه



مسلـم ، وعن عيــــاض بن حمــــــــار



المجــاشعي أن النبي صــــلى الله عليه



وسلــم قال «أهل الجنـــة ثــــلاثة : ذو



سلطـان مُقْسِط متصدِّق موفق ، ورجل



رحيــم رقيــــق القـــلب لكل ذي قربى ،



ومسلم عفيف متعفِّف ذو عيال » رواه



مسلــــم فـي حديث طويل . فهذه طائفة



من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم



تبيـن شيئا كثيـرا من أعمال أهل الجنة



لمن أراد الوصول إليها . أسأل الله أن



ييــسر لنا ولكم سلوكها ويثبتنا عليها



إنه جواد كريم , وصلى الله وسلم على



نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .



الشيخ محمد العثيمين (( بتصرف ))




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ