{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.

ما هو الحكم الشرعي لمن حرم الدعاء الجماعي بموعد موحد ؟

الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته، الحمد لله حتى يرضى والحمد لله من بعد الرضا، والصلاة والسلام على عبده وحبيبه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه في كل لمحةٍ ونفس بعدد كل معلوم لجلال الله.
ونحن نعيش مجزرة غزة وأشلاء المسلمين تُقطّع وأيدينا مُكبلة بنذالة الأنذال وخيانة الخونة وما كاده أئمة الكفر ومن والاهم، فما أبى المرجفون إلا أن يسيوا السوائي وأصدروا فتوى تُحرم الدعاء الجماعي ووصفوا أهل الدعاء الجماعي الموحد في وقت واحد بالبدعة الضّالة، فأستشكل على بعض الأخوة الكرام وساوس المُرجفين الذين أسسوا وسواسهم على حديث الحبيب صلوات الله عليه وسلامه: ( .. وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ...) وقوله صلوات الله عليه وسلم ( من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وذهب المُرجفون في تصعيد قذف الذين يذكرون الله جماعة في وقت واحد قارئين آيات وسور محددة من القرآن الكريم أو دعاء جماعي، وأنكروا أن هناك سنة حسنة وسنة سيئة، وقرروا بأن الأصل في التشريع الحرام وليس الحلال، مُخالفين بذلك أصول الفقه وإجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام بما فيهم أئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي ).
والمُرجفون هم الذين اصطنعوا دينا لهم من تشكيك الأمة في فقه المذاهب الأربعة وأئمتهم، والتشكيك في صحة الصحاح كتب الحديث، وأكثر من ذلك فلقد اختلقوا الأكاذيب بحقهم، والله المستعان على ما يصفون، وهذا إيضاح لمن أراد الفهم ولم يستكبر:
أولا: يجب العلم أن الهداية من الله تعالى منحة يُعطيها لمن يشاء ويحرمها ممن يشاء قال تعالى: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً) الكهف 17. وعليه فإني أرجو كل قارئ قبل تجاوز هذه السطور أن يدعو الله مخلصاً له الدين أن يهديه لما يُحب الله ويرضاه، وأن يدعو لي ولسائر المسلمين بالهداية، والله أكرم من أن يحرم من يسأله الهداية، وكل من يرفض سؤال الله تعالى الهداية ويعتمد على عقله فقد ضلّ، ومثله كمثل إبليس - لعنه الله- الذي ضلّ باستخدام عقله، ذلك أن الأولى أن ندعو الله أولا سائلين الهداية ثم نتبع عقلنا في تطبيق الشريعة وسنة المصطفي سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
ثانياً: إن من مصادر التشريع هو إجماع الأمة، وجمهور الفقهاء وعلماء أهل السنة والجماعة هم علماء وأئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي والمالكي والحفي والحنبلي)، وليس كما يدعي المُرجفون الذين أسسوا دينهم على مُخالفة إجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام، وكامل علماء وفقهاء المذاهب الأربعة أجمعوا عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام بأن الأصل في الأمور هو الإباحة ما لم يثبت التحريم، وأجمعوا على أن البدعة نوعان حسنة وسيئة، وهذا ما سيتم شرحه لاحقاً بعون الله تعالى.
وعلماء وأئمة المذاهب الأربعة إذا أجمعوا على رأي أضحى رأيهم من الشريعة والذي لا يجوز المساس به وحاز حجية الأمر المقضي به، وذلك مصداقاً لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم: ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يجمع الله أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة ) وقوله – صلى الله عليه وسلم: ( سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها)، وروى الحاكم عن ابن عباس مرفوعاً: ( لا يجمع الله أمتي على الضلالة أبداً).

وبهذا فإن كل رأي يُخالف إجماع المذاهب الأربعة ليس من الإسلام في شيء، وحيث أن فقهاء المذاهب الأربعة قد أجمعوا على أن الأصل في الأمور الإباحة ما لم يثبت التحريم، فإن رأيهم هذا يكون قد حاز العصمة وحجية الأمر المقضي به ولا يجوز المساس به، وما سواه لا يعدوا أن يكون هُراء يجب الالتفات عنه.
وبمفهوم المخالفة ولو فرضنا جدلاً أن الأصل في التشريع هو الحرام ما لم يثبت حلاله، فإننا نكون بحاجة للكثير من الفتاوى كالتي تسمح لنا الصلاة في المساجد المفروشة بسجاد والمجهزة بالميكروفونات ذات القبب والمآذن والتي تُخالف المسجد الذي بناه الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما نحتاج إلى فتاوى ركب السيارة وأكل الفلافل والتبولة، والطواف حول الكعبة مشياً في الحج مخالفين طواف الرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي طاف راكباً ناقته.
ثالثا: القول بأنه لا يوجد بدعة حسنة وبدعة سيئة قول منافٍ لنص الحديث عن الحبيب رسول الله صلوات الله عليه وسلامه: ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)، وفضلا عن ذلك فهو قول مناف لإجماع المذاهب الأربعة أهل السنة والجماعة عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام.
رابعاً: إن التحديد الوقت بالدعاء هو لجمع المسلمين على موعد محدد قدر المستطاع بناءً على علم الطاقة الذي أثبت أن كثرة التكرار ينتج طاقة أعلى، وأن القراءة الجماعية تُعطي توافق بالطاقة يشابه التوافق للرنين المغناطيسي، وفي هذا الشأن يوجد أبحاث علمية كثيرة.
وفي هذا عشرات الأدلة الشرعية الثابتة والأحاديث، منها ما يدل على أن الصحابة أحدثوا في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفعالاً لم يفعلها هو صلى الله عليه وسلم ولكنه أقرهم عليها، ومن هذه الأفعال التي أقرهم عليها لم يأتها هو شخصيا صلى الله عليه وسلم، وهناك من الأفعال التي أحدثها الصحابة من بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقرها الفقهاء وأجمع المسلمون عليها، وهناك من الأفعال التي أحدثها التابعين من بعد الصحابة وأقرهم عليها الفقهاء وأجمع المسلمون على صحتها، وإجماع المسلمين مصدر من مصادر التشريع وسأضرب بإذن الله بعض الأمثلة على ما سبق:
أولاً: أفعال لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وأقر عليها الصحابة رضوان الله عليهم.
1- من صحيح البخاري: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رَهْطاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، انطلقوا في سَفْرةٍ سافروها حتى نزلوا بحيٍ ّمن أحياء العرب فاستضافوهم فَأَبَوّا أن يُضَيْفُوهم، فَلُدِغَ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء؛ ولا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهْط الذين نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتُوْهُم فقالوا: يا أيها الرَّهْطُ إن سَيَدنَا لُدِغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لَراقٍ ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضَيَفُونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً، فَصَالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يَتْفُلُ ويقرأُ (الحمد لله رب العالمين) حتى لكأنما نَشَِطَ من عِقَالٍ، فانطلق يمشي ما به قُلْبَهٌ، قال: فأَوْفُهُم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم اقسموا، فقال الذي أرقىَ: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا، فَقَدِمُوا على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكروا له، فقال - صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك أنّها رُقْيَه؟ أَصَبتُم اقْسِمُوا واضربوا لي معكم بِسهمٍ.(انتهى).
وشرح الحديث أن رهط – أي جماعة – من أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم- انطلقوا بسفرة ونزلوا بحي من أحياء العرب وطلبوا أن يُضافوا، فلم يستضفهم العرب، وقدر الله تعالى ولُدغ سيد ذلك الحي، وحاول قومه إنقاذه، فلمّا عجزوا أتوا الصحابة يسألوهم إن كان عندهم ما ينقذ سيدهم، فأخبرهم أحد الصحابة أنه راقٍ ولكنه لن يرقي لهم حتى يجعلوا له جعلاً – أي عطاءً- لأنهم سبق ورفضوا استضافتهم، فصالحوهم على أن يعطوهم قطيع من الغنم إن شُفي السيد الملدوغ، فذهب له الصحابي - رضي الله عنه- وأخذ يتفل ويقرأ الفاتحة حتى شُفي السيد، وخرج كأنه كان مربوط في عُقال وانطلق يمشي ما به من قُلبة – أي لا يعرج ولا يتقلب وكان يتقلب مما لدغه- ومن ثمّ سددوا لهم ما صالحوهم عليه من قطيع الغنم، ورفض الصحابي الذي أرقى أن يقتسموا الغنم حتى يأتي رسول الله ويسأله إن كان يصح له أن يتقاضى أجرة الرقية، فلما أتى الرسول - صلى الله عليه وسلم- وذكر له ما حدث، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك أنها رقية؟ - أي كيف عرفت أن الفاتحة رُقية رغم أنه - صلى الله عليه وسلم- لم يذكر ذلك، وهو سؤال به التعجب والاستحسان من الرسول - صلى الله عليه وسلم- كيف سلك هذا الصحابي هذا المسلك دون تلميح مُسبق من الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم شرّع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجواز أن يقبضوا أجرة الرُقية، وفي هذا الحديث الذي أقر به الرسول صلى الله عليه وسلم بعمل لم يسبق له فعله، ولم يثبت لاحقا أنه صلى الله عليه وسلم فعله.
2- عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ على مُبتلى في إذنه فأفاق، فقال له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ما قرأت، قال: أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا إلى أخر السورة، فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( لو أن رجلا مؤمنا قرأ بها على جبل لزال)، قال الحافظ الهيثم في مجمع الزوائد رواه أبو يعلي وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن ومثله في المطالب العالية للحافظ ابن حجر وفي الحديث تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ولم يكن قد سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو شيء استنبطه باجتهاده ولما كان من الخير الذي لا يعارض المشروع فلقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم كصاحب الفاتحة عند البخاري في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
3- اخرج ابن حبان في صحيحه عن علاقة بن حجار السليطي التميمي انه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم اقبل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل موثق بالحديد فقال أهله أنه قد حدثنا أن صاحبكم قد جاء بخير فهل عندك شيء ترقيه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطوني مائة شاة فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل فقد أكلته برقية حق. ا هـ من الظمآن من زوائد ابن حبان الهيثمي. وفي هذا الحديث إقرار من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعمل لم يسبق له فعله.
4- في البخاري في فضائل ( قل هو الله أحد ) عن أبي سعيد الخدري أن رجلا سمع رجلا يقرأ بـ ( قل هو الله أحد ) يرددها فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وكان الرجل يتقالَّها فقال - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده أنها ثلث القرآن. وفي الحديث إقرار من الرسول - صلى الله عليه وسلم - على التخصيص والاقتصار على هذه السورة في قيام الليل، إلا أنه لم يثبت أنه فعلها صلى الله عليه وسلم.
5- ما ورد في البخاري من حديث سيدنا بلال رضي الله عنه حين سأله الحبيب صلى الله عليه وسلم عند صلاة الفجر (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته بالإسلام، فإني سمعت دفَّ نعليك في الجنة، قال ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كُتب لي) وفي حديث الترمذي ( .. بم سبقتني إلى الجنة؟ قال ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت ورأيت أن لله عليّ ركعتين) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( بها نلت) أي نلت المنزلة، ومع إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لفعل بلال رضي الله عنه إلا انه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه فعله.
6- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما في كتاب الصلاة في باب ( ربنا لك الحمد )، عن رفاعة بن رافع قال كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم، قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها، قال الحافظ في الفتح يستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور، ومثل ذلك ما روي عن ابن عمر قال: أن رجلا والناس في الصلاة فقال حين وصل إلى الصف الله اكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من صاحب الكلمات قال الرجل أنا يا رسول الله والله ما أردت بهن إلا الخير، قال: لقد رأيت أبواب السماء فتحت لهن. قال ابن عمر فما تركتهن منذ سمعتهن، وهذا إقرار أيضا من الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر لم يأمر به ولم يثبت أنه فعله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أفعال لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلها الصحابة رضوان الله عليهم من بعد وفاته وأقرها إجماع المسلمين.
1-فعل الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حين جمع الناس على صلاة التراويح جماعة ( وكانت لا تُصلى جماعة من قبله ) وحدد عددها بالعشرين، وكان الرسول صلوات الله عليه قد صلاها بأعداد مختلفة، وعندما اتهم أحد الصحابة عمر رضي الله عنه أجابه ( نعم البدعة هذه )، وكان هذا العمل قد أقره جمهور الصحابة المعاصرين للفاروق رضي الله عنهم.
2-الأذان الأول يوم الجمعة: فقد أخرج البخاري وأبن ماجه والترمذي وغيرهم عن السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء. ( أي الظهر).
3-جمع القرآن الكريم في عهد عثمان – رضي الله عنه الله عنه - وتوزعيه في الأمصار، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد ترك المُصحف في صحف مفرقة غير مرتبة.
4- زيادة ابن عمر بالتشهد: فقد أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما عن الرسول صلى الله عليه وسلم في التشهد ( التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته – قال ابن عمر زدت فيها ( وبركاته) السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله – قال ابن عمر زدت فيها: ( وحده لا شريك له ) وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
5-تعدد صلاة العيد في مِصر واحد: فقد قال ابن تيمية في منهاج السنة: أحدث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – في خلافته العيد الثاني بالجامع، فإن السنة المعروفة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنه لا يُصلى في المصر الواحد إلا جماعة واحدة، ولا يصلى النحر والفطر إلا عيد واحد، فلما كان عهده قيل له: إن بالبلد ضعفاء لا يستطيعون الخروج إلى المصلى فاستخلف عليهم رجلا يصلي بالناس بالمسجد.
ثالثاً: أفعال لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وفعلها التابعون - رضوان الله عليهم - من بعد وفاته وأقرها إجماع المسلمين.
1-جمع الحديث وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك مخافة أن يختلط مع القرآن.
2-جمع الفقه وتبويبه.
3-بدعة ابن تيمية في ذكر الله عز وجل: جاء في كتاب: ( الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للحافظ عمر بن علي البزار): { وكان قد عرفت عادته، لا يكلمه أحد بغير ضرورة بعد صلاة الفجر فلا يزال في الذكر يسمع نفسه وربما يسمع ذكره من بجانبه، مع كونه في خلال ذلك يُكثر في تقليب بصره نحو السماء، هكذا دأبه حتى ترتفع الشمس ويزول وقت النهي عن الصلاة، وكنت مدة إقامتي بدمشق ملازمه جُل النهار وكثيرا من الليل، وكان يدنيني منه حتى يجلسني إلى جانبه وكنت أسمع ما يتلو وما يذكر حينئذ، فرأيته يقرأ الفاتحة ويكررها ويقطع ذلك الوقت كله- أعني من الفجر إلى ارتفاع الشمس- في تكرير الفاتحة، ففكرت في ذلك لما لزم هذه السورة دون غيرها؟ فبان لي – والله أعلم – أن قصده بذلك أن يجمع بتلاوتها حينئذ ما ورد في الأحاديث، وما ذكره العلماء: هل يستحب حينئذ جمعاً بين القولين وتحصيلا للفضلين، وهذا من قوة فطنته وثاقب بصره} انتهى.
رابعاً: أفعال لم يفعلها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسيفعلها المهدي عليه السلام وأقرها مسبقا الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما هو ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن المهدي عليه السلام في أنه بأخر الزمان سيضع الجزية، أي سيلغيها، وأنه سيحصر خيارات العدو بين الإسلام أو القتال، ولقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التصرف للمهدي عليه السلام رغم أنه لم يأته هو ولا الصحابة ولا التابعين حتى زماننا هذا.
الخلاصة:
ونعود بعد سرد هذه الأدلة لنسأل هل الصحابة - رضوان الله عليهم - مبتدعون بدعة سيئة؟ وهل ضلوا؟ وهل ضلّ الفاروق حينما قرر جمع المسلمين على صلاة التراويح جماعة؟ وهل ضلّ حينما قرر تحديد عددها في عشرين ركعة؟ وهل ضلت أجيال المسلمين من بعده حينما أقروا وأجمعوا على صحة عمل الفاروق رضي الله عنه؟ وهل ضلّ باقي الخلفاء الراشدين والصحابة – رضي الله عنهم أجمعين - بالأمثلة التي سردناها؟ وهل ضلّ البخاري ومسلم وباقي الذين جمعوا الحديث – رضي الله عنهم أجمعين - وقد خالفوا بذلك نهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن جمع الحديث حتى لا يختلط في القرآن؟ وهل ضلّ ابن تيمية؟
حاشا لله بل الذين ضلوا هم الذين أحدثوا ما يخالف أصول الشرع وإجماع المسلمين وخالفوا الأئمة الأربعة ( الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي)، الذين لا عمل لهم سوى تشكيك المسلمين بالأحاديث والفقه وإغراق الأمة في إعادة اختراع الفقه وإعادة تخريج الحديث كمن يُعيد اختراع الماء الساخن، الذين يدّعون أنهم أعلم من الفقهاء الأربعة ومن أصحاب الصحاح الستة فيقوموا بإعادة صياغة الفقه وتخريج الأحاديث! الذين ينصرعوا كالشياطين إذا ذُكر الله وخاصة جماعةً، الذين قلبوا الحقائق واعتبروا أن الأصل في الأمور هو التحريم مخالفين إجماع المسلمين والفقهاء بأن الأصل في الأمور هو الحلال ما لم يثبت تحريمه.
فما هو المُحرم بأن يقرأ المسلمين ويدعوا جماعة من مختلف أرجاء الأرض آيات وسور بوقت محدد؟
فكل عمل يتوافق مع فقه المذاهب الأربعة، وله أصوله في الدين، ولا يتضارب مع الثابت عن الحبيب صلى الله عيه وسلم هو بدعة حسنة، وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي حين قال: (البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم) فهل الشافعي ضلّ؟ وهل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ضلّ حين قال: ( نعم البدعة هذه )؟ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة) هو كلية وعمومية، وفي كلام المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الكثير من الكليات والعموميات التي حددها التخصيص مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) فهل هذا يعني أنه تكفينا صلاة الفجر والعصر؟ ومثل قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ) 44 الأنعام، مع أن أبواب الرحمة لم تفتح لهم! وقوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) 25 الأحقاف، رغم أنها لم تدمر الأرض! ومن هذا الكثير، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية ( في ديننا )، وفي رواية لمسلم: ( من صنع أمراً على غير أمرنا فهو رد) هو شرح كافي لمن أراد له الله الهداية، بأن البدعة والإحداث المذموم هو الذي ليس له أصل في الدين أو يناقض مع الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء والعلماء ولولا الخوف بأن يطول البحث فيكل الناس من القراءة لسردت عشرات الإقرارات لعلماء وفقهاء الأمة بذلك.
ونحن لم نأتِ في الدعاء لأهل غزة إلا بما يتوافق مع شرع الله تعالى وصلاة على الحبيب صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أتباعه، وجمعنا المسلمين على موعد محدد بناء على دراسات في علم الطاقة تؤكد أن القراءة الجماعية تُعطي توافق يشابه الرنين في الموجات المغناطيسية، ويجري حالياً توثيق الأبحاث لنشرها بعون الله تعالى، والتي تؤكد أن قراءة القرآن الكريم تنتج طاقة وأن هذه الطاقة يمكن توجيهها وتخزينها وقياسها وإعادة الاستفادة منها وأنها رحمة وشفاء للمؤمنين وأنها تُدمر الظالمين، وكل ذلك موثق بأجهزة علمية تستخدم لقياس الطاقة الحيوية، قال تعالى:
{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً }82 الإسراء.
وبكل ما سردناه لم نتقول على الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء.
فمن شاء فليدعو معنا ومن لم يشأ فله أمره وهو أخونا في لله، ومن كفّرنا أو تعدّى علينا فإثمه على نفسه وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والله وحده يعلم كم من الدماء والآلام بُذلت! وكم من الشهداء رُفعت! وكم من العظام سُحقت! وكم من الأمهات ثُكلت! وكم من الأطفال شردت! وكم من التضحيات قُدِّمت لأجيال من المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام حتى استطاعوا أن يوصلوا لنا الدين مُحددا في القرآن الكريم، والفقه مجموعاً ومبوباً في المذاهب الأربعة، والحديث مجموعاً ومُصنفاً في الصحاح الستة.
لذلك التفريط بثوابت السلف الصالح وأهل السنة والجماعة هو الخيانة العُظمى لدماء وشُهداء وآلام وتضحيات أجيال المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام.
وهذا هو حلم إبليس – لعنه الله – أن يتم تدمير هذه الثوابت للإسلام، ويشاركه هذا الحلم اليهود والصليبيين.
وأقوى آلية يستخدمها هذا الثالوث ( إبليس واليهود والصليبيين) هم المُرجفون.
والمُرجفون هم قوم ممّوهون بالثوب الإسلامي، يدّعون أنهم أتباع السلف وأهل السنة والجماعة، على رغم من أنهم هم الذين نكثوا إجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام بأن فقه أهل السنة والجماعة هو ما استقر عليه فقهاء المذاهب الأربعة، وأن الحديث قد تمّ جمع أغلبه في الصِحاح الستة، وأنه لا خلاف على العقائد ولا الحلال والحرام ولا أسماء أو صفات الله تعالى، وأنه لا يجوز بِناء هذه الثوابت إلا من الحديث الصحيح، وأنه يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
فجمهور الفقهاء وعلماء أهل السنة والجماعة هم علماء وأئمة المذاهب الأربعة، وليس كما يدعي المُرجفون الذين أسسوا دينهم على مخالفة إجماع المسلمين عبر أكثر من ألف وأربعمائة عام، الذين بنوا دينهم على إغراق الأمة في إعادة اختراع الفقه! وفي إعادة تخريج الحديث!
وخدمةًً للثالوث ( إبليس واليهود والصليبيين) هاجم المرجفون كل مُجاهد أو ذاكر لله تعالى، فما تركوا مُجاهد لليهود أو للصليبيين إلا وتعدوا عليه، وشاعوا الفساد في الأرض، وأقاموا الحروب على قراءة القرآن الجماعية والدعاء الجماعي، وصلاة التراويح، والتهليل الجماعي يوم العيد، والقنوط في صلاة الفجر، ولم تسلم منهم حتى مسابح المُسبِحين.
ولا يتورع المرجفون الذين يلبسون ثوب الورع في تحقيق الأحاديث مدعين أنهم بكمبيوتراتهم الحديثة أصبحوا أعلم من أصحاب الصحاح، ولا يتورعون عن اختلاق أكاذيب تطعن بأئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي والحنبلي والمالكي والحنفي )، أكاذيب تنال من ورعهم وفقههم ليس لها سند وتتصادم مع المنطق.
وتأملوا كل فتوى وكل عمل منهم تجدوه يصب في كفة ميزان ثالوث (إبليس واليهود والصليبيين).
المسلمون تُهدر دماؤهم وأعراضهم، والموبِقات والكبائر تفترس دينهم وتنتشر بهم كالنار في الهشيم.
والمُرجفون جُلُّ همهم بث الوساوس في الدين بمفاهيم شيطانية هي: كل بدعة ضلالة! وتحريم ما لم يثبت حلاله! وتحريم كل دعاء لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم! وإعادة تخريج الحديث! وإعادة الإفتاء بناء على فهمهم المبتدع للدين! ومغالطة المذاهب الأربعة! واختلاق فقه مُعادٍ للجهاد والذِكر وخاصة جماعة! واختلاق صيغة جديدة للعبادات ومنها الصلاة والصيام والحج!
والمُرجفون يحملون نفس صفات الثالوث (إبليس واليهود والصليبيين) فهم يُصعقوا بالجهاد أو بِذكر الله تعالى وخاصة جماعة.
لذلك كل فتاواهم تصب في الصد عن الذِكر أو الجهاد، وتحت يدي عشرات الفتاوى في ذلك منها أنه سُؤل أحد أئمة المرجفين عن الشباب الذين يُرسلون الرسائل الهاتفيةيُذكِّرون ويحثون بعضهم البعض بتكرار ذِكر مُعين أو أن يتفقوا على صيام يوم جماعي أو قيام ليل جماعي، فأجاب المُرجف أن هذا الأمر بدعة وضلالة وهو عمل من أعمال أهل النار وأصحابه محرومون رضا الله! واستند بجرمه هذا إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك ولم يجمع المسلمين على مثل ذلك!
وعندما أُعلن عن مشروع الدعاء الجماعي لأهل غزة استبسل المرجفون في الدفاع عن إبليس وأئمة الكفر.
وبناء على فقه المُرجفين المُبتدعين أصبح الدعاء الجماعي من البدع الضالة وأعمال أهل النار!!
ولمّا انقلبت القوانين أصبح مُناطاً بنا إثبات البديهيات من أن الأصل في الأمور هو الحلال ما لم يثبت حرامه، وأنه لا يوجد أي تحريم في دعاء الله تعالى جماعة، وأنه لا يوجد ما يُحرّم أن يدعوا المسلمون كلٌ من موقعه في زمن محدد بدعاء محدد.
ولقد أخبرنا الغالي الحبيب صلى الله عليه وسلم عن المُرجفين، بل وأصدر حكم بقتلهم وهذا نصه:
عن صحيح البخاري عن سويد بن غفلة قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يأتي في أخر الزمان قوم حُدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمّية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة.
وسنبقى بعون الله تعالى نتحدى العالم أجمع بقدرة القرآن الكريم في علاج الأمراض وتيسير شؤون الحياة وتدمير الظالمين.
وبعون الله – تعالى - سيواصل المسلمون في كل البلاد الإسلامية القنوط في كل الصلوات وذلك يومياً وحتى توقف العدوان الصهيوني، فضلا عن الدعاء الجماعي المتواصل يوميا بتوقيت موحّد من الساعة 9 إلى 10مساءً ومن 2:30 إلى 3:30 فجراً بتوقيت مكة، فاحرص على حفظ الدعاء ومشاركتنا وانشر هذه الدعوة بين المساجد والمحطات التلفزيونية والبريد الإلكتروني وما تيسر من وسائل:
وهذا هو الدعاء:
اللهم إنّا نشكو إليك ما لا يخفى عليك، نشكو إليك أنَّ بني إسرائيل ومن والاهم من أئمة الكفر والظالمين والشياطين قد ظلموا أمة حبيبك - صلواتك عليه - اللهم إنهم قد سفكوا دمائنا وهتكوا أعراضنا واستولوا على ديارنا وأموالنا وأسروا الأقصى ودنسوا آياتك وأهانوا حبيبك- صلواتك عليه - وكنت يا الله عليهم شهيداً، اللهم إنّا نبرأ إليك ممن خذلهم أو والى غيرك، اللهم أجعلنا معهم ومنهم، واجعل توكلنا عليك وحدك لا شريك لك، واجعل جهادنا لنُصرتك وإعلاء كلمتك وحدك لا شريك لك، اللهم تولى أمرنا كله ولا تكلنا إلى غيرك طرفت عين أو أقل من ذلك، اللهم إنَّ النصر نصرك وحدك لا شريك لك، اللهم انتقم من بني إسرائيل وممن والاهم أو وطّد لهم، ومن كل من خذلنا أو خاننا أو حرضّ أو تعدى علينا، اللهم اجعل دائرة السوء عليهم وعلى من والاهم أو وطّد لهم واجعلهم الخاسرون الخاسئون، اللهم افرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا وأيدنا بجندك كما أيدت حبيبك - صلواتك عليه - في بدر وحنين، اللهم أممدنا بالسلاح والمال والرجال، وسدد رمي مجاهدينا واجعل الرمي رميك بحق قولك: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)، اللهم اشفي جرحانا وتقبل شهداءنا وارحم أطفالنا وضعفائنا بلدن رحمتك، اللهم أجب دعائنا بحق لا إله إلا الله محمد رسول الله، وبحق لا حولا ولا قوة إلا بالله، وبشفاعة عبدك وحبيبك سيدنا محمد صلواتك وسلامك عليه.
{وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشعراء.

أخوكم أبو عمر

مهندس/ طاقة وتحكم.