بسم الله الرحمن الرحيم
هذا سؤال سئل به الشيخ صالح أل الشيخ _ حفظه الله تعالى _ في دروس له لشرح كتاب : (( العقيدة الطحاوية))
س/ هل الميّت يعلم عن الأحياء أخبارهم؟؟
ج/ وهذه المسألة من المسائل المهمة جداً ، وقد تنوّعت أقوال أهل العلم بها مابين نافٍٍ مطلقاً وما بين مثبتٍ مطلقاً وما بين مفصّل في المسألة بحسب ماورد في الدليل..
والصواب في ذلك التفصيل.. فمن نفى أن الأموات لايسمعون مطلقاً ولا يعلمون بل إنقطع سبيلهم إستدلوا من قول الله جل وعلا(( وما أنت بمسمع من في القبور))الآية .
واستدلوا أيضاً من أن الميّت إنقطع من هذه الدنيا وارتحل إلى الأخرة وهو مشغول عن هذه الدنيا بالأخرة وهو في حياة برزخ ، وحياة البرزخ مختلفة عن هذه الحياة ، فصلته بهذه الحياة تحتاج إلى دليل ، ولا دليل يدلّ على سماعه مطلقاً ، ولذلك وجب نفيه لدلالة قوله تعالى : (( وما أنت بمسمع من في القبور)).
ولم يدل الدليل أيضاً على أن الملائكة تبلّغ الأموات الأخبار والأحوال ، وبنوا على هذا النفي العام..
والقول الثاني : أن الأموات يسمعون مطلقاً ويبلّغون ، يسمعون مايحدث عندهم ويبلّغون مايحصل من أهاليهم وأقاربهم من خير أو شر ، فيأنسون للخير ويستاؤن للشر ، وهؤلاء بنوا كلامهم أن في الأدلة مايدل على جنس سماع الميت لكلام الحي ، كقوله صلى الله عليه وسلّم : ((وإنه ليسمع قرع نعالهم)) ..واستدلوا بهذا على أنه يسمع...
ويستدّلون أيضاً ببعض الأحاديث الضعيفة كا أحاديث التلقين للميت ونحوه..
ويستدلون أيضاً بما ورد من الأحاديث بأن الملائكة تبلّغ الميت أخبار أهله من بعده ويعرضون عليه مافعلوه فإن وجد خيراً فرح واستبشر وإن بلغ غير ذلك إستاء من أهله..
ويستدلون أيضاً بما يحصل للأحياء من رؤيتهم للأموات في المنام ، أي أرواح الأموات في المنام ، وأنه ربّما قالوا لهم.. فعلتَ كذا وفعلت كذا وكان خبرك بكذا وكذا ونحو ذلك.. وهؤلاء في مسألة خاصّة إستدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صناديد قريش لما دفنهم في القليب فأطلّ عليهم عليه الصلاة والسلام وقال : هل وجدتم ما وعد ربكم حقا . فإني وجدت ما وعد ربي حقا) قالوا يارسول الله أتكلّم أمواتآ؟ قال ما أنتم بأسمع لي منهم)) واستدلوا بهذا على أنهم يسمعون...
القول الثالث : وهو الصواب التفصيل ، وهو أن الميت يسمع ويسمع بعض الأشياء التي ورد الدليل أنه يسمعها ، والأصل أنّ الميت لايسمع لقوله تعالى: (( وما أنت بمسمع من في القبور)) وأنه أيضاً لايسمع ، فما خرج عن الأصل يحتاج إلى دليل ، وكذلك التبليغ تبليغ الأخبار، وهذا أيضاً خلاف الأصل ، ولهذا كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جعل له ملائكة سيّاحين في الأرض يبلغون من أمته السلام ، وهذا هو الأقرب إلى الدليل وهو الأظهر من حيث أصول الشريعة.. وهو أن الميت لايسمع كلّ شئ ، لا يسمع من أتاه بخبره بأشياء وأنه لادليل على أنه يبلّغ مايحصل ، لأنّ هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنّ الأحاديث الواردة في ذلك أنه يبلّغ ونحو ذلك أنه أحاديث ضعيفة لاتقوم بها الحجة ، فينحصر سماعه إذن فيما دلّ الدليل عليه.. وهو أنه يسمع قرع النعال ، وأن أهل بدر سمعوا أي صناديد قريش سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا في الرواية الثانية الصحيحة أيضاً أنه قال لمّا قالوا له : أتكلم أمواتاً ؟؟ قال : ما أنتم بأسمع لي منهم الأن)). وهذه الرواية ظاهرة الدلالة بأن إسماعهم وتكليمهم هو نوع تبكيث وتعذيبٍ لهم.. وزيادة (( الأن)) زيادة صحيحة ظاهرة..
والعلماء ألّفوا أيضاً في هذا تواليف في ثلاث إتجاهات ، يعني القول الأول والثاني والثالث ،
وإبن القيم _رحمه الله_ في كتابه (( الروح )) توسّع في هذا على القول الثاني ، توسّع فيه لكنه ليس هذا القول أو غيره موافقاً لقول المشركين الذين يجيزون منادات الميت وسؤال الميت الحاجات ، وطلب تفريج الكربات وإغاثة اللهفات ونذر النذور ليخاطبوه........ إلخ .
هذا غير داخل في المسألة لكنّ هذه المسألة أساس من يروّج بها من دعا إلى الشرك لأنهم يعتمدون على مثل هذه الأقوال..
وصنّف إبن القيم كتاب ((الروح )) وبحث في هذه المسألة وتوسّع فيها جداً حتى أنه _رحمه الله_ نقل منامات وحكايات في هذا المقام هي من قبيل الشواهد على طريقته ، لكن العبرة بما دلّ عليه الدليل من الكتاب والسنة ولا نتمسّك لكلام إبن القيم..
من زعم أن الموتى يغيثون وأنهم يسمعون ويجيبون من سأله....إلخ . بل إبن القيم _رحمه الله_ مع ما أورد فإنه ردّ على المشركين الخرافيّين وأهل البدع والضلال الذين يصفون الأموات بأوصاف الإله ، جل ّ الله عمّا ادعى المدّعون..
ولهذا الصواب الذي عليه الدليل هو التفصيل الذي مرّ ذكره ... إنتهى.
منقووول
الروابط المفضلة