" ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً إلا قال الله تعالى : " قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون ".
انظر إلى فضل رب العزة على المسلمين وعلى الموحدين، انظر إلى ستر الملك ليس فى الدنيا فقط بل وفى الآخرة .
حديث النجوى فى الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال : " يُدْنَى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه – أى على المؤمن – كنفه.
والكنف فى اللغة حتى لا تقول أنى أؤول الصفات لا الكنف فى اللغة : الستر والرحمة : " ويقرره بذنوبه فيقول الرب للعبد : عبدى لقد علمت كذا يوم كذا وكذا وعملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول المؤمن لربه سبحانه : رب أعرف رب أعرف فيقول الرب سبحانه: ولكنى سترتها عليك فى الدنيا وأغفرها لك اليوم " (3)
أنظر الفضل اللهم استرنا بسترك الجميل واغفر لنا الذنوب يا علام الغيوب فهذا من فضل الله على هذه الأمة.
أيضاً إذا اتفق عدد كبير جداً من المسلمين على الثناء بالخير على مسلم، فأظن أن هذا من باب أولى، أولى أن هذا الرجل قريب من الله وله المكانة الكريمة عند الله تعالى أليس كذلك ؟ إن كان النبى قد قال بشهادة أربعة فمن باب أولى أن يشهد لهذا المتوفى عدد كبير من الصالحين ، وهذا من باب الحرص، أن يحرص المسلمون من هذا الباب على أن يحضر الجنازات أكبر عدد من المؤمنين ، ومن الصالحين، فيما نظنهم من أهل الصلاح ونحن نحكم على الظواهر، أما البواطن فعلمها عند من يعلم السر وأخفى.
لكن كنت أود أن أقف مع موقف، أو أمر يفعله بعض الناس فى المساجد الآن فهما مقلوباً منهم لهذه الأحاديث التى ذكرت.
إذا مات الميت وصليت عليه الجنازة، قام الإمام والتفت إلى الناس وقال : ما تشهدون فيه؟ ما تقولون فيه ؟ هذه بدعة قبيحة منكرة ليس المراد بكلام النبى هذا، أبداً – وإنما المراد به : أن تصير سيرة الرجل حسنة بين الناس، فإذا ما توفى انطلقت الألسنة بالثناء عليه، بالخير حينما تسمع عن فلان أنه مات، لا إله إلا الله رحمه الله، كان لا يترك الجماعة فى المسجد، وكان محسناً لليتامى، والفقراء، رحمه الله كان متواضعاً، رحمه الله، كان خيرا رحمه الله ، كان كذا وكذا.
فلان مات، أجحمه الله ارتاح الناس من شره، لا إله إلا الله، تدبر هذه كلمات أولى تنفعل بها الألسنة، بما تحمله القلوب، هذا هو المراد.
وليس المراد بأن يأتى الرجل، ثم تأتى مجموعة من المقربين، ما تقولون فيه؟ كان وكان وكان ، وكان يطعم الطير فى السماء، والسمك فى الماء، وهو أبخل أهل الأرض، ليست هذه شهادة هذا كذب على كذب، إنما المراد الشهادة : انفعال الألسنة انفعالية تلقائية، لما تحمله القلوب والصدور من الثناء والخير، لفلان ابن فلان.
ووالله لا يوفق إلى هذا الخير، إلا من وفقه الله ابتداءً لأن هذا رزق ، لا يستطيع أن تلعب على أوتار النفاق طيلة عمرك لا تستطيع ، يمكن أن ينافق المرء شهراً، شهرين، سنة سنتين يوقول ابن القيم – من باب بركة العلم أن ننسب القول لأهله- فأقول والكلام لابن القيم رحمه الله : يأبى الله إلا أن يفضح المنافقين فى الدنيا قبل الآخرة على صفحات وجوههم، وفى زلات ألسنتهم.
وأنا أضيف كلمة لابن القيم من باب فقه الواقع، الكلام لابن القيم وأضيف عليها كلمة : يأبى الله إلا أن يفضح المنافقين فى الدنيا قبل الآخرة على صفحات وجوههم، وفى زلات ألسنتهم، وفى كلمات أقلامهم الثالثة نحن محتاجون إليها المنافق هذا اليوم يملأ قلمه بالنفاق، ويطفح القلم نفاقاً مركباً مسطراً فى سطور مظلمة، سوداء؛ ليسب الصحابة، ليست السنة، ليسب رب العزة والجلال، نفاق أكبر لا تظن أنه من النفاق الأصغر، هذا نفاق أكبر. قال الله تعالى : " { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } 65 ، 66 التوبة
وقال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (57) الأحزاب فالمنافق يأبى الله إلا أن يفضحه، فالإنسان لا يطيق أن يلعب على أوتار النفاق طيلة حياته، لا. مستحيل لابد أن يظهر نفاقه.
اسمع ماذا يقول النبى حديث جميل قال : " من سمَّع سمعًّ الها به، ومن رآى رآى الله به "(1)
يعنى تعمل من أجل السمعة ومن أجل الرياء ، سيظهر الله عز وجل – سريرتك وسيجعلها علانية، هذا عدل الله، هذا أمر قدرى وشرعى ، وهذه حقيقة ثابتة قدراً وشرعاً، ألا وهى معاقبة الإنسان بضد قصده، وسمعة ورياء، ستجد العكس، تجتهد وتبتغى الإخلاص من الله، ستجد الخير هذه سنة.
اللهم ارزقنا الإخلاص فى القول والعمل، وجنبنا السمعة والرياء، ولا تجعل فى أقولنا ولا فى أعمالنا لا للشيطان ولا للنفس ولا للهوى حظاً ولا نصيباً يارب الأرض والسماء.
وقال " ما من عبد إلا وله صيت فى السماء " رجل فقير لكن له وجاهة وله مكانة، وهو فقير له عزة له كرامة، فالنبى يقول : " ما من عبد إلا وله صيت فى السماء، فإن كان صيته فى السماء حسنا وضع فى الأرض، وإن كان صيته فى السماء سيئا وضع فى الأرض " (2)
الحديث جميل والألسنة لا تلهج بالثناء ولا بالذم جزافا، لا والله .
فنسأل الله – عز وجل – أن يستر علينا فى الدنيا والآخرة بستره الجميل، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أكتفى بهذا القدر ، لأواصل بإذنه تعالى فى الفصل المقبل أحكام الجنائز، وأسأل الله – جل وعلا – أن يختم لنا ولكم بالإيمان وأن يرزقنا جميعاً وإياكم قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ونعيماً ورضواناً.
الروابط المفضلة