يقول الراوي
كنت أعمل في مؤسسة إعلاميةكبرى
وكنت أرى أني في كل يوم أصنع شيئاً جديداً، وأنا أعد المادةوأحررها
وأقدمها بعد جهد متعب يستغرقفي الغالب إلى منتصف الليل ..
ولذا فقد كنتأشعر بالنشوة، وأنا أمشي بين الناس
لاسيما إذا رأيت في أيديهم جرائد الصباح ..
كنت أتقمصُ دور المصلح والأديب والمثقفوالمحلل والناقد و… و… الخ
غير أني كنت فيغفلة شبه تامة عما افترضه الله عليّ
بل لقد ذهبت شوطاً بعيداً في الغفلة
حيث أصبحت شعائر الدين في نظري مجرد طقوس روتينية
وتمتماتشفاه ، وطرقعاتمسبحة ، وأشياء أشبه بالشعوذة
التي ينبغي أن تحذف من حياتناالمعاصرة التي بلغت فيها الأمم القمر !!
ويكفي الإنسان أن يدخل المسجد فيأوقات محددة يذكر فيها الله
فإذا خرج فعليه أن ينسى كلشيء يتعلق بما كان فيه في المسجد !!!!!
ذات نهار ..
وكنت في كامل ( شياكتي )وأناقتي نزلت كالعادة منتشياً
وعلى الدرج المؤدي إلى مخرج البناية ، سمعتتمتمات من خلفي
التفت فرأيت شاباً ناضجاً يهبط الدرج ورائي وهو يردد عباراتمتصلة
_ عرفتفيما بعدأنها أدعية الخروج من البيت وأذكارالصباح _
سرت خطوات ، وبقي الشاب غير مكترث بي
مواصلاً تمتماته ، فالتفتُ مرةأخرى إليه
وبرزت على شفتي ابتسامة باهتة ، فإذا به يفاجئني ويقول في ثقة :
خير إن شاء الله ..!؟
هززت رأسيفي ارتباك ، ولم أتكلم ، واكتفيت بإشارة من يدي كأني أعتذر
وسرت خطوات، وبقيالشاب يواصل أذكاره كأنما يريد أن يسمعني
ربما هو يعرفني جيدا فأراد أن يلفتنظري
ولا أدري ما الذي جعلني ألتفت مرةثانية وأنا أبتسم
فسألني مرة أخرى في حزم وعلى وجهه ابتسامة الواثق
خير .. خير إن شاء الله ، هل هناكشيء !؟
وتمالكت نفسي وقلت
لا، لا ، فقط .. استرعت انتباهيهذه التمتمات ..
ثم وجدت نفسي أجمع كمية هواء في صدري وأسأله
هل من ضرورة لهذا الذي تقول؟
قال الشاب وعلى وجهه ابتسامة عريضة تكاد تنضح
لولا أن قلبك مريض ما سألت هذاالسؤال .!؟
وهالني ما اسمع فقلت : قلبي مريض .. أعوذ بالله .!
قال في ثبات
راجع حالة قلبكالصحية على ضوء نصوص الوحي
لتعرف أنك مريض وأنتلا تشعر ..!
والآن أدعك لأني على عجلة ، ولعللنا لقاء آخر أؤكد لك فيه مرض قلبك
وتركني ومضى ..
وبقيت كلماته ترن في أذني ،أبت كلماته أن تترك قلبي ..
ووصلت إلى المؤسسة ، ووجدت نفسي لا أستقر في مكاني
واتصلت برجل فاضل يعمل في أحد الأقسام ، يعود إليه أكثر الزملاء لاستشارته،
وأفضيت إليه بما كان من أمري مع ذلك الشاب ..
وهالني مرة ثانية أنه أخذ _في أدب جم _ يؤكد ما قاله الشاب ،
ثم استرسل _ بطلب منيوإلحاح _ يحدثني عن عوالم القلب العجيبة
وكيفيشرق ، وكيف يظلم ، وذكر نصوصاً وشواهد وأقوالاً و..و…الخ
وكانت نقطةالبداية الحقيقية التي غيرت مجرى حياتي فيما بعد ..
لقد انطلقت بشغف أبحث وأنقبوأفتش وأسأل وأتحقق
وأحضر حلقات علم ، وأتصل بمشايخوأعمل بوصايا …
فإذا بي أجد نفسي اكتشف أنني قضيت شطراً من عمري في وهم ..
بل في وهم كبير ، وكبير جدا ..!
والحمد لله الذي هداني قبل أن يدهمني الموت
وأنا على ذلك الوهم الكبير ..!
لله الحمد من قبل ومن بعد
ولذلك الشاب المتألق الواثق خالصدعواتي
الروابط المفضلة