موقف وتعليق
بقلم الشيخ :- محمود شمردن – مصر -
كان شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إذا استغلقت عليه مسألة استغفر الله ألف مرة أو يزيد ، وربما خرج إلى الخلوات يمرغ خده في التراب ويقول :- يا معلم ابراهيم علمني ....
إنه موقف يجعل الإنسان يتعجب من حال هذا الإمام الجليل الذي انتشر علمه في الأرض كلها ، وما زالت تصانيفه وكتبه يتربى العلماء عليها ، ويقبلون على ما فيها بشغف لينهلوا من كنوزها وفوائدها .
ولقد شهد العلماء لابن تيمية رحمه الله بالعلم الغزيز وتمكنه من علوم الشرع الحنيف ، ومَن يقرأ ويطالع كتبه ومؤلفاته يدرك قدر هذا الإمام الكبير ، ومع ذلك يقول هذا الكلام الطيب عندما تستغلق عليه مسألة في الدين .
هل سمعتم مثل هذا حدث لأحد العلماء المعاصرين ؟ !!
فالواقع يشهد بأمور تبعت على العجب والدهشة ، هنا نسأل ونقول :- هل إذا عجز عالم من العلماء عن تفسير مسألة أو حلها سيتصرف مثل ابن تيمية ؟ ، فالبعض حين تعرض عليه قضية ولم يدر لها جواباً أو أعيته في معرفته وجلس أمامها وقتاً طويلاً ، ظن أنه في حاجة إلى أن يغير مكانه وأن يتركه لعدة دقائق ليشم هواءً عليلاً قد يبعث النشاط والحيوية في بدنه وعقله مرة ثانية ، أو عليه أن يعد كوباً من الشاي أو القهوة لتعيد له توازنه وتركيزه ، وفي أيامنا هذه مع وجود الانترنت سيتوجه تلقائياً إلى صفحاته لعله يجد فيها بُغيته وطلب ، أو يتصل بعالم مثله يستفتيه فيما عرض عليه ويناقشه في هذه المسألة . ولكننا هنا أمام إمام جليل القدر والمنزلة ، لا يعتمد على علمه وعقله ، ولا يظن في نفسه الكمال وأن المسائل لن تستغرق معه إلا وقتاً قصيراً ليجيب عليها ، فهو يعرف الطريق الذي يوصله إلى ما يبغي ويريد .
هذا هو الطريق :- من أراد الوصول والتيسير في جميع أموره فعليه أن يلجأ إلى الله جل وعلا تعالى الذي بيده مقاليد الأمور ، فهو سبحانه جعل الحديد ليناً في يد نبيه داود عليه السلام ، وهذا يجعل المسلم على اتصال دائم بمولاه وسانده .
فابن تيمية يستغفر الله تعالى ، ليس مرة أو مرتين ، إنما يتجاوز الألف مرة ولا يعيب علي نفسه هذا الفعل لاعتقاده ان الاستغفار وذكر الله سيجعل الأمور ميسرة أمامه .
مَن من العلماء مرغ خده في التراب واستغفر ربه تعالى عندما يعجز عن حل مسألة ؟ !!
ابن تيمية فعل هذا ليكون درساً لكل العلماء وألا يغالوا في أنفسهم ويعتقدوا في الإحاطة التامة بكل مسائل الشرع الحنيف ، إنها دعوة لكل علماؤنا ومشايخنا لتوطيد الصلة لله تعالى ، وتربية النفس على الذل والانكسار بين يدي الله عز وجل .
كلمة السر :- إن هذا الإيمان العميق الذي وقر في قلوب هؤلاء العلماء كتب لعلمهم وكتبهم الخلود على مر الدهر والعصور . وما زالت كلماتهم تروى ويتناقلها الناس جيلاً بعد جيل .
فالله تعالى يقول :- ( وَمَن يَتّقِ اللّهَ يَجْعَل لّهُ مَخْرَجاً) سورة: الطلاق: 2 ، وفي سورة الليل يقول ربنا تبارك وتعالي :- ( فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ ) سورة الليل: 7 فالإنسان عليه أن يتواضع حتى يرفعه الله عز وجل في الدنيا والآخرة .
إن هذا الموقف درس عظيم لكل طلبة العلم الذين يسيرون على نهج العلماء ويلتمسون علمهم ، أقول لهم :- وثقوا علاقتكم بالله تعالى ، وكونوا على اتصال دائم بالله ، والزموا باب سيدكم تنالوا العون والهدايا ، إن المسلمين في غزوة بدر لجأوا إلى الله عز وجل واستغاثوه فأغاثهم ونصرهم وأيدهم قال تعالى :- ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ) سورة الأنفال : 9
والله هو الهادي لما فيه الصواب والرشاد ، ونسأله أن يجعلنا من عباده الصالحين المقبولين ، رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين .
الروابط المفضلة