إلى المشتاقين لحج البيت الحرام
بقلم فضيلة الشيخ :- محمود شمردن – مصر -
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
صارت فريضة الحج في هذه الأيام صعبة المنال على كثير من المسلمين ، حتى خُيّل للبعض أنه لن يستطيع يوماً أن يقف على عرفات أو يكون مع الساعين بين الصفا والمروة ، فهي كالحٌلم له يراه النائم في النوم فإذا أصبح لم يجد شيئاً.
وهذا الظن يوجد في الواقع بعض الأمور التي تقويه من ذلك ارتفاع تكاليف الحج عاماً بعد عام حتى صار الفرد يدفع آلاف الجنيهات ليحقق ما يتمنى من حج بيت الله الحرام ، فقد تحولت كثير من الشركات السياحية العاملة في هذا المجال إلى شركات همها الربح وفقط ، ومما عقِّد الأمور كثرة ما يشتريه الحاج عند أداء الفريضة وبعد الفراغ منها من أشياء أو حاجات لأسرته أو أقاربه وأحبائه وأصدقائه مما يُلقي على كاهل الحجاج أعباء كثيرة ، لأنه إذا عاد إلى أرضه ولم يشتر شيئاً لأحدٍ من الناس ربما اتهموه بالبخل والشح والحرص على المال.
زد على هذا سوء الأحوال الاقتصادية في العديد من البلاد العربية والإسلامية ، وأيضاً فإن بعض الحجيج يوصون أهلهم وأولادهم بزخرفة البيت بعد عودته من أداء الفريضة لكل هذه الأسباب وغيرها يشعر المرء أحياناً أنه مجرد التفكير في أداء الحج ربما يكون مبالغاً فيه لصعوبة الأوضاع ويسيطر عليه هذا الشعور الذي قد يقوده إلى اليأس من تحقيق أمنيته وهي حج البيت الحرام .
ولكن هنا كلمة نوجهها لإخواننا نسأل الله السداد والقبول :-
أولاً:- ثق في الله تعالى :- فالمؤمن يثق ويؤمن بأن الله تعالى هو صاحب الأمر والنهي في هذا الكون ، وأن كل ما يحدث في الدنيا إنما هو بمشيئة الله وإرادته ، وهنا يطمئن قلبه إلى أن ربه قادر على أن يهيئ له فرصة الحج دون توقع أو احتساب ، ويتذكر قوله تعالى :- ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَوَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) آل عمران :37 ، فقد تأتيك دعوة من أحد الأقارب أو الأصدقاء ممن يقيمون في الأراضي المباركة أو تُتاح لك فرصة سفر للعمل في هذه البقاع الطاهرة الطيبة ، وهنا نعيش قوله تعالى :- ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاًّ )الطلاق: : 2 – 3 .
فليس هناك في الدنيا شئ مستحيل على الله تعالى فهو الذي يصرف أمور الخلق جميعاً.
ثانياً :- لا تزاحم غيرك :- وأقول لإخواني الحجاج الذين وفقهم الله تعالى لأداء هذه الفريضة مرة أو مرات :- اتركوا الفريضة لإخوانكم الذين لم يفوزوا بما فزتم به من خيري الدنيا والآخرة ، لأنكم عندما تتقدمون لأداء الفريضة بعد ذلك ثانية أو رابعة فهذا يتسبب في رفع تكاليف الحج ، وقد يحرم المتعطشين لحج بيت الله الحرام .
ثالثاً:- هذا خير وأبقى :- فإذا أدى المسلم فريضة الحج لأول مرة صارت المرة الثانية والثالثة تطوعاً بعد ذلك ، فهو قد جاء بعمل ليس فرضاً عليه ، ولذا نقول لهؤلاء الباحثين عن رضا ربهم عليهم ، ماذا لو دفعتم المال الذي ستدفعون لأداء الفريضة إلى كفالة الأيتام أو علاج المرضى أو بناء بيت لأسرة فقيرة تعيش وضع سيء ، أو تدفعون لجمعية خيرية تعمل في مجال الحج والعمرة لتخفض أسعار الحج على غير القادرين ، فهذه دعوة إلى رجال الأعمال المسلمين وإلى الذين سبق لهم الحج قبل ذلك أن يتبرعوا بشئ من أموالهم لمساعدة غيرهم من المسلمين.
رابعاً :- في الصندوق الحل :- ويمكن للموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية والمصالح الحكومية والشركات أن يتعاونوا في هذا الباب ، مثل :- إنشاء صندوق خاص بفريضة الحج ، يتكون من شركات يدفعها العاملون الراغبون في أداء الفريضة ، فهذا يمكن عدد من العاملين للحج كل عام ، وفي هذه الحالة سيتفق العاملون على تحديد نسبة الدفع ومواعيدها مع استبعاد الحجاج الذين سبق لهم أداء الفريضة لإتاحة الفرصة أمام غيرهم لنيل هذا الشرف ، وهذا العمل العظيم يدخل تحت قوله تعالى :- ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّوَالتَّقْوَى ) المائدة : من الآية 2.
خامساً :- اقتصد في الكماليات والمباحات :- كثير من الناس ينفق ببذخ وسرف شديد على الطعام والشراب أو اللباس ، فهم يريدون أن يعيشوا عيشة هنيئة يجدون فيها اللذة والمتعة ، فالبعض لا يترك الذهاب إلى المصايف عاماً واحداً ، وهذا يكلفه مبالغ طائلة فلو أنه وفر هذه الأموال عاماً بعد عام ليحقق حُلمه في حج البيت الحرام ، وكثير من الأسرة تبالغ في الطعام وألوانه وتتفنن في ذلك يدفعها داء المباهاة أو الاقتداء بالغير أو ليعيشوا في مستوى أعلى من مستواهم الاجتماعي .
ولقد سمعتُ أن بعضهم يجدد أثاث بيته كل عام ويتخلص من القديم وينفق أموالاً جمعها من عرق وسهر الليالي على زينة البيت ، وربما لم يفكر لحظة في حج بيت الله الحرام ، فالذي يسعى للحج عليه أن يقتصد في حياته سواء في طعامه أو شرابه أو ملابسه ليقدر على توفير المال اللازم ليؤدي به فريضة الحج.
سادساً :- صدق النية :- إذا أراد الإنسان الخير فعليه أن يكون صادقاً فيما يقوله ويدعيه ، فالمهم صدق العبد مع ربه تعالى ، فعلى قدر النية يكون الإمداد من الله تعالى ، وعليه أن يكثر من اللجوء والتضرع لمولاه حتى يُيسر له ما يريد ، فكلام اللسان لابد أن يتوافق مع ما في القلب و إلا كان كذباً ويُحرَم صاحبه من الأجر والثواب .
سابعاً :- استشعار الأجر والثواب :- فالإنسان يعمل بالليل والنهار ويتحمل البعد عن الوطن والأهل والأصحاب لأنه يجد في السفر الوسيلة المناسبة لتحقيق أحلامه في الحياة الرغدة والعيشة الكريمة ، فإذا استشعر المسلم الأجر العظيم الذي يحصل عليه من الحج فهذا يقوي الرغبة عنده في الاقتصاد في أمور المعاش ويدفق نحو التفكير الجاد لتوفير المال اللازم لأداء الفريضة.
وهذه بعض العطايا التي تعود على المسلم من حج البيت الحرام :-
ü دخول الجنة :- قال صلى الله عليه وسلم :- ( الحج المبرور ليس له جزاء إلى الجنة ) متفق عليه .
ü مولد من جديد :- قال صلى الله عليه وسلم :- ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) متفق عليه.
ü الثواب الجزيل :- أخرج الطبراني والبزار واللفظ له :- ( أن رجلاً من ثقيف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الحج وما له فيه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :- فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة ، ومحا عنك خطيئة ، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل ، وأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رقبة ) كتاب الحج رحلة حب د علاء الدين محرم ص 47.
ü يباهي الله تعالى بعباده الملائكة :- وذلك عشية الوقوف بعرفة.
ü أجر وفير :- الصلاة في المسجد الحرام تعدل 100 ألف صلاة فيما سواها.
ثامناً :- التدخين وتكاليفه عائق خطير :- يتعلل البعض عن عدم الذهاب للحج بسبب ضيق ذات اليد وقلة المال الذي يوفر له أداء الفريضة ، وأنه لو كان معه المال لعجّل بأداء الفرض ، ويدّعي الفقر، والشيء الغريب هو أنك قد تراه مدمناً لشرب السجائر وإكثاره منها ، فإذا قلت له :- امتنع عن التدخين لتقدر على الحج ، نظر إليك نظرة فيها الدهشة وكأنك قلت شيئاً عجيباً أو أنك تمزح معه.
ونريد هنا أن نقف وقفة مع المدخنين ، ونقول :- إن التدخين حرام كما صدرت بذلك العديد من فتاوى العلماء في كل البلاد الإسلامية ، والعربية ، فالطب أثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطورة التدخين على صحة الإنسان وبدنه ، ولذا أفتى العلماء بحرمته مع وجود التبذير والضر الذي يقع على عاتق المدخن وأسرته والمجتمع كله ، وكثير من الناس لديه شراهة في شرب السجائر ، فلو ادخر مال السجائر لتوفر لديه مبلغ قد يساعده على توفير المال اللازم لأداء الحج.
فلو فرضنا أن شخصاً ما ينفق كل يوم 10 جنيهات على شرب السجائر ، فمعنى ذلك أنه ينفق 300 جنيه في الشهر ، فإذا ضربنا هذا المبلغ في عدد شهور السنة – لكان المبلغ = 300 x 12 = 3600 جنيه ، فلوا استمر هذا المدخن يحافظ على هذا المعدل لمدة عشر سنوات كان ما ينفقه على التدخين في السنوات العشر = 10 x 3600= 36000 جنيه ، فمعنى ذلك أنه أنفق ستة وثلاثين ألف جنيه على التدخين ، لو ادخرها لكان قادراً بإذن الله تعالى على حج بيت الله الحرام .
والمصيبة أن عدد المدخنين يزداد يوماً بعد يوم ولم يعد قاصراً على الكبار، بل امتد إلى الشباب والأطفال حتى وصل إلى النساء.
تاسعاً: البداية من البيت :- فلو قام كل واحد منا بعمل صندوق صغير في بتيه وكتب عليه (صندوق الحج) وأخذ يضع فيه كل فترة ما تيسر له من مال ، وهذا سيجني فوائد من هذا العمل ، منها تعلق قلبه الدائم والمستمر بهذه الفريضة طوال هذه المدة التي ربما طالت وامتدت عدة سنوات ، وأيضاً لو توفاه الله تعالى ففضل الله عظيم في التكرم عليه بثواب فريضة الحج التي نواها بقلبه وعمل بها بما يستطيع ، وسيكون قدوة صالحة لأولاده في الحرص على الطاعة والعمل للآخرة ، وتعظيم شعائر الله تبارك وتعالى وترتبط هذه الفريضة في أذهان الأولاد منذ نعومة أظفارهم ، فإذا كبروا سارعوا إلى أدائها لوم يتأخروا في تنفيذ ما أمر الله تعالى ، لأنهم رأوا أباهم قدوة صالحة في ذلك .
عاشراً:- مجالسة الحجيج وسماع أخبارهم :- فالسماع له تأثير على النفس من حيث الحب والبغض وهذا مشاهد ومعروف ، فقد تحب إنساناً دون أن تراه بسبب كثرة ما تسمعه من ثناء الناس عليه ، والعكس فقد تكره شخصاً وتبغض لأن الناس ينعونه ، ومن هنا فلو جلس أحدنا مع أحد الحجاج واستمع إليه وهو يتحدث عن ذكرياته في هذه البقاع الطاهرة ، وهذا يدفعنا إلى انتقاء المجالس التي نجلس فيها بحيث تكون مجالس للخير والذكر والطاعة والبعد عن الشر والمعصية .
أحد عشر :- اختلاف الفقهاء ليس صارفاً عن الحج :- يتكاسل البعض عن أداء هذه الفريضة العظيمة ولا يفكر فيها رغم توافر الظروف المناسبة له من حيث وجود الزاد والراحلة والمقدرة المادية والبدنية على الذهاب لأداء المناسك ، وذلك بسبب سماعه من العلماء أن الحج يجوز أن يتم على التراخي ، فهو يقول لنفسه :- إن لم أحج هذا العام فيمكن في العام القادم أو الذي بعده فالمهم – في نظره – هو أن يحج مرة واحدة في العمر.
ولكن نقول لهؤلاء :- هل تضمن يا أخي أن تعيش سنة قادمة ؟
ألا تدري يا أخي أن الموت يأتي بغتة دون سابق إنذار، وليس للموت سن معين، فقد يموت الشاب ويعيش الكبير.
أنت الآن في عافية وصحة ولكنها قد لا تستمر معك إلا مدة ، فهل لديك يقين أن هذه الصحة ستلازمك عشرين عاماً ، فالإنسان قد يمرض مرضاً شديداً يكون حائلاً بينه وبين حج بيت الله الحرام .
سارع أخي بأداء هذه الفريضة ولا تؤخر ذلك للعام القادم أو الذي يليه، فأنت لا تعلم الغيب ولا تعرف ما فيه.
اللهم وفقنا لزيارة بيتك الحرام واجعلنا ممن كتبت اسمهم في عداد الذين يسعون بين الصفا والمروة وممن يقفون على عرفات، الله آمين
نقلاً عن موقع الداعية محمود القلعاوى
www.elkal3ya.com