إن من سوء الأدب مع الله
أن نعتمد على الأسباب وحدها في كسب أرزاقنا.. فالله تكفل لنا بالرزق، ولكن أمرنا بالسعي والاعتماد عليه وحده. وعلمنا أن كل ما تأتي به الأقدار إنما هو مكتوب علينا منذ الأزل، لكي نستقبل النعمة والنقمة بالرضا والقبول. {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ} (سورة الحديد23).
*ومن سوء الأدب مع الله أن يكون ظاهرنا جميلاً، وباطننا وبيلاً، فكما نحب أن نلقى النَّاس بمظهر حسن، فكذلك يجب أن تكون قلوبنا على هذا الحسن.. لاشيء فيها من المقابح والرذائل.. *إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم ونياتكم*
*ومن سوء الأدب مع الله أن ننشغل بعيوب النَّاس عن عيوب أنفسنا، وأن نجعل كل همنا تتبع عورات النَّاس.
*ومن سوء الأدب مع الله أن نستحسن أعمالنا، بينما هي سيئة عند الله. {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}(سورة فاطر 8) .
*ومن سوء الأدب مع الله أننا نستحي من النَّاس، ولا نستحي من الله، والأولى بنا أن نستحي ممن يرى ظاهرنا وباطننا ويعلم السر وأخفى. {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ }(سورة النساء108).
*ومن سوء الأدب مع الله أن نطلب العلم، لا لنعلم الناس، ولكن للمباهاة والفخر: * مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ َلِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أو لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَليتبوأ مقعدهَ من نَارِ *.
*ومن سوء الأدب مع الله أننا نستصغر أرزاقنا، ونظهر عدم رضانا عنها فينزع الله منها البركة: ( ما من أحد إلا وله رزق يأتيه. فمن يرضى برزقه بورك له فيه ووسعه ومن لم يرض به، لم يبارك له فيه ولم يسعه)
وقد كان رسول الله r يقول في دعائه: (اللهم ارزقني قلباً شاكراً).
وكان سيدنا سليمان يقول في دعائه: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ }(سورة النمل 19) .
*ومن سوء الأدب مع الله أننا نذنب في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، ومع ذلك إذا تبنا قبل الله توبتنا، وعفا عنا، أو إذا أخطأ أحد في حقنا، أسرعنا بالانتقام منه وننسى قوله تبارك وتعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }(سورة الشوري40).
*ومن سوء الأدب مع الله أن ننسى الغاية التي خُلقنا من أجلها، ونندمج بكليتنا في زخرف الدنيا ومتاعها. {وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ }(سورة الأنعام32).
*ومن سوء الأدب مع الله أننا نمر على بديع صنعه بعقول معطلة عن التفكير والتأمل والتدبر والاعتبار، مع أن الله دعانا إلى أن ننظر في ملكوته، ونتأمل مظاهر قدرته: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ(6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7) }(سورة الذاريات).
*ومن سوء الأدب مع الله أن نعمه تتوالى علينا ليل نهار، ومعاصينا تصعد إليه ليل نهار. فكأننا نقابل النعمة بالمعصية، والفضل بالنكران والجحود.. {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا}(سورة الإسراء 83).
*ومن سوء الأدب مع الله أننا نتخذ من الذين أغفل الله قلوبهم عن ذكره، أخلاء نطيعهم ونستملح ما يفعلون: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}(سورة الكهف 28).
v كل هذه الصور الداكنة القائمة المقيتة من سوء الأدب مع الله مصدرها القلوب التي طبع الله عليها، وقال عنها أصحابها: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} وقالوا أيضاً: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ}وقد تحدث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ }. وفي قوله جل شأنه: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }.
إن القلوب المطبوع عليها إذاً هي قلوب الكفار والمنافقين والمتكبرين والجبارين والمعتدين، والظالمين بوجه عام.. هذه القلوب تتلذذ برؤية المعاصي، كما تتلذذ الكلاب بأكل الجيف.
إذا رأت يداً باطشة ، فإنها تشعر بالزهو والإعجاب.
وإذا رأت عيناً زانية، فإنها تحس بالفرح والحبور.
وإذا رأت لساناً كاذباً، تخفق طرباً في الصدور.
وإذا رأت أذناً آثمة، فإنها ترقص اختيالاً في الجوانح.
وإذا رأت رجلاً عاصية، فإنها تكاد تنهال عليها بالقبلات.

من كتاب : كيف نتأدب مع الله