ليست ثلاثة أديان بل ثلاث شرائع
تقوم دعوة كل الأنبياء الذين بعثهم الله على أساسين اثنين : الأول العقيدة ، والثاني التشريع و الأخلاق . فأما العقيدة (أو الدين) فمضمونه واحد دوما لا يتبدل منذ بعثة آدم عليه السلام ، و هي الإيمان بوحدانية الله و تنزيهه عن كل ما لا يليق به من الصفات و إخلاص العبودية له وحده سبحانه ، و الإيمان باليوم الآخر و الحساب و النار و الملائكة و القدر و الكتب السماوية و الأنبياء . و كان كل نبي يأتي مصدقا للعقيدة التي جاء بها من قبله و يبشر بالنبي القادم بعده ، و هكذا تعددت البعثات و العقيدة و احدة .۞شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك ، و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه۞
أما التشريع و هو مجموعة الأحكام التي يتم بها تطبيق العقيدة و تنظيم حياة الفرد والمجتمع فكانت تختلف في الكم و الكيف تبعا للتطور الزمني و الحضاري للأمم المرسل إليها ، ذلك أن فكرة التشريع قائمة أساسا على ما تقتضيه مصالح العباد في دنياهم و آخرتهم ،و هذه المصالح متغيرة بتغير الزمان ، هذا و كانت بعثة الأنياء قبل محمد صلى الله عليه و سلم محصورة في إطار أقوام معينيين حسبما يقتضيه حال تلك الأمة .
و اسمع إلى قول عيسى عليه السلام في أكثر من موضع
۞وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوارة .. ۞ الصف
۞وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ .. ۞ المائدة
۞.. و مصدقا لما بين يدي من التوارة و لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ... ۞آل عمران
فقد بين لهم أنه فيما يتعلق بأمور العقيدة فهو مصدق لما جاء في التوارة (غير المحرفة ) و مؤكد لها من إثبات الألوهية و الوحدانية بالله ، أما بالنسبة للتشريع و أحكام الحلال و الحرام ، فقد كلف من الله تعالى ببغض التغيييرات و إيجاد بعض التسهيلات و تحليل بعض ما كان حرم على بني إسرائيل من قبلهم .
فالعقيدة و الدين واحد الدين كله لله
و أما الشريعة أو التشريع ، فإن شريعة كل رسول ناسخة لما قبلها ، أي يكون العمل بمقتضى التشريعات الجدية إلا إن اتفق التشريع الجديد مع أشياء من التشريع القديم أو سكت عنها فلا حرج في العمل بها ، و ذلك مذهب من يقول : شريعة من قبلنا شريعة لنا إذا لم يرد من يخالفنا .
إذن يتضح من كل هذا أنه لا توجد أديان سماوية متعددة ، و إنما شرائع سماوية نسخ الجديد منها سابقه ، إلى أن استقرت الشريعة السماوية الأخيرة التي قضت حكمة الله أن يمون مبلغها خاتم الأنبياء و المرسلين ، و تكون عامة شاملة جميع الخلق إلأى يوم الدين . أما الدين فواحد منذ بعثة آدم عليه السلام ..
فانظر إلى سيدنا إبراهيم ۞ إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت لرب العالمين ، و وصى بها إبراهيم بنيه و يعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم و مسلمون ۞ البقرة
وموسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ، فيقول تعالى عن سحرة فرعون ۞.. وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين۞الأعراف
و به بعث عيسى عليه السلام ...۞ قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله و اشهد بأنا مسلمون ۞آل عمران
فالمسلم في الأصل : المخلص العبادة لله ، و المستسلم لأمر الله المتذلل له
و أهل الكتاب يعلمون وحدة الدين ، و أن الأنبياء إنما جاءوا ليصدق كل واحد منهم الآخر ، و إنما اختلفوا لأنهم اتبعوا أهوائهم و تقولوا على أنبيائهم بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم .۞ إن الدين عند الله الإسلام و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ۞
۞فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ۞ البقرة
______________
من كتاب فقه السيرة النبوية ((بتصرف ))\ للشيخ محمد سعيد البوطي
دار السلام للنشر و التوزيع
الطبعة الشرعية الوحيدة
____________
و لتقريب الأمر أكثر هذا مثال بسيط
تخيلوا شركة عقارية لها مدير ، وكما هو معلوم ، للمدير وكيل في الشركة ينظمها و يشرف عليها على النحو الذي يمليه عليه المدير ، مهما تبدل أو تغير الوكيل ستظل الشركة تعمل في العقارات ، و لكن الذي يتبدل و يتغير هو سياسة الشركة ...
۞و لله المثل الأعلى في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم ۞
الروابط المفضلة