الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد:
فقد قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}
وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}
وقال عز وجل: {كانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17].
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيّها النّاس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلّوا بالليل والنّاس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام»
[السلسلة الصحيحة ح569].
وعن عائشة رضي الله عنه قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقلت له: لم تضع ذلك يا رسول الله وقد غَفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً» [متفق عليه].
فهذه رسالة عن قيام الليل وفضائله ترغّب فيه وتحث عليه نسأل الله أن يتقبل منّا صالح الأعمال، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماّ كثيراّ.
أخي الحبيب ... أختي المسلمة
في هذا الزمن الذي اقشعرت الأرض فيه، وظهر الفساد في البّر والبحر من ظلم الفجرة، ذهبت البركات، وقلت الخيرات، وشكا الكرام الكاتبون إلى ربّهم من كثرة الفواحش، قلّ الصالحون فلا تجدهم، وتكالب الأعداء على الموحدين.
أصبحت القلوب قاسية، والأعين جامدة، طال الأمد على الكثير حتى على الملتزمين فأصبحوا لا يجدوا للطاعة حلاوة، وأصبحت الحياة مليئة بالملل!!
وسط كل هذا ومع رغبة في العلاج، مع شوق للمغفرة، وطمع في الرحمة، ولهفة للجنّة، وأمل في طرد الغفلة، وظمأ للنصر على الكفرة، أدلك إن شاء الله على باب الإستقامة بعد التوحيد .. إنّه قيام اللّيل .. يحل لك كل هذا ولا تعجب.
فالزم ساقيك في اللّيل المحراب، فإنّه للإستقامة باب!
قيام اللّيل شريعة ربانية، سنة نبوية، خصلة حميدة سلفية ، مدرسة تربوية ، دموع وعبرات قلبية ، وآهات وزفرات شجية ، خلوة برب البرية ، روضة ندية ، سعادة روحية ، قوة جسمانية ، تعلق بالجنان العلية.
والله لا يعلم لذة قيام اللّيل ولا قدره إلاّ أهله ومساكين أهل العائلة الإعلامية هم في وادٍ وأهل اللّيل في وادٍ. ولسوف يعلمون من الفائز يوم التناد! وأين هي اللذة الحقيقية!!
فهيا يا أخي الحبيب نطوف معاً في هذه الروضة...
بعض ثمرات وفوائد وثواب قيام الليل:
1- قيام اللّيل والتسبيح فيه يورث العبد الرضا، قال تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}
2- قيام اللّيل سبب للفهم عن الله والتوفيق، قال تعالى:
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلاً } أي أنّ قيام اللّيل أبلغ في الحفظ وأثبت في الخير وعبادة اللّيل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة.
3- قيام الليل دأب الصالحين، ففي الحديث الصحيح: «عليكم بقيام اللّيل فإنّه دأب الصالحين قبلكم» فهي عبادة قديمة وظب عليها الكُمّل السابقون، واجتهدوا في إحراز فضائلها.
4- قيام اللّيل يطرد الغفلة، ففي الحديث الصحيح:«من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين -والقنطار ألف ومائتا أوقية- والأوقية خير مما بين السماء والأرض».
قال يحيى بن معاذ: " دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين ".
5- قيام الليل شرف المؤمن، ففي الحديث الحسن: «واعمل أن شرف المؤمن قيامه باللّيل».
6- المتهجدون خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره، قال تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ (39) }، قال ابن عباس رضي الله عنه: "من قيام الليل".
وقيل للحسن البصري: ما بال المتهجدين باللّيل من أحسن النّاس وجوهاً؟ قال: " لأنّهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره ". وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: " إنّ الرجل ليُصلّي باللّيل، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم، فيراه من لم يره قط، فيقول: إنّي لأحب هذا الرجل ".
7- قيام اللّيل سبب لإجابة الدعاء، ففي صحيح البخاري: «من تعار من اللّيل فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله)) ثم قال: ((اللهم اغفر لي)) أو دعا استُجيب له ».
8- قيام اللّيل من موجبات الرحمة، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}
9- ضحك الله إلى المتهجدين باللّيل، ففي الحديث الحسن: «ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم، ويستبشر بهم ..... والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن، فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني!! ولو شاء لرقد!! ». وفي الحديث: « إذا ضحك الله من العبد فلا حساب عليه».
10- التهجد سبب لحسن الخاتمة، فانظر إلى المتهجدين كيف ماتوا؟ نعم، من صفّى صُفي له وإنّما يكال للعبد كما كال، من نصب قدميه في محرابه باكياً متضرعاً في سواد اللّيل، كانت له الخاتمة الطيبة، فانظر إلى تهجد سالم مولى أبي حذيفة وثابت بن قيس، كيف اتشهدا؟ وعبد الله ذي البجادين المتهجد الأواه وحسن خاتمته، حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه أمام قبره: " ياليتني كنت صاحب القبر ".
11- قيام اللّيل يهوّن من طول القيام في عرصات القيامة، قال ابن عباس: " من أحب أن يهون الله عليه طول الوقوف يوم القيامة، فليره الله في ظلمة اللّيل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ".
12- قيام الليل يورّث سكن الغرف في أعالي الجنان، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)} [السجدة:16 - 17].
وفي الحديث الصحيح: «إنّ في الجنّة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وأفشى السلام وصلى باللّيل والنّاس نيام ».
وأخيراً فثواب القيام لا تحيط به العقول وتقصر عنه العبارات ويكفيك الحديث الصحيح: « إذا استيقظ الرجل من اللّيل، وأيقظ أهله وصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات »... فما حد كثيراً؟!
فلاش .. السراة ..
الروابط المفضلة