ما هي حدود تدخل الوالدين في زواج ابنهم ؟ وهل يأثم إن خالف رغبتهما ؟
تعرفت على فتاة أسلمت حديثاً ( كانت نصرانية ) ، واتفقنا على الزواج ، لكن أسرتي تمانع ذلك بشدة .


الحمد لله
أولاً:
نرجو أن تنتبه لما فعلتَه من مخالفات شرعية من التعرف على تلك الفتاة الأجنبية عنك ، ومخاطبتك لها ، ومصاحبتها ، وغير ذلك من التقصير الذي تعترف به ، واعلم أن هذه المعاصي تقتضي منك : الإقلاع عنها ، والندم عليها ، والعزم على عدم العود لها ، مع الإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة .
وبخصوص علاقتك بتلك الفتاة : فلا يحل لك محادثتها ، أو رؤيتها ، فضلاً عن مصاحبتها والخلوة بها ، ومن الجيد لك ولها أنكما فكرتما في الزواج ، فهو الوسيلة الوحيدة لجمعك بها جمعاً شرعيّاً ، فابذل وسعك فيه ، فإن لم يتيسر لك : فلا تُبقِ لتلك العلاقة أثراً ، ولعلَّ الله تعالى أن يعوضك خيراً منها ، ويعوضها خيراً منك .
وقد سبق ذكرنا لمسألة تحريم المراسلة بين الجنسين في جوابي السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) فلينظرا .
وفي التعلق المحرم وآثاره والزواج من المتعلَّق به : يُراجع جواب السؤال رقم ( 47405 ) .
ثانياً :
بالنسبة لاعتراض أسرتك على التزوج بها : فاعلم أن علاقة الوالدين بزواج ابنهم لها صور متعددة ، ومنها :
1. عدم موافقتهم على أي فتاة يختارها لنفسه زوجة .
2. عدم موافقتهم على فتاة يختارها ، لكن عدم موافقتهم تكون لأسباب شرعية ، كأن تكون سيئة السمعة ، أو تكون على غير دين الإسلام – وإن كان نكاح الكتابية جائز في أصله - .
3. عدم موافقتهم على فتاة يختارها لا لأسباب شرعية ، بل لأسباب شخصية ، أو دنيوية ، كنقص جمالها ، أو حسبها ونسبها ، وقلبه غير متعلق بها ، ولا يخشى على نفسه لو ترك التزوج بها .
4. الصورة السابقة نفسها ، لكنَّ قلبه متعلق بها ، ويخشى على نفسه الفتنة لو أنه ترك التزوج بها .
5. إجباره على فتاة يختارونها له ، ولو كانت ذات دين وجمال .
والذي يظهر لنا من حكم تلك الصور السابقة : أنه يجب على الابن طاعة والديه في الصورتين الثانية والثالثة ، ويتأكد الوجوب في الصورة الثانية ، ففي الصورة الثانية الأمر فيها واضح ، وطاعتهما ملزمة ؛ لأنه سيقدم على أمرٍ فيه شر لابنهم وقد ينتشر ليصيبهم ، وفي الصورة الثالثة : الأمر فيها مباح له ، وطاعتهما واجبة ، فيقدم الواجب على المباح .
وأما الصورة الأولى والرابعة والخامسة : فلا يظهر أنه يجب عليه طاعتهما ؛ فاختيار الزوجة من حق الابن ، وليس من حق والديه ، ويمكنهم التدخل في بعض الحالات ، لا فيها كلها ، فمنعُه من التزوج بأي فتاة يختارها بغض النظر عن كونها متدينة أم لا : تحكم لا وجه له ، ولا يلزمه طاعتهما .
وكذا لو تعلق قلبه بامرأة ، وخشي على نفسه الفتنة لو أنه لم يتزوج بها : فهنا لا تلزمه طاعتهما إذا أمراه بتركها ، وعدم التزوج بها ؛ لما يؤدي ذلك إلى شر وفتنة جاءت الشريعة لدرئهما عنه .
ويتأكد عدم طاعتهما في الصورة الخامسة ، وهي أن يلزماه بفتاة هم يختارونها ، وهذا ليس مما يلزمه طاعتهما فيه ، وهو بمنزلة الطعام والشراب ، فهو يختار ما يشتهي ليأكله ويشربه ، وليس لهما التحكم في ذلك .
قال ابن مفلح الحنبلي رحمه الله :
ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (أي : ابن تيمية) : إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد ، وإنه إذا امتنع لا يكون عاقا ، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه : كان النكاح كذلك ، وأولى ، فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة ، وعِشْرة المكروه من الزوجين على طول ، تؤذي صاحبه ، ولا يمكنه فراقه . انتهى كلامه .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 447 ) .
وعليه نقول :
إذا كانت تلك الفتاة قد أسلمت وحسن إسلامها ، وكان قلبك معلَّقاً بها ، وكنت تخشى على نفسك الفتنة لو أنك تركتها : فنرى أن تتزوجها ، ولو لم توافق أمك ، وأولى من هذا أنك تخشى على دينها أن تُفتن فيه ، بسبب عدم وجود من يرعى شأنها وأمرها .
ونوصيك بمحاولة بذل الجهد لإقناع والديك ؛ لتجمع بين الخيرين : طاعتهما ، والتزوج بمن تعلق قلبك بها ، ولك أن تتزوج دون علم والدتك ، مع الحرص على هدايتها ، وإرشادها ، والدعاء لها ولوالدك .
واعلم أنه حيث جاز لك التزوج بمن ترغب ، ولم تُلزم بطاعة والديك : فلا تخشَ دعاءهما عليك ، وغضبهما منك ؛ لأنه دعاء بإثم ، ولا يقبله الله منهما ، إن شاء الله ، إلا أن تكون ظالماً لهما معتدياً عليهما ، وحيث جاز لك التزوج دون الالتزام بما يرغبانه فلست آثماً ولا ظالماً .
وانظر – للأهمية - : جوابي السؤالين : ( 82724 ) و ( 84052 ) .
وانظر جوابي السؤالين : ( 21831 ) و ( 5512 ) .
وفي تلك الأجوبة بيان لكثير من الصور التي ذكرناها .
وانظر جواب السؤال رقم ( 5053 ) ففيه بيان حقوق أمك عليك ، وحقوقك على أمك .
ثالثاً :
اعلم أنه لا يجوز لك التزوج بتلك الفتاة من غير ولي لها ، فإن كان ثمة ولي لها من أهلها من المسلمين : فيجب موافقته على الزواج - ولا ولاية لكافرٍ عليها إن هي أسلمت - ، فإن لم يوجد أحد من المسلمين من أوليائها : تولى أمرها أحد المسلمين ، كقاضٍ شرعي ، أو مفتٍ للمسلمين ، أو إمام مركز إسلامي ، وبكل حال : لا يحل لها التزوج من غير ولي .
وانظر - للأهمية - : جواب السؤال رقم ( 7989 ) .
والله أعلم


الإسلام سؤال وجواب