عمر بن عبد العزيز بن مروان ,وابنه عبد الملك

(الجزء الثاني)
( الخطبة الأولى)
فلما رأى الأصوات قد هدأت ورضي به الناس جميعا حمد الله وأثنى عليه
وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال :
أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلف من كل شيء ليس من تقوى الله عز وجل خلف فاعملوا لآخرتكم فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تبارك وتعالى أمر دنياه وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم وأكثروا ذكر الموت وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم فإنه هادم اللذات وإن من لا يذكر من آبائه فيما بينه وبين آدم عليه السلام أبا حيا لمعرق في الموت وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل ولا في نبيها ولا في كتابها إنما اختلفوا في الدينار والدرهم وإني والله لا أعطى أحدا باطلا ولا أمنع أحدا حقا ثم رفع صوته حتى أسمع الناس فقال : يا أيها الناس من أطاع الله فقد وجبت طاعته ومن عصى الله فلا طاعة له أطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم .
(من تواضع لله رفعه)
ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء فحملت وأمر ببيعها وإدخال أثمانها في بيت مال المسلمين .
(الابن العَون )
ثم ذهب يتبوأ مقيلا فأتاه إبنه عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين ماذا تريد أن تصنع قال أي بني أقيل قال تقيل ولا ترد المظالم قال أي بني إني قد سهرت البارحة في أمر عمك سليمان فإذا صليت الظهر رددت المظالم قال يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر قال ادن مني أي بني فدنا منه فالتزمه و قبل بين عينيه وقال الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني .
{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )
عن عمر بن ذر قال قال مولى لعمر بن عبد العزيز حين رجع من جنازة سليمان مالي أراك مغتما قال لمثل ما أنا فيه يغتم إنه ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أحد في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني .
فخرج ولم يقل وأمر مناديه أن ينادي ألا من كانت له مظلمة فليرفعها فقام إليه رجل ذمي من أهل حمص أبيض الرأس واللحية فقال يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله ، قال : وما ذاك ؟ قال : العباس بن الوليد بن عبد الملك اغتصبني أرضى ، والعباس جالس ، فقال له : يا عباس ما تقول ؟ قال : أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وكتب لي بها سجلا . فقال عمر : ما تقول يا ذمي ؟ قال : يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل ، فقال عمر : كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك ، قم فاردد عليه يا عباس ضيعته ؛ فرد عليه . فجعل لا يدع شيئا مما كان في يده وفي يد أهل بيته من المظالم إلا ردها مظلمة مظلمة .
(ولا ينال سلام الله الظالمين)
فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك فكتب إليه إنك قد أزريت على من كان قبلك من الخلفاء وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشنئا لمن بعدهم من أولادهم قطعت ما أمر الله به أن يوصل إذ عمدت إلى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها في بيت المال جورا وعدوانا ولن تترك على هذا
فلما قرأ كتابه كتب إليه .
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمر بن الوليد
السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين أما بعد فإنه بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه أما أول شأنك ابن الوليد كما زعم فأمك بنانة أمة السكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل وتدور في حوانيتها ثم الله أعلم بها إشتراها ذبيان من فيء المسلمين فأهداها لأبيك فحملت بك فبئس المحمول وبئس المولود ثم نشأت فكنت جبارا عنيدا تزعم أني من الظالمين لم حرمتك وأهل بيتك فيء الله عز وجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم فيهم برأيك ولم تكن له في ذلك نية إلا حب الوالد لولده فويل لك وويل لأبيك ما أكثر خصماءكما يوم القيامة وكيف ينجو أبوك من خصمائه وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من استعمل الحجاج بن يوسف يسفك الدم الحرام ويأخذ مال الحرام وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من إستعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر أذن له في المعازف واللهو والشرب وإن أظلم مني وأترك لعهد الله من جعل لعالية البربرية سهما في خمس العرب فرويدا يا بن بنانة فلو التقى حلقتا البطان ورد الفيء إلى أهله لتفرغت لك ولأهل بيتك فوضعتهم على المحجة البيضاء فطالما تركتم الحق وأخذتم في بنيات الطريق ومن وراء هذا ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل فإن لكل فيك حقا والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين .