بسم الله الرحمن الرحيم


أخى العزيز ، لعلك سألت نفسك عندما قرأت رسالة رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هرقل عظيم الروم و هى :

" بسم الله الرحمن الرحيم ،

من محمد عبد الله ورسوله ،

إلى هرقل عظيم الروم ،

سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ،

وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ،

فإن توليت فعليك إثم الأريسيين ، و

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ

أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً

وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ

صحيح البخارى – رواية عبد الله بن عباس (2940) و أبى سفيان ( 4553)


و اسمحوا لى أن نركز فى هذه العبارة : فإن توليت فعليك إثم الأريسيين

من هم هؤلاء الأريسيون الذين حذر رسولُ الله صلى الله عليه و سلم هرقلَ (عظيمَ الروم) من أن يتحمل إثمهم ؟؟


الأريسيون : هم أتباع آريوس

من هو آريوس ؟؟

دعنا ننتقل معاً إلى سنة 325 م ، فى نيقية

( قرية أسنيك باسطنبول بتركيا حالياً ) حيث أصبحت بيزنطة ( اسطنبول ) عاصمة الدولة الرومانية من 335م .

فى هذا الوقت ، رأى الإمبراطور الرومانى قسطنطين أن العنف و الإضطهاد الذى مارسه سابقوه ضد المؤمنين من النصارى و أشبعوهم قتلاً و تنكيلاً لم يفلح معهم

فأتبع أسلوباً آخر لتشويه الدين الصحيح ، وإخضاع الجميع إلى الفلسفة الإغريقية التى كان الرومان يؤمنون بها

هذه الفلسفة تقوم على فكرة الثالوث أن الله – و العياذ بالله – عبارة عن ثلاثة أجزاء : إله فى السماء و إله فى الأرض ، و إله وسيط بينهما

سيطرت فكرة الثالوث على بعض القساوسة فى ذلك الحين ، فأراد قسطنطين أن ينتهز الفرصة لفرض هذه الفلسفة حتى على النصرانية

لم يتفق القساوسة على نفس الرأى ، فمنهم من كان يقول أن المسيح هو الله ، و منهم من كان يقول أنه ابن الله ، و منهم من كان يقول أنه جزء من ثلاثة أجزاء

و منهم بالطبع من كان يؤمن بالدين الحق ، أن عيسى عليه السلام عبد الله و رسوله و أن الله أرسله ليعلم الناس الدين الحق ، كما أرسل إلى الأنبياء السابقين عليهم جميعاً الصلاة و السلام

و من هؤلاء المؤمنين ( آريوس )

كان آريوس كاهناً ليبياً ، درس فى إنطاكية ، و عاش فى الأسكندرية بمصر


لك أن تتخيل معى هذا الجو الملىء بالفتن ، اليهود من جهة ، و الرومان من جهة أخرى

و المتمسكون بدينهم الحق قد أشبعهم الرومان قتلاً و تعذيباً

فى هذا الوقت ، دعا الإمبراطور قسطنطين إلى عقد مجمع نيقية ، و اشترك فيه كبار القساوسة من الشرق و الغرب ، ليتفقوا على عقيدة واحدة بشأن السيد المسيح عليه السلام

و أعلن الإمبراطور أنه لن يتدخل فى مناقشات القساوسة ، و برغم ذلك كان كل من يرفض التوقيع فجزاؤه النفى أو التعذيب !! مدعياً أنه لن يسمح بالإختلاف

اتفق المجتمعون ( عددهم 318) - إلا إثنين مع آريوس و جماعته - و لا حول و لا قوة إلا بالله –

على مايلى :

أن السيد المسيح مولود من الآب قبل كل الدهور (أزلي)

إله من إله، نور من نور ، إله حق من إله حق

مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر

و بنهاية هذا المجمع ، كان جزاء الآريسيين إما النفى أو القتل أو التعذيب

أو أن يقـروا ما اتفق عليهم المجتمعون

و ما ارتضاه الإمبراطور الرومانى قسطنطين

و عليه أمر الإمبراطور بحرق كل الكتب التى تخالف هذه العقيدة ( الإغريقية ) التى أقرها

و من بين الكتب المحروقة بالطبع الكتب التى كانت تنادى بالتوحيد الخالص لله عز و جل

و حدثت فتنة كبرى ، انقسم النصارى بعدها إلى فرق تختلف إختلافاً جذرياً فى العقيدة ، و تلا هذا الإجتماع إجتماعات أخرى تناقش تفاصيل فلسفية مثل الخلاص و المشيئة

كان أمل سيدنا عيسى عليه السلام أن يأتى محمد عليه الصلاة و السلام

ليوضح للناس الحقيقة كلها


" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ

وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ

وَأَضَلُّواْ كَثِيراً

وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ "

[المائدة : 77]


" يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ

إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ

وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ

فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ

إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ

لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً

[النساء : 171]