لقد كانت الإساءة التي تعرض لها نبينا الكريم e قاصمة للظهر حقا؛ لكنها جعلت الناس كل الناس بأطيافهم المختلفة عربا وعجما، ملتزمين وغير ملتزمين، قوميين وغير قوميين، سنة وشيعة، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، شيبا وشبابا، يتفاعلون مع هذا الأمر، وأظهرت المرأة المسلمة في هذه المحنة أنها ليست أقل دفاعا عن الرجل وبخاصة إذا كان هذا الدفاع عن الحبيب المصطفىe.
وكم كان لافتا للنظر أن تخرج في باكستان على سبيل المثال مظاهرة نسائية يزيد عددها عن 20 ألف امرأة، لم يكن لها هدف سوى أن تندد بالجرائم البشعة التي جاءت بها الصحيفتان الدانملركية والنرويجية.
إن هذه الصورة المشرقة التي أظهرتها المرأة المسلمة بإقامة المؤتمرات، وتنظيم الندوات، وحضور المسيرات، وتسير المظاهرات، لدليل قاطع على أن لها دورا فعالا في معترك الحياة، وأنها مكملة للرجل كما أنها شقيقة له، كما قال المصطفى e: "النساء شقائق الرجال" (1).
إن موجة الغضب التي ضربت الشوارع الإسلامية، أظهرت أن المرأة ليست بعيدة عن ميادين الدعوة المختلفة، فهي كالرجل تماما بتمام تدعو وتجاهد، وتعلم وتدافع، وتوجه وتناصر، وتقوم وتناضل، وقد يكون نضالها حقيقة، وقد يكون ذلك بالمؤازرة للرجل تارة أخرى، وسأذكر في عجالة بعض مواقف المرأة التي سجلها لها التاريخ وهي تذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسماء بنت يزيد ترفع الراية
ولقد عبرت عن ذلك إحدى نساء بني عبد الأشهل وهي: أسماء بنت يزيد الأنصارية e التي أتت النبي وهو بين أصحابة فقالت: "بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع إلا وهي على مثل ما رأى، أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله.
وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا ومرابطا حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابا وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟.
فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء: أن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته تعدل ذلك كله. قال: فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا" (2).