ضفدعتان في بئر
بقلم :غادة مظلوم
خبيرة فى علم تعبير الرؤيا

عندما قرأت هذه القصة تذكرت قول نبينا صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا » فمن المعروف أن الكلام أبقى من صاحبه في الدنيا، فكم من راحل عن دنيانا وفكره لا يزال مسطوراً له أو عليه.وكم من حسنات متصلة تصل بالرحمات إلى قبور أصحابها، وكم من لعنات والعياذ بالله تمطر على أصحابها بعد موتهم ممن أثاروا الفتن بأقلامهم وأفكارهم، وصدق الله العظيم إذ يقول {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}. فأردت ان تقرأوها معى لنتعلم سويا قيمة الكلمة ومدى تأثيرها :

كانت مجموعة من الضفادع تقفز مسافرةً بين الغابات, وفجأة وقعت ضفدعتان في بئر عميق. تجمع جمهور الضفادع حول البئر ولما شاهدا مدى عمقه صاح الجمهور بالضفدعتين اللتين في الأسفل أن حالتهما جيدة كالأموات
تجاهلت الضفدعتان تلك التعليقات وحاولتا الخروج من ذلك البئر بكل ما أوتيتا من قوة وطاقة واستمر جمهور الضفادع بالصياح بهما أن تتوقفا عن المحاولة لأنهما ميتتان لا محالة
أخيرا انصاعت إحدى الضفدعتين لما كان يقوله الجمهور واعتراها اليأس؛ فسقطت إلى أسفل البئر ميتة. أما الضفدعة الأخرى فقد دأبت على القفز بكل قوتها ومرة أخرى صاح جمهور الضفادع بها طالبين منها أن تضع حدا للألم وتستسلم للموت؛ ولكنها أخذت تقفز بشكل أسرع حتى وصلت إلى الحافة ومنها إلى الخارج
عند ذلك سألها جمهور الضفادع: أتراك لم تكوني تسمعين صياحنا؟! شرحت لهم الضفدعة أنها مصابة بصمم جزئي، لذلك كانت تظن وهي في الأعماق أن قومها يشجعونها على إنجاز المهمة الخطيرة طوال الوقت

يا لها من عظة حقا ان قوة الموت والحياة تكمن في اللسان, فكلمة مشجعة لمن هو في الأسفل قد ترفعه إلى الأعلى وتجعله يحقق ما يصبو إليه ، أما الكلمة المحبطة لمن هو في الأسفل فقد تقتله، لذلك انتبه لما تقوله، وامنح الحياة لمن يعبرون في طريقك ، واعلم أنه يمكنك أن تنجز ما قد هيأت عقلك له وأعددت نفسك لفعله؛ فقط لا تدع الآخرين يجعلونك تعتقد أنك لا تستطيع ذلك.

لقد فهم سلفنا الصالح مراد الله تعالى من قوله : { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيما} وعلموا أن النجاة في كف اللسان إلا من ذلك الذي أشار إليه القرآن في التناجي بين الناس ؛ ولهذا سأل عقبة بن عامر الجهني رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً : " ما النجاة ؟ قال : أمسك عليك لسانك ، ولْيسعك بيتك ، وابكِ على خطيئتك ".
ومصداق هذ قوله تعالى :{ وقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَتِي هِيَ أَحْسَنُ } فهو جل شأنه يعلم كم تساهم الكلمة إلى حد بعيد في إحياء الأمة الإسلامية ، وبخاصة إذا ما تسربت إلى القلوب فاستقرت فيها .. فالكلمة الصادقة الصادرة من القلب تثير عواطف النفوس ، وتحيي اموات القلوب ، وتدفع إلى التغيير بإذن الله . ومن هنا كان افتقاد فقه الكلمة وأدب الحوار من الأمور التي تُفقد الدعوات روحها وتأثيرها ، وتؤدي بالمجتمعات إلى التفكك والانهيار ومما جاء في السنة المباركة : "يوزن مداد العلماء ودماء الشهداء فيرجح مداد العلماء"،وإذا كان المداد (الحبر) يفوق منزلة دماء الشهداء، فإن هذا يدل على مدى خطورة القلم وعظيم أثر الكلمة.
" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء "

فما أحوجنا إلى الوعّاظ الصادقين الذين ينفخون الحياة في قلوب الغافلين والفاترين ! .
ورحم الله القائل : إن الكلمات والمبادئ والأفكار ، بلا عقيدة دافعة : مجرد كلمات خاوية والذي يمنحها الحياة حرارة الإيمان المشعة من القلب.
أخرج الترمذي وابن ماجه و ابن حبان عن بلال ابن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " « إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ ». ".

فمن كان يريد العزة : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} لقد جعل الله من أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله ، القول الطيب والعمل الصالح القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه ، والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه .وفقنا الله جميعا الى مايرضيه سبحانه وتعالى من صالح كلامنا واعمالنا.