تلون أهل الود

كلما تقدم العمر بالإنسان, وكثر تقلبه في هذه الحياة الدنيا, وزادت بصيرته ومعرفته بالناس؛ زادت شكواه من تلون أهل وده, وكثر عتبه على من كان ملء سمعه وبصره.
ولا ريب أن بقاء المودة, واستمرار رابطة الصلة نادر قليل، ومن ذا الذي يا عَزَّ لا يتغير.
فلا بد -إذاً- من توطين النفس على طروء التغير, وتلون المودة, وتقلب الأحوال؛ فالأيام دول، والدهر قلب, والتقصير حاصل, والملل يعتري النفوس, والخلل قد يقع من غيرك عليك, ومنك على غيرك؛ فخذ العفو, والتمس العذر, وأمسك لسانك عن الوقيعة, ولا تكثر من تحميل غيرك التبعة, وفي الوقت نفسه لا تبالغ في لوم نفسك, ثم استغفر لَذْنبك؛ وتب إلى ربك؛ لأن الجفاء والتجني, والقطيعة عذاب, وهم وهي من جملة البلاء, وما نزل بلاء إلا بذنب, وما رفع إلا بتوبة واستغفار.
وأخيراً خذ بوصية أسامة بن منقذ الذي عُمِّر طويلاً, فتجاوز التسعين, ومر بالتجارب, وعانى الخطوب, وخاض الحروب, وعركته الأيام بميسمها, وذاق حلوها ومرها, ها هو يقول:
وما أشكُو تلَوُّنَ أهلِ وُدّي ولو أجْدَتْ شَكِيَّتُهم iشكوْتُ
مَلِلْتُ عتابَهم ويئستُ
iمنهُم فما أرجوهُمُ فيمن رَجوتُ
إذا أدْمَتْ قَوارِصُهُم فؤادي كَظَمتُ على أَذَاهم وانطويْتُ
ورُحتُ عليهِمُ طَلْقَ المُحَيَّا كأَنّي ما سمِعتُ ولا رأيتُ
تجنَّوْا لِي ذُنوباً ما جنتْها يَدايَ ولا أَمرتُ ولا نَهيتُ
ولا واللّهِ ما أضمرتُ غدْراً كما قد أظهَروهُ ولا نَويتُ
ويومُ الحشرِ موعدُنا وتَبدُو صحيفةُ ما جنَوْهُ وما جنيتُ





للشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد -حفظه الله-