إليك أخي العزيز هذه الفقرات الرائعة من محاضرة بعنوان ( الإيــمــان .. ينـبوع السـعادة ) للدكتور : الدكتور حسان شمسي باشا /

ليست السعادة في وفرة المال .. ولا سطوة الجاه .. ولا كثرة الولد .. ولا نيل المنفعة .. ولا في العلم المادي

السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه : صفاء نفس .. وطمأنينة قلب .. وانشراح صدر .. وراحة ضمير

السعادة – كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي - : " شيء ينبع من داخل الإنسان .. ولا يستورد من خارجه . وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية .. والقلب الإنساني .. فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها .. وغذاؤها .. وهواؤها "

ويقول أديب مصر ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) رحمه الله : " حسبك من السعادة في الدنيا : ضمير نقي .. ونفس هادئة .. وقلب شريف "

يروى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني . فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني ، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !.. فقال الزوج في دهشة وما هو ؟ قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !..

وتجاربنا في الحياة – كما يقول الدكتور أحمد أمين – تدلنا على أن الإيمان بالله مورد من أعذب موارد السعادة ومناهلها . وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعون الله في تصرفاتهم ، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتهم . وإذا فشا الدين في أسرة ، فشت فيها السعادة . ويقول الدكتور كامل يعقوب : " والحقيقة التي لامستها في حياتي – كطبيب – أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة الإيمان .. وأشدهم تعلقا بأهداب الدين "

وقد حدث ذات مرة أن كان أحد الأطباء الناشئين يمر مع أستاذه على بعض المرضى في أحد المستشفيات الجامعية . وكان الأستاذ رجلا أيرلنديا واسع العلم متقدما في السن . وجعل الطبيب الشاب – كلما صادف مريضا قد زالت عنه أعراض المرض – يكتب في تذكرة سريره هذه العبارة : " شفي ويمكنه مغادرة المستشفى " . ولاحظ الأستاذ علائم الزهو على وجه تلميذه .. وقال له وهو يرنو إليه : اشطب كلمة " شفي " يا ولدي .. واكتب بدلا منها كلمة " تحسن " .. فنحن لا نملك شفاء المرضى .. ويكفينا فخرا أن يتحسنوا على أيدينا .. أما الشفاء فهو من عند الله وحده "

ويعلق على ذلك الدكتور كامل يعقوب قائلا : " ولست أشك في أن مثل هذا الإيمان العميق – إلى جانب العلم الغزير هو من دواعي الغبطة الروحية .. والسعادة الحقة "

الســعادة .. في ســكينة النـفس

وسكينة النفس – بلا ريب – هي الينبوع الأول للسعادة . " هذه السكينة – كما يقول الدكتور القرضاوي في كتابه القيم ( الإيمان والحياة ) – روح من الله ، ونور يسكن إليه الخائف ، ويطمئن عنده القلق ، ويتسلى به الحزين "

وغير المؤمن في الدينا تتوزعه هموم كثيرة ، وتتنازعه غايات شتى ، وهو حائر بين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه . وقد استراح المؤمن من هذا كله ، وحصر الغايات كلها في غاية واحدة عليها يحرص ، وإليها يسعى ، وهي رضوان من الله تعالى . قال تعالى : " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " طه 122 – 123

وأي طمأنينة ألقيت في قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يوم عاد من الطائف ، دامي القدمين ، مجروح الفؤاد من سوء ما لقي من القوم ، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ، يقرع أبوابها بهذه الكلمات الحية النابضة ، فكانت على قلبه بردا وسلاما : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي .. وقلة حيلتي .. وهواني على الناس يا أرحم الراحمين . أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي .. إلى من تلكني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي .. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك .. لك العقبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله "

ومن أهم عوامل القلق تحسر الإنسان على الماضي ، وسخطه على الحاضر ، وخوفه من المستقبل ، ولهذا ينصح الأطباء النفسيون ورجال التربية أن ينسى الإنسان آلام أمسه ، ويعيش في واقع يومه ، فإن الماضي بعد أن ولى لا يعود . وقد صور هذا أحد المحاضرين بإحدى الجامعات الأمريكية تصويرا بديعا حين سألهم : كم منكم مارس نشر الخشب ؟ فرفع كثير من الطلبة أصابعهم . فعاد يسألهم : كم منكم مارس نشر نشارة الخشب ؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه . وعندئذ قال المحاضر : بالطبع ، لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب فهي منشورة فعلا .. وكذلك الحال مع الماضي ، فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي ، فاعلموا أنكم تمارسون نشر النشارة !!..

الــســعادة .. في الــرضـا

والرضا درجة أعلى من درجة الصبر ، لا يبلغها إلا من أتاه الله إيمانا كاملا وصبرا جميلا ، فترى الراضي مسرورا راضيا فيما حل به ، سواء أكان ذلك علة أم فقرا أم مصيبة ، لأنها حدثت بمشيئة الله تعالى ، حتى قد يجد ما حل به نعمة أنعم الله بها عليه . ولهذا كان من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأسألك الرضا بالقضاء .. " . وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الراضين فقال : " لأحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء" رواه أبو يعلى

ويحدثنا التاريخ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كف بصره ، وكان مجاب الدعوة ، يأتي الناس إليه ليدعو لهم فيستجاب له ، فقال له أحدهم : يا عم ، إنك تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك ! فقال رضي الله عنه : يا بني ، قضاء الله عندي أحسن من بصري

والساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعما ، فحياتهم كلها ظلام وسواد . أما المؤمن الحق فهو راض عن نفسه ، راض عن ربه ، وهو موقن أن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه ، يناجي ربه يقول " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آل عمران 26

منقول..