الأحلام بين البشارات والأضغاث
كثر حديث الناس وسؤالهم في مثل هذه الأيام العصيبة عن موضوع الرؤيا، وعما يرونه في منامهم من أحلام، يودون معرفة تفسيرها، الأمر الذي دفعهم للذهاب فيها كل مذهب، حتى ولو كان عن طريق غير شرعي، كالذهاب إلى المنجمين أو ما يسمى بالعرّاف، أو حتى الاستعانة بكتب غير شرعية منسوبة إلى أناس صالحين من سلف هذه الأمة زوراً وبهتاناً، ككتاب ((تفسير الأحلام)) المنسوب إلى ابن سيرين رحمه الله تعالى. الأمر الذي يوقعهم فيما نهى الله عنه، من سوء ظنٍ، وافتراءٍ، وحتى الاعتراضٍ على ربهم سبحانه وتعالى في بعض الأحيان...الخ، ومرد كل ذلك إلى ضعفٍ في إيمانهم وتوكلهم، ولجهلهم بأمور دينهم ، وإلى حالة الإحباط واليأس التي يمرون بها؛ والتي ولدتها الابتلاءات، والفتن الجارية عليهم بقلم القدرة الإلهية الرحيمة الحكيمة، أو بما كسبته أيديهم من أعمالٍ ترشح عنها ما هم فيه من بلاء، قال تعالى: ] وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ[ [الزخرف : 76].
وزاد الأمر سوءاً قيام دور نشرٍ، ومواقع حاسوبية، وفضائيات، بإشاعة مثل هذه الكتب والمواضيع بين الناس إضلالاً لهم وفق منهج معدٌ لهُ ومدروس !، أو لأغراض مادية أو دعائية، لا تنفع الناس، ولا تخدم المسلمين من قريب ولا من بعيد.
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ]وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ[ أي: عن الباطل، وهو يشمل: الشرك -كما قاله بعضهم-والمعاصي -كما قاله آخرون -وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال، كما قال تعالى: ]وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا[ [الفرقان: 72] .ﻫ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأحببت أن أكتب هذه الرسالة التوضيحية لهذا الأمر، والله من وراء القصد ومنه أستمد العون.
مفهوم الرؤيا لغة واصطلاحاً :
جاء في مختار الصحاح 1: 167 [ حُلُم ] ح ل م : الحُلْمُ بضم اللام وسكونها ما يراه النائم، وقد حَلَم يحلمُ بالضم حُلْماً و حُلُماً و احْتَلَم أيضاً، وحَلَمَ بكذا وحلم بكذا بمعنى أي رآه في النوم، والحِلْمُ بالكسر الأناة، وقد حَلُم بالضم حِلْماً، وتَحَلّم تكلف الحُلم، وتَحَالَمَ أرى من نفسه ذلك وليس به .ﻫ
قال الراغب الأصفهاني في كتاب ((الذريعة)): ومن علم الفراسة ، علم الرؤيا، وقد عظَّمَ اللهُ أمرها في جميع الكتب المنزلة، والرؤيا هي فعل النفس الناطقة، ولو لم يكن لها حقيقة لم يكن لإيجاد هذه القوى في الإنسان فائدة، واللهُ يَتَعالى عن الباطل.
والرؤيا على ما تقدم تقسم إلى:
1- رؤيا الأنبياء عليهم الصلات والسلام، وهي من جنس الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهن قال تعالى حاكيا على لسان إسماعيل e حين أخبره والده إبراهيم برؤياه: ] فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ [الصافات : 102].
وجاء في صحيح البخاري في باب { أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة }: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح) .
2- الرؤيا التي يراها المؤمن، وهي من جنس البشارات، والمؤيدات الربانية، عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ الرسالةَ والنبوةَ قد انقطعت، فلا رسولٌ بعدي، ولا نبي، قال –أي أنس- فشقَّ ذلك على الناس، قال –أي أنس- قال –أي رسول الله e-: ولكن المبشرات، قالوا: يا رسول الله، وما المبشرات ؟ قال: رؤيا الرجل المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة ). قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح .
3- حديث النفس، وهو ما يوحيه العقل الباطن على صاحبه في أمر يكثر المرء من التفكير فيه، فينعكس عن عقله الباطن فيراه في منامه، وهذا كثير في الناس.
4- ما يراه الإنسان من أضغاث الأحلام في ساعات مرضه، وخاصة حينما يوعك المرء وعكاً شديداً، وهذا كثير ما يحدث عند المرضى.
5- ما يلقيه الشيطان في روع ابن آدم من نفثه، وهذا ما أخبرنا وأكَّده e، روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه: عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه t قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لا تضره ).
وللحديث بقية
الروابط المفضلة